لا شك أن العدوان الأمريكي على العراق بكل ما حمل من تبجّح واستهتار بالقيم الإنسانية، التي يدعى الصليبيون الغـُزَاة أنهم حُمَاتُها!، وبكل الدمار والقتل والتشريد وهدر الثروات والقضاء على حضارة كاملة، لا شك أن ذلك من أبشع الجرائم التي إرتكبت في حق البشرية في العقود الأخيرة. إلا أن المعتدى لا ينتصر بقوته وحدها ولكن بضعف عدوه وتخازله. والصليبيون ما كان لهم أن يفعلوا فـَعلتهم التي فعلوا إنْ كان عدوهم ذى قوة وعزة ومنعة. والصليبيون ضربوا بلاد المسلمين كافة بضربٍهم العراق وبغصبهم أرضها وقتلهم أهلها. وكان الواجب أن ينتصر المسلمون في كلّ مكان لإخوانهم في العراق وأفغانستان. إلا أنّ النظم العربية والإسلامية (دعوى) وياللأسف قد تخلت عن عروبتها وكرامتها وإسلامها أول ما تخلّت، وصمتت صمت الموتى الذين لا بعث لهم. بل حتى حقّ الشجب الذي تعودنا أن نتشبث من خلاله ببعض الكرامة لم يقدروا أن يمارسوه، خوفا وفزعا من المارد الصليبي الغاصب الغاضب، أو تمالؤا معه لصالح العلمانية و"حكم العائلة" الذي أصبح المذهب السياسي الجديد في المنطقة بأسرها.
جريمة هذه الأنظمة أكبر وأخطر من جريمة الصليبيين، إذ هي جريمة في حقّ مواطنيهم، في حق أهلهم وأبناء أرضهم، ووالله لا أدري أين إدّارت النخوة العربية والعزة وتوارت عن الأنظار مخلّفة ذلّة وانكساراً وردّة عن الحق لن ينساها ابناء الأجيال القادمة، وقد قال تعالى: "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، فقد غفل هؤلاء عن سنّة المداولة فظنوا أنّ دولهم باقية لهم، فباعوا قضيتهم بثمن بخسٍ أياما معدودةً في كراسي الحكم.
ولو أنّ هذه الأنظمة كان لا تزال تحمل بقايا النخوة العربية وأبسط مبادئ الرجولة لما تمكنت القوى الصليبية من هذا الطغيان الشرس الذى ذلّ رقاب المسلمين ممن لا يزال لديهم بقية إسلام، ولكن ما نجحت فيه هذه الأنظمة هو القهر المتزايد لدعاة الإسلام من ناحية ونشر الرذيلة بمعدل أكبر، خاصة في رمضان!، عن طريق المسلسلات و"كليبات الفيديو" ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الخيانة العربية في هذه الجريمة التي لا تزال تُرتكب على أراضى المسلمين أكبر وأبشع من خيانة فاعليها وعقابها عند الله والناس أشدّ وأقسى لو كان هؤلاء الزعماء يعلمون "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ".
د. طارق عبد الحليم