إزالة الصورة من الطباعة

'الحالة' المصرية .. والكارثة العلمانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رَسول الله صَلى الله عليه وسلم

حين يتحدّث العلمانيون اللادينيون عن الحكم، فإنهم يقصدون "حالة" معينة يريدون أن يعيشها الشعب المصريّ. تتناول هذه الحالة الأساس الذي يحيا عليه الشعب المصريّ، ويشمل ثقافته وإجتماعه وعاداته وتصوراته عن الحياة وما بعد الحياة. وهي حالة أشبه ما تكون بدينٍ، إذ الدين، في العُرف اللغوىّ هو ما يخضع له المرء، من فعل "دان"، فيكون تحت قهر طاعته، وإلتزام وجهته، لذلك يقول الله "وَلِكُلٍّۢ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا" البقرة 148، كما ذكر السعدى في شرحه على الآية "وليس الشأن في استقبال القبلة، فإنه من الشرائع التي تتغير بها الأزمنة والأحوال، ويدخلها النسخ والنقل، من جهة إلى جهة، ولكن الشأن كل الشأن، في امتثال طاعة الله، والتقرب إليه، وطلب الزلفى عنده، فهذا هو عنوان السعادة ومنشور الولاية". فكُل من هؤلاء له وجهة هو مُولّيها، وهذه "الحالة" التي يدين بها العلمانيين اللادينيين هي وجهتهم، ووجهة المسلمين هي لله سبحانه.

وهذه "الحالة"، ليست برنامجاً سياسياً، أو إقتصادياً أو إجتماعياً، بل هي تصور عامٌ، يقوم على أساس واحد، أنّ "الدين" الذي جاء به الإسلام، كإطار عامٍ للحياة، يرسم للمجتمع ثقافته وإجتماعه وعاداته وتصوراته عن الحياة وما بعد الحياة، والذي هو "الدين" المقبول عند الله، لا يصلح أن يكون إطاراً لحياة الشعب المصريّ، إذ هو تخلّفٌ وعودة إلى الوراء، وإملاءٌ على فئة الأقلية من المجتمع التي لا ترضى به ولا تريده، هكذا دون مبرر لتغليب أمر الأقلية على الأغلبية.

"الحالة" اللادينية العلمانية لا تتحدث عن برامج إصلاحٍ، ومن يعتقد أنهم معنيون بالإصلاح فقد ضل ضلالاً بعيداً. إنما هؤلاء يقصدون إلى تحويل القاعدة الشعبية في مصر من حالة "العاطفية"، او "اللاعقلانية"، أو "السطحية" أو ما شئت من أوصاف يصفون بها كلّ متدين بدين الإسلام، ودين الإسلام وحده لا النصرانية!، إلى الدخول تحت "الحالة" اللادينية العلمانية التي يروجون لها، والتي، في نهاية الأمر، لا تعنى إلا "رفض دين الإسلام" الذي هو شرائعه إلى جانب شَعائره، لا أكثر ولا أقل. ليست لهذه "الحالة" اللادينية العلمانية قوانين أو مبادئ ثابتة يرجعون اليها حين التنازع، إلا مبدءاً واحداً، هو عَدم الرجوع إلى شرع الإسلام. أما ما عدا ذلك فهم فيه متنازعون تنازُع الضِباع على الجيفة.

أمر هذه "الحالة" اللادينية العلمانية التي يريد هؤلاء للشعب المصريّ أن يعيشها، ليس أمراً منضبطاً بأي ضوابطٍ ملزمة، وإنما هي مجرد تفلتٍ من الضوابط القليلة الباقية التي لازالت تشد من أزر المجتمع وتقيه من السُقوط التام بعد أن جرّده النظام السَابق من غالب الضَوابط الإجتماعية، فضلاً عن الحالة الإقتصادية التي باتت تقتل الناس وهم على قيد الحياة.

ومن هنا يبرز السؤال، كيف تبدو مصر في ظل حُكم عِلمانيّ صَريح، في منظور هذه "الحالة" الإجتماعية؟ سؤال تقشعر جلود الذين آمنوا من جوابه. لن يكون هناك إصلاح في جانب الصناعة أو الزراعة أو التجارة، ولن تُبنى قاعدة صِناعة ثقيلة، تحتاجها البلاد الآن كما يحتاج الماء والهواء. "الإصلاح" المرتقب في ظل حكمٍ علمانيّ سيكون موجهاً للسياحة، عن طريق إطلاق الخمور للسياح، وتوسيع قاعدة الفن الخليع، وفتح مزيد من الفنادق السياحية التي تمهد للفاحشة وتقدم راقصات البطون ومسافحات الأخدان على موائد القمار والخمر، لجلب الدولارات إلى خزينة الدولة، زعموا! الأخلاق العامة لن يكون لها محلٌ في المنظومة الإجتماعية الجديدة، بل سيترك أمر الأخلاق للذوق العام، من أراد عرياً فليتعر، ومن أراد حشمة فليتحَشم، وإن كان لن ينجو من السخرية والإستهزاء. من أراد أن يسكر في العلن، فلا بأس، ومن أراد أن يزني فتراخيص العهر على مائدة البحث.