إزالة الصورة من الطباعة

محمد البرادعى .. ثَانِي عِطفِه!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول تعالى في كتابه العزيز "وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَلَا هُدًۭى وَلَا كِتَـٰبٍۢ مُّنِيرٍۢ ﴿8﴾ ثَانِىَ عِطْفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ لَهُۥ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌۭ ۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ " الحج 9

محمد البرادعيّ رجل قانون ودولة، رجل رأي ورؤية، رجل حرية وحكمة، رجل مؤتمرات عالمية ومحافل دولية، هو هذا واكثر من هذا، لكنه ليس من دين الله في شيئ.

محمد البرادعيّ يصدر في علمه ورأيه ورؤيته من مرجعية تنفى العلاقة بين الدين وبين الحياة، فترجع حياة الناس للناس، وتحصر دين الله كأحد إختياراتهم التي تتيحها لهم هذه الحرية، داخل دائرة النفس والفرد والمسجد، لكن لا تتعداه إلى المجتمع وشؤونه وقانونه.

محمد البرادعيّ وليد بيئته، كأى فرد آخر، إلا إن يشاء ربي شيئاً. فقد عاش سنواتٍ يدرسُ في أمريكا، ثم التحق بالسّلك الدبلوماسيّ المِصرىّ، وترقّى فيه، ثم خرج إلى عَالمية الأمم المتحدة، ّ بما فيها من زخرفٍ وتزيين، وتقارب في الأديان، وتسامح بينها على موائد الطعام والشراب، لا على أرض الواقع وخرائط الإحتلال! وكان لابد لمحمد البرادعيّ ، الذي لم يكن له توجّه دينيّ ولا خَلفية شرعية أصلاً، أن يفقد الهَوية الإسلامية، التي وُلد بها، على موائد الحفلات، وطاولات الشرب في المناسبات، وأن يتبنى وَسطية أعنف من وسطية سليم العوا ومحمد عمارة، بأن يرى الإنسان في الغرب مِثالاً لما يجب أن يكون عليه إنسان الشرق، وأنّ الحرّية لا تتجزأ ولا يُحجَر عليها، متى ارتضاها مجتمعٌ، أخذها بكل ما تحمل من جراثيم وأوبئة، تماما كما ذهب اليه سلُفه طه حسين، كفيف البصر والبصيرة، من قبل. فلا قيدٌ من دينٍ ولا عرفٍ ولا تقاليد، يجب أن يُفرضَ على الحرّ، إلا ما ارتضاه لنفسه، بينه وبينها.

ومحمد البرادعي الآن، هو المتربع على عرش الدعوة العلمانية اللادينية في مصر، وإن كان الرجل، وأشهد له بهذا، أكثر حنكة وحرصاً فيما يصرّح به، إلا أن تتفلت منه الكلمات التي قد تكون كافية في تحقيق علمانيته، فهو ليس كذلك الأراجوز عمرو حمزاوى، أو المتفلّت عادل حموده، أو المُزيّف علاء الأسوانيّ. بل البرادعيّ أحرصُ في  حديثه وأكثر سياسة ومُلاينة للمُسلمين من مَكشوفي الوَجه هؤلاء.

ومن هنا، تجد أنّ كثيراً من الشباب المسلم، تتردد على فمه عباراتٍ مختصرها أنه إن كان ولابد، فالبرادعيّ أفضل من غيره لحكم مصر في المرحلة المقبلة. وما ذلك عند هؤلاء الشباب لثقة في منهجه، أو وفاقاً مع عِلمانيته، لكن لأمرين، أولهُما الإحباط الذي يعانيه الشَباب ممن هُم على مائدة الترشيح للرئاسة من ناحية، وممّا يتخِذ مُمثلوا الإتجاهات الإسلامية من مَواقف مُخزية من ناحية أخرى. فالإخوان، كعَادتهم، يتمَسّحون في السُلطة، ويرضون بالفتات، إن كان يخدمُ جماعتهم، ودَع عنك مصلحة المُجتمع عامة. وما تراه من تصرّفات حَميدة لشبابِ الإخوان فهي فرديّة من أولئك الشباب، لا دخلَ لقياداتهم بها، فهى أسوأ قيادة لأفضل شبابٍ! والسلفيون ظلوا يغطون في مباحثهم بعيدا عن الواقع، واستخرجوا فتاوى طَاعة وليّ الأمر ليَدرؤا عن أنفسهم العذاب، ثم لمّا حان الحين، إذا هم يتراجعون، أو بعضهم، لكن قلة الممارسة وضعف القراءة للواقع، جعلت خطواتهم متعثرة، تقدم خطوة، ثم تراوح، ثم تتراجع أخرى!

وثانيّ الأمرين، أن محمد البرادِعيّ يؤمن إيماناً حَقيقياً، لا نِفاق فيه، بما يدعو اليه من حُرّيةٍ عِلمانيةٍ لا دينية، ويرضى بحُكمِ الأغلبية إن فُرض عليه من خِلال الصَناديق. وهو ما لا يؤمن به كافة مُدعى الحُرية اللادينية، الذين لا يؤمنون بالغالبية، بل يرونَهم أقل شَأنا وأوضَع ثقافة من أن يُرجَع اليهم في رأيٍ أو يُسْتفتوا في شَأن.

لكن محمد البرادعيّ، كبقية اللادينيين، ثنى عطفه ودعا إلى غير سبيل الله، ولم يرض بالله حَكماً ولم يرض بشرعه مرجعاً، بل يرى شَرع الألمان، كما قال مرة، هو الدستور الأفضل لمصر، وهو في هذا صادقٌ مع نفسه، ومتلائم مع حياته الشخصية والعائلية، التي يحدوها التحرّر الغربيّ، وتنفِر من التزمّت الإسلاميّ.

وهذا ما يقدم البرادعيّ للشعب المصريّ فيما أسماه وثيقة حقوق الإنسان، والتي ترجمتها بالواضح البين: حرية التعبير تتضمن حرية التطاول على الأديان كالقِمنى وسَلمان رشدى وحريّة الفن الساقط الشذوذى. حرية الإنسان تتضمن حرية العرى والمَساخر الأخلاقية باسم الفن، حرية العقيدة تتضمن إهدار حدّ من حدود الله وهو حدّ الردة. وكل شيئ غير ذلك في وثيقته من هذه المعانى فهو مشمولٌ مضمونٌ في الإسلام الحقيقي المنزّل على محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يفزع البرادعيّ وصحبه.

محمد البرادعيّ ليس من أهلِ الدين، ولم يدعى ذلك لنفسه، ويجب أن يَحذرَ الذين يتحدّثون عنه من باب أفضَليته للرئاسة أن يَعوا ما يقولون، فهو، بالنسبة لحُكم مصر، كالكيماوى لمريض السَرطان، الخيارُ الأخير الذي يسْبق الموت.