إزالة الصورة من الطباعة

السلفيون .. ولاءٌ وذِمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

سألنى أحد الإخوة من قرائنا الأعزاء، عن حقيقة موقِفى من الدّعوة السّلفية، بعد أن قرأ عدداً من المقالات التي حَملتُ فيها حَملا شديداً على بعض دُعاتها، وعلى بعض مواقفها، ومواقفهم.

وأبدأ بأن أقرر أن الدعوة السلفية، كما أراها، وأحب لها أن تكون، هي أولا محبة الله سبحانه ودينه ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم فهم هذا الدين على منهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين والسلف الصالح من أهل القرون الثلاثة الفضلى، ومن تابعهم من أهل السنة والجماعة إلى يوم الناس هذا، واتقى الوقوع في بدعة عقدية أو كبائر عملية. ثم العمل على إقامة هذا الدين في النفس والمجتمع قدر المستطاع.

فكلّ من ذهب هذا المذهب هو عندنا مُسلمٌ سنيّ، أو سلفيّ، أو ما شئت من هذه الإشتقاقات، التي لا تُعَبـّر عندنا إلا عن الإنضِواء الضّمنيّ تحت المِظلة العامة لأهل السنة والجماعة. وكلّ من ذهب هذا المَذهب هو عندنا أخٌ في الإسلام، له علينا حق المناصرة وأحكام الولاء والبراء، والحبُ في الله، والمودة والتراحُم، بلا تحفظ.

أما وقد بيّنا هذا الأصل، فإنه من المتفق عليه أنّ كُلّ يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله  صلى الله عليه وسلم، إلا إنه من الواضح أنّ هذا الأصل، وإن حاز قبول الجميع قولاً، غير معمول به في واقع الأمر وعلى أرض التعامل بين عدد من الدعاة وأتباعهم. فقد وقع عدد من الأتباع في الخلط بين حرمة وقدسية الموضوعات التي يتحث فيها بعض الدعاة، كعلم الحديث الشريف الذي يعتنى بأشرف ما تحدث به البشر، وبين حرمة وقدسية الآراء التي يتبناها هؤلاء الدعاة. وهو خلط ٌ أدى إلى كثيرٍ من التعصُب الأعمى، بل وتبنى الفتاوى الخَاطئة، والتنَكب عن الطريق السَويّ، خاصة فيما يتعلق بأمور السِياسة وإدارة شؤون الحُكم.

وقد كان من أهم ما وقع فيه بعض الدعاة الذين ينتمون لتيار "السّلفيون"، في خطإ شَرعِيّ يتعلق بحقّ الناس في السَعيّ للقضاء على الظلم وتحقيق الحُرية. ولو أن هذه الفتاوى صدرت في واقع غير واقعنا، لم تكن بذات بالٍ، كأى إختلاف فقهيّ عاديّ، لكن هذه الفتاوى لم تخرج في زمن الجوينيّ أو ابن حجر رحمهم الله، فتكون تاريخاً من التاريخ يرجع فيه الباحث والفقيه إلى دراسة واقع عصره، بل تصدر في واقعٍ يعصِفُ به الظلم والطغيان والفساد والكبت واللادينية، والذي بلغ ذروة السُوء حتى فاضَ الكيلُ بأبناء الشَعبِ، فخرجوا مُسالمين يجأرون بطلبِ الحُرية والعَدل والصدق والأمانة والإستقامة.

ولست بمُعلقٍ على هذه الفتاوى من الناحية الفقهية البَحتة، أو من ناحية الخَطأ في تطبيق مناطاتها، أو في خطورة آثارها ومآلاتها، فقد فعلت هذا في مواضع أخرى، ولكم أردت هنا أن أقرر ان الموقف الذي وقفه هؤلاء الدعاة، كان موقفاً يجب أن يُبيّن خطؤه دون مواربة أو مُمَاحكة، إذ هو يتعلق بمستقبل المُسلمين، بل والإسلام ذاته في هذه البقعة، وفي المنطقة كلها.

حين يخرج شيخٌ داعيةٌ له في قلوب العديد من الشباب رصيدٌ كبيرٌ من الثقة والإحترام، فيسُبّ المُتظاهرين، الذين يهتفون باسم الله والله أكبر ويَصْطفّون للصلاة في وجه مَدافع المياه، ويصِفهم بأنهم مَخابيلٌ يصرُخون في الشوارع دون عقل، وأنهم من سُوء الدين بحيث لو أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه تحدث اليهم طالباً عدم المُطالبة بالحرية والكرامة، التي هي المقصد الأعلى لأحكام الشريعة، لرفضوه! حين يكون هذا خطابٌ دعوىٌّ من شيخ سلفيّ، وجَبّ صدّه وردّه، قبل أن يبلغ قصْدَه، وقبل أن يسئ إلى كلّ ما هو سَلفيّ أو إسلاميّ في عقول الناس الذين هم أصلاّ مادة الدعوة السّلفية، ومصدر نمائها.

وحين يخرج شيخٌ آخرٌ، سلفيٌّ داعية، من المَشهود لهم بالزهد والعِفة والرَغبة عن الدنيا، فيُقحِم نفَسَه في فتاوى تتعلقُ بالسِياسة الشرعية، قائلا – على عهدة إحدى الصحف الإلكترونية -  إنه لم يكن من الصَحيح شرعاً أن تخرج الجماهير إلى الشَارع ضِدّ الطاغية مبارك، لأن التحرش بالفتيات حرام! فلا نعرف والله أيهما أولى في الشريعة تقديماً، التحرُش المُحتمل وقوعه لعدد محتملٍ من الفتيات، أم الإبقاء على الظلم والفساد والقتل والإعتقال وحبس كلمة الدعاة عن نشر كلمات الله سبحانه؟ وعلى أيّ قاعدة أصولية أو فقهية مما يدرّسه الشيخ في الأزهر، إعتمد في هذا القول؟ كما لم يقدّم الداعية المُبجّل أية وسيلة أخرى بديلة للتخلّص من هذا القهر وتحقيق مقصد الشريعة الأعلى في تحرير الإنسان.

مثل هذه الإجتهادات، ومِثل هذه الفتاوى، هي التي يجب أن تخضعَ لمراجعةٍ شرعيةٍ كاملةٍ في إطار الدعوة السلفية، مراعاة للمناط الواقع، خاصة بعد أن أقرّ بعض دعاتها أنهم أخطئوا بعدمِ ضمّ قواهم للشعب المُسلم الثائر "سلمياً"، والباحث عن العدل والحق والحرية والطهارة، وقت الحاجة. يجب على القائمين على هذه الدعوة أن يخرجوا بمراجعاتٍ تقرّب بينهم وبين الناس الذين يسْعون لجلبهم إلى الحق، ولن يكون هذا بمثل هذا الخطاب المُخَذل للهِمَم، الداعي إلى التثبيط والركون إلى الظالمين.

وهاهم دعاة أهل السنة والجماعة، الذين يشتركون مع إخوانهم من "السلفيون" في غالب ما يذهبون اليه، أصولاً وفروعاً، قد جنحوا إلى جانب الثورة، ونصَروها حتى أصبَحت واقعاً على الأرض ينعم به كلّ مسلم، بما فيهم، وعلى رأسهم، شباب السلفية ودعاتها، دون أن يقايضوا أو "يسايسوا"، كما فعل بعض المُنتمين لحركات إسلامية أخرى.

"السلفيون"، إذن، هم أحبابنا، لكن الحقَ أحبُ الينا من أيّ أحدٍ، ووالله لقد نشأنا نشْأة لا تقبل المُمَاحكة، ولا المُداهنة ولا المُجاملة في دين الله، ولا السُكوت عن الباطل، من أي مصدرٍ جاء.

لكن، يجب أن يكون مَعلوماَ أننا ملتزمون بالدفاع عن إخواننا، من السلفيين، أو من الإخوان المسلمين، ضد هذه الهجمات الشرسَة من وسائل الإعلام، المُوجّهة من اللادينيين المتسترين وراء أسماءٍ مُسلمةٍ. فهى دعواتٍ تجتمع على كراهةِ الإسلام، وإبعاده عن الحَياة وإلغاء مَرجعيته في الدولة والمجتمع.