إزالة الصورة من الطباعة

الإعلام .. بوجوب تطهير الإعلام

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

لا نحتاجُ إلى القول أنّ الإعلام، في عصرنا هذا، يَصنعُ الأحداث، ويصنعُ الرجال، كما أنه يطوى الأحداث، ويغتالُ الرجال. من هنا فإن هذه الأداة الجبّارة في أثرها، لا يمكن أن تخضَع في شَعبٍ من الشعوب الحرّة، لنصرة إتجاه بذاته. وقد رأينا كيف أن إخضَاع الإعلام لسُلطة مبارك، ومن قبل ذلك السادات، ومن قبلهما عبد الناصر، قد فرّخت جواً من الإرهاب الفكرىّ، كما ترَكتْ فراغاً هائلاً في ظهور شَخصياتٍ قيادية على السَاحة الفِكرية والسياسية، مما جعل مصر تبدو عقيماً عن إخراج الرجال، ورأينا ما رأينا من تهَافت الأحزاب، وتغييب أبناء الشعب.

وحين ننظر إلى إعلام ما بعد الثورة، يمكن أن نَرصُد أمران، كلاهما أخطر وأدهى من صاحبه. أولهما، أن الوجوه العِلمَانية اللادينية قد سَيطرت بشكلٍ كاملٍ على البرامِج التليفزيونية، وعلى الصُحف السيّارة والإلكترونية، الخاصة والحكومية. وثانيهما، أن السياسة الإعلامية لم تتغير قيد شبرٍ مما كانت عليه من قبل، النفاق لمن في السُلطة، والهجوم على من تركها.

أما النقطة الأولى، فإن كافة الوجوه التي تقدم برامج الأحاديث، ومن يستضيفونهم من كتابٍ وسياسيين، من أنصار العِلمانية اللادينية المُتطرِفة، إلا نادراً، ممّن هم من العلمانيين المعتدلين في هذا الصدد، كعبد الحليم قنديل ويسرى فودة. فأنت ترى، على سبيل المِثال محمد فودة، خالد صلاح، ريم مَاجد، عادل حمودة، أحمد المُسلماني، جابر القرموطى (المنافق الذي بكى مبارك)، عمرو حمزاوى، منى الشَاذلي، هالة مصطفى، وغيرهم مِنْ متطرفي اللادينية ، هم السواد الأعظم في الإعلام الأسود الجديد. وهذا ما يجعل الإعلام الحاليّ منحازاً بشكلٍ كاملٍ للّادينية العلمانية الإلحادية، المُعادية للإسلام وأهله.

ولاشك أن هذا الحشد ليس وليد الصُدفة، بل هو الإختيار الدقيق لكلّ من يتحدث إلى الناس، ومن يمكن أن يكون لكلامه وتوجيهه أثر في تصرفاتهم وتوجهاتهم. ويأتي هذا الإختيار ممن بيده الأمر، في كلّ الديكتاتوريات العَسكرية، بما فيها مصر.

وقد تجلت هذه الظاهرة، وتضاعفت وتبجّحت بعد الثورة، إذ إنّ نسمَة الحرية التي مرت بمصر، كسحابة صيف، في شهور الشتاء الماضية، قد جعلت هؤلاء يفصِحون عن خبئ صدورهم، ولم يعد بهم حاجة إلى التخفى عن اسم العلمانية، أو إلى الغضّ من الشريعة أو الدين، فبعثوها حَرباً ذميمة على الإسلام والمسلمين، وكلّ ما يمت لهما بصلة. فترى مثلا الإعلامية اللادينية ريم ماجد تصَرح في أحد برامجها أن الأمر إن كان عادة فهو مقبول، أما إن كان ديناً فهو مرفوض! هكذا بكلّ تبجّح وعُهر. ويكتب عادل حمودة مقالاً يهاجم فيه السّلفيون، لا يكتب مثله مُلحد كافرٌ في بُغضه للإسلام. وتجدهم، بلا استثناء، يستضيفون أمثالهم من اللادينيين، أو من القبط، يرحبون بهم ويهزون رؤوسهم إعجاباً بالحِكَم المتناثرة من أفواههم، بينما إن استضافوا مُسلماً، كان الهجوم الشرس والتندّر والنظرات المتعجِّبة من هذا الصِنف النادر من الناس!

ولا يخفى أنّ هذا التوجّه مَدعومٌ من مجلس العسكر، إلا إن مسّ هيبته، ومن الجهاز الحكوميّ كذلك. فالإتجاه العام هو تشجيع المواهب اللادينية، وزرعها في كلّ قطاعات التوجيه الثقافيّ، للتصدّى بكل حزم لأية محاولة يقوم بها مسلمٌ "عميل"، "غير وطنيّ"، "سلفيّ"، يريد العودة للبلاد إلى تخلف العصور الوسطى، وتحَكم الدولة الإسلامية!!

أما الأمر الآخر، فهو إنه على الرغم من أن الإعلام مَحكوم بهذه الطائفة اللادينية، إلا إنه لا يزال يرزح تحت وطأة الكبت الإعلاميّ الموروث، والذي يظهر أنه بات فطرة ثابتة وعَادة محكّمة في العَاملين بهذا الجهاز، تدفعهم إلى النفاق لمن هو في سُدة الحكم و مركز القوة. فترى التغيير في الخطاب الإعلاميّ بعد الثورة لم يتعد الهجوم على النظام السابق، ورموزه، والحديث عن فسادهم وضلالهم، وكأن هؤلاء لم يكونوا جزءاً من مكوناته! لكن لا ترى حديثاً عن خطط الحاضر وحكومة الحاضر، ولا نقد لأى رأيّ أو قرارٍ، وكأن عصام شرف أُنْزِل من السماء بصُحُفٍ مطهرة، أو كأن بيانات العسكر وحىّ من إيحاءات الولاية!

هذا الموقف المُخزى، شاهد أنّ ما بيننا وبين الحرية الحقيقية، بعد المَشْرِقين، ويكفى ما حدث في حديث بثينة كامل، على ما فيها من لادينية، على قناة النيل مع الإعلامي محمود شرف، الذي أثبت أنه يحترم مهنته وجمهوره، في برنامج "شارع الكلام"، دليلاً على غياب الحرية المزعومة، حيث أوقف الجيش البرنامج بمكالمة هاتفية، رغم إحتجاج المذيع، بل وهدّد المكروه لوجه الله، اللواء ممدوح شاهين، أن يصدر قراراً بتجريم الإعلام المخرّب! لا والله بَطل، ونِعمَ ما أعَقب مبارك! وما ذلك إلا لأنها تحدثت عن استبداد المجلس العسكرىّ وأنه هو هو مجلس مبارك العسكرىّ فأين التغيير إذن؟.

الخاسرُ الأولُ في هذا التوجّه هو غالبية الشعب من المسلمين، الذي يُعتدى على دينه، ويُحَطُ من شريعته على مدار الساعة، تحت سمعه وبصره، باسم الحرية والديموقراطية التي تمارسها الأقلية اللادينية والقبطية. والخاسر الثاني هو الحرية التي كانت أملاً جميلاً، ثم إذا هي سراب وخيال، وليعذرنا عزيز اباظة في تعديل بيته ليناسب ما نحن فيه، فنقول:

كان حُلماً فخاطِراً فإحتمالا    ثم أضحى سراباَ واحتيالا!

هي إذن سَحابة صَيفٍ، حَمَلت لمصر شَذاً من حدائق الحرية والكرامة، أسابيع قليلة، ثم انجَلت عن رائحة الكبت العَفن في واقعٍ كالحٍ بئيس، تُغمط فيه حقوق المُسلمين، وينتصر فيه الأقباط بزعامة نظير جيد وأموال ساويرس، والعمالة اللادينية ممن باعوا دينهم بثمنٍ بخسٍ، برامج معدودة!