إزالة الصورة من الطباعة

يا شيخ أسامة .. أتعبت مَن بَعدك..!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال تعالى "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَـٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ" "التوبة 19.

نعم، صَدَقَ الله، فإنه لا يَعلو عملّ على الجِهاد في سَبيل الله، ولو كان عمارة المسجد الحرام. ووالله لقد شعرت، بعد أن أذيع خبر استشهاد الشيخ اسامة (وإن كان الشيخ غالبا ما استشهد منذ سنواتٍ)، أن الرجل قد ترك لِمَن بقيّ بعده تركة لا يلحق بها إلا ذووا العزم، تركة إختزلت أعمال أمثالنا ممن إختار الله لهم القلم، نحمله في وجه القوة الطاغوتية، فإذا نحن في بحبوحة نسأل الله أن لا تكون فتنة، وإذا جهاد القلم والشرائط والتسجيلات يتضاءلُ، ويأخذ مكاناً تالياً بعيداً على إستحياء.

ولست أقلل من أهمية جِهاد القلم، فإنّ الله سُبحانه إختاره ليكون طريق الإسلام في طَور حَضانته وخُطوات نشأته، بل وافتتح به تنزيله إذ قال "علّمَ بالقلم". لكن النفس تنزِع بفِطرتها إلى الأسهل والآمن، لذلك كان عهد الله هو جهادٌ في سبيله "مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌۭ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبْدِيلًۭا" الأحزاب 23. قضاء النحب هو المحَكّ الذي لا يكذب لصدق وعد الله، وهو الإختبار الفيصل في الإيمان، فمن إجتازه حقت له الجنة بإذن ربه.

كمْ علينا أن نسود من صفحات، وكم علينا أن نُحَاضر، وكم علينا أن نقف على المَنابر، لنصل إلى عُشر مِعشار هذه الدرجة، فواحسْرتاه على ما فرّطنا من العُمر. الأمر أمر بذلٍ وعطاءٍ من الغالى الثمين، النفس والولد والمال، بذلاً لا تردّد فيه ولا تَحَفُظ، يعرِضه العَبد على الله، فإن صَدق مع الله، صَدَقه الله،، وفتّحت له أبوب الجهاد، وأتيحت له فُرصُ قبول المبذول. وإن تردّد وعلم الله منه الضعف، ضُيّقت عليه الفرص، فلم يجد باباً مفتوحاً يقدّم منه قربانه.

أمر التنْظير أمرٌ هامٌ ومِفصَليّ في توجيه الأمة وفي تصحيح مسارها، وهو ما كان عليه عامة علمائنا وأئمتنا. لكنّ التنظير يوجب التغيير، وهو عمل المجاهدين الصابرين الذين يرفعون راية الإسلام إلى حيث أرادها الله.

هو الحسد إذن، الحسدُ على ما شَرّف الله به بعض أوليائه، ممن منحهم فرص تقديم قربانه، وتقبله منه بإذنه.

العداء لهذه الأمة سيظلّ قائماً ما دامت السموات والأرض، والمحتلُ سيظل يُغير علينا من شرق وغرب، والحاجة إلى قرابين هؤلاء المجاهدين لن تخفت، والسَعيد من لمَحَ الفرصة وهى مقبلة فإهتبلها، ولم يهدرها عبثاً، ثم تحسّر عليها وهي مُدبرة.

ثم، سواءاً استشهد الشيخ أسامة البارحة أو من سنواتٍ خلت، وسواءاً دفن في البر أو في البحر، فقد صدق عهده مع الله – نحسبه – وخرج من الدنيا بريئاً من فتنتها.

ثم، عسى الله أن يجيب دعاء شيخٍ، أوشك حساب ايامه على النفاذ، ولم يعد يملك إلا دمعه وقلمه، أن يكتب له حسن الخاتمة، وأن لا يميته إلا مقبلاً في سبيله، إنه وليّ ذلك والقادر عليه