إزالة الصورة من الطباعة

على جمعة .. وجمعة إجلاء المفتى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإفتاء منصبٌ جدُّ خطير في واقع أية أمة مسلمة، بل أحسب إنه أخطرُ منصبٍ فيها على الإطلاق. إذ إن الأمة المُسلمة، حسب تعريفها كأمة يدين غالب أهلها بدين الإسلام، لا يجب أن تُجيز قانونا يُخالف ما دلّ عليه شرع الله سبحانه، سواءاً كانت هذه الدلالة من نصّ قرآنيّ أو حديث صحيحٍ نبويّ، أو إجماع معتبر، أو إجتهاد بقياسٍ صحيح، أو مصلحة مرسلة بضوابطها، أو غير ذلك من أدلة شرعية. وصاحب هذا المنصب، هو ما يصدر عنه القول الفصل في صِحة أي قانون يُعرَض على السُلطة التشريعية لإعتماده ثم العمل به في السُلطة التنفيذية. والإجراءات الحالية التي قصرت دور المفتى على التصديق على أحكام الصادرة من المحاكم، جعلته يرتبط في أذهان الناس "بعشماوى"، أو إصدار فتاوى "مطبوخة" حسب طلب السُلطة أو أجهزة الأمن فيما يخالف كلّ مشروعٍ ومعروف.

ومع التقليص المُتعمّد لدور الإفتاء في مصر، ومحاولة تحويل هويَة البلاد إلى العلمانية اللادينية، التي يحلو للمُزيفين من زَرارى المُسلمين أن يسمونها المدنية، جاء إختيار الشّخصيات المتتابعة لهذا المنصب تعكس هذا التهاوى في وظيفة حامل هذا المنصب. إلا إننا، والشهادة لله، لم تر أكثر إنحداراً في معايير هذا المنصب مثلما رأينا في حالة المفتى الحالي، على جمعة. فالرجل، كارثة حقيقية، بل هو علامة من علامات القيامة، كما وصفه الدكتور عبد المنعم البر، فقيه الإخوان.

فإلى جانب عدم أهليته العِلمية لمثل هذا المنصب، وهو السبب الذي أدى لإختياره من قبل النظام وأمن الدولة، ثم صوفيته الفاضحة، التي تناولتها في مقال سابقٍ بتاريخ 21 أكتوبر 2010، http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-457 ، وهو ما فضحنا فيه تخبطاته عن أن السلفية هي نظير العلمانية، وأن الصوفية هي الحل الأمثل، إلى جانب بدعه التي جرّته اليها صوفيته، وموقفه من النقاب، والذي وافق فيه أخيه ساركوزى، ثم موقفه من الثورة المصرية التي هاجمها على الهواء، ثم لم يخرج من مخبئه ليقول كلمة في حقها، إنتظاراً لما تسفر عنه الأحداث، فيسير في تيار الغَالب.

يجب أن يكون المفتى قادر على القيام بمهام منصبه، في كلّ جوانب الإمكان، من الناحية العلمية التي تتحصل بالمادة المتخصّصة التي قدّمها، والتي يشهد لها العلماء بالقبول والتمَيّز، ثم عقدياً، بأن يكون سُنياً بعيداً عن البدع التى اتفق الناس علي كونها خارجة عن السنة كالصوفية التي ابتلي بها الأزهر في العقود الأخيرة، والتي قُصِد بها تغييب مشايخه عن الواقع، وضمان قبولهم للحكم الباغي أو الكافر بناءاً على فهم الصوفية لدين الحب، وغيبوبة الخلوات وما إلى ذلك مما يغيب العقل ويهدم الدين. ثم، واقعياً، بأن يكون متلاحماً مع الواقع، عارفاً بمركباته، سواءاً بنفسه أو بمعاونيه، فالإفتاء ليس معرفة الحكم الشرعيّ فقط، بل بتحديد كيفية تنزيله على الواقع.

كذلك أن يكون المفتى صاحب شخصية قوية تشعر بقيمة نفسها وقدرها، فلا يكون "دلدولاً" للسلطة الحاكمة، كما كان ولا يزال المفتى وشيخ الأزهر الحاليين. كذلك أن يكون ممن يتقى الله ولا يقول إلا الحق، فلا يجامل أحدا ولا يداهن النظام، ولا يسكت حين يجب البيان، عملا بقاعدة عدم تأخير البيان عن وقت الحاجة. ثم أن يكون ممن عُرف عنه طهارة الذيل واللسان، خلافاً لما عليه "على جمعة" الذي عُرف عنه، والذي أعرف عنه بصفة شخصية، الحديث بكلماتٍ نابية خارجة قبيحة، سواءاً جِداً أو هزراً.

والأمل، بل والعمل، في الدولة المصرية المَرْجوّه، في أن يقوم النظام الجديد بتفعيل المادة الدستورية الثانية، التي وإن كان مجرد وجودها كافٍ لمن يتحرك بالدافع العاطفيّ الدينيّ وحده، لكن ما يريده المُسلمون في حياتهم من تحكيم لشرع الله بكل جوانبه، يجب أن يكون عملا لا تدويناً، وأن يواكبه جهاز إفتاء على أعلى مستوى ممكن بحسب ما بيّنا من مقاييس، ليمكن ضمان إشاعة الحقّ، والعدل والمساواة، سواءاّ للمُسلمين أو غيرهم من الأقليات الكتابية.

ربما يحتاج إجلاء المفتى، إلى جُمعةِ "إسقاط على جمعة"!