إزالة الصورة من الطباعة

إلى خَالد صلاح .. عليك بسُنّة سَاويرس فهي خيرٌ لك!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

لم أكن لأشغل القلم لحظة بما يكتب مثل هذا الصحافيّ، لكن أصابنى الغّم لِمَا وجدتُ من تعليقات شبابٍ كثيرغَرّته هذه الأكاذيب والتمويهات، والجهلِ بالسّنة والتاريخ والشريعة جهلاً فاضحاً مخزياً، على ما نشره خالد صلاح على صفحة مجلة اليوم السابع الإلكترونية تحت عنوان " الدولة المدنية فى الإسلام" http://www.youm7.com/News.asp? NewsID=395733 . وأمثال خالد صلاح، ممن يَكريهم ساويرس للتحرير، والأصح للتحريف، في مِجلته، لا يستحى أن يخرج على الناس لابساً مُسوح المُسلم المُتنور، الذي يحملُ شمعة تضيئ لهؤلاء الغارقين في ظلمات الإسلام الأصوليّ، لينير لهم طريق المعرفة، ومنهج الجمع بين الإسلام والكفر!  

وأول الدّواهي فيما دوّن، قوله، بعد مقدمة موّه بها بإحترام "الدين" كمصطلح عامٍ ضبابيّ غير منضبطٍ بشرائع : "خذ مثلا، ما فعله الصحابى الجليل أبوبكر الصديق، رضى الله عنه، فما إن تولى الخلافة حتى حارب طائفة من المسلمين، لأنهم امتنعوا عن دفع الزكاة، وهو فعل لم يأت به النبى صلى الله عليه وسلم، لكن أبا بكر قضى بأن هذه الحَرب لمصلحة الإسلام، رغم الخلاف السياسى الذى نشب بينه وبين عدد من الصحابة حول فكرة الحرب، ما فعله أبوبكر ينتمى إلى ما يصفه الفقه الإسلامى اليوم باسم (الاجتهاد)، بينما يمكن تصنيفه بمعايير اليوم باعتباره قرارا سياسيا مدنيا لا أصل له فى كتاب الله أو سنة النبى صلى الله عليه وسلم، لكن أبى بكر اجتهد عقليا فيما رآه متناسبا مع الشريعة ومحققا للمصلحة العليا للمسلمين .... أبوبكر كان مجتهدا وعقليا ومدنيا إلى الحد الذى خرج به عما ورثه عن النبى صلى الله عليه وسلم"، اهـ.

حاشا لإبي بكر الصديق أن يخرجَ عن سُّنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما هو حديثُ رجلٍ لا يعلم عن التاريخ أو السُّنة شيئاً. فإن أبا بكرٍ لم يجتهد في هذا الموضع بالذات، ولا خرج عما ورثه عن النبي صلى الله عليه وسلم، حاشاه، بل إحتج على الصحابة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عَصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى) متفق عليه، قال أبو بكر "والزكاة من حق الإسلام". فالأمر أمر إتباعٍ للنص وفهمٍ للحديث، لا خروجٌ عليه، والأمر أمر أحاديث ثابتة لا إجتهاد من ابي بكر، وليس أمر قرارٍ سياسي، بل أمر إتباعٍ للنصّ في موضعه. ومن هنا يظهر بطلان قول هذا الرجل، عن هذه الواقعة إنها " (رؤية واقعية مدنية تستند إلى حكمة العقل المجرد فيما لم تأت به النصوص الدينية من أحكام). إذ ثبت أنها رؤية سنيّة ملتزمة بالنصوص وفهمها فهما دقيقاً.

ثم قال حَكيم اليوم السابع " الفقه الإسلامى يعلى من قيمة العقل فى الاجتهاد والقياس إلى الحد الذى تتأكد فيه المصالحة الحقيقية بين الإسلام والمدنية، وتنتفى فيه مطلقا هذه الخصومة الجاهلة التى يختلقها البعض بين الإسلام والبناء الديمقراطى للدولة، أو بين الإسلام والمواطنة، أو بين الإسلام وتبنى القيم والقوانين أو التشريعات التى تحقق المصلحة العليا للمسلمين." اهـ

ها هو يبيّن لنا إعترافاً بأن المجتمع المَدنيّ – بتعريفه له – ليس مجتمعاً إسلامياً، وإلا ففيما يلتقيان إن كانا واحداً؟ ثم، إن مفاهيم الديموقراطية والمواطنة، بالمعنى الذي يقصده أصحاب المجتمع اللادينيّ المدنيّ، ليست من مفاهيم الإسلام في شيئ، ولا أدرى ما معنى المصالحة أو التلاقي أو ما شئت من هذه التعبيرات اللولبية التي تصلح للتحرير في أبواب "الزواج السعيد"!، ولِمَا يكون التصالح والتلاقي دائماً بتنازل الإسلام عن ثوابته، وليس بالتنازل عما يفهمه منها فلاسفة اليوم السابع من أحبار الفكر اللادينيّ الغربيّ؟ وهل لهؤلاء أدنى فكرة عن أيه ثوابت شرعية، ام إنها كلها خاضعة للمصالحة، والقياس العقليّ بما تعتقد هذه القِلّة أنه مصالح عليا للمسلمين؟ وكأنّ ما أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وحي ليس فيه نظرٌ إلى المصلحة العليا للمسلمين؟ وكأن هذا الرجل لم يقرأ في حياته قول الله سبحانه "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"؟ الملك 14.

ثم يُردف حَكيم اليوم السابع: "وبنفس المنطق (المدنى) الذى اعتمده أبوبكر وعمر مضى أيضا معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه حين بدل تماما نظام الحكم فى الدولة الإسلامية من الخلافة إلى الحكم الملكى، والمعنى أن معاوية سمح لنفسه بأن يغير شكل الحكم على نحو مختلف لما اتبعه الخلفاء الراشدون، وبالمثل أيضا طور العباسيون منظومة عمل مختلفة لبيت المال وتوزيع أنصبة الزكاة، وبنفس المنطق أيضا غير أبطال الفتوحات الإسلامية فى المشرق والمغرب كثيرا من القواعد والتعاليم والأحكام القانونية لتتلاءم مع البيئة التى يطبقون فيها الإسلام، وخرج الفقهاء بنظم جديدة فى دفع الزكاة والصدقات، حسب كل عصر وحسب الأنماط الثقافية والفكرية والعادات والتقاليد لكل بلد دخل فيه الإسلام حديثا."

كلماتٌ لا يصدق عليها إلا قول شوقي: كذبٌ وتضليلُ أحلامٍ وسفسطةٍ! فمعاوية رضى الله عنه لم يقصد إلى تغيير نظام الحكم من الخلافة إلى النظام الملكيّ، بل قصد إلى أن لا تقع من بعده فتنة إن خرجت الخلافة من بنى أمية، ومن الشام أهل العصبية، فعمل على أن يهيئ يزيد لها، فأرسله إلى الغزو على رأس جيشٍ وبقي على حصار القسطمطينية زمناً، كما وفر له أفضل المعلمين، وكان يراه ذكيا شاعراً يمكن أن يحتفظ بعصبية أهل الشام درءاً للفتنة، وقد استمع في هذه النصيحة بتولية يزيد إلى المغيرة بن شعبة الذي كان قد نصح عمر بن الخطاب رضى الله عنه من قبل بتولية عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، ولكن عُمر لم يرض، ورضى بها معاوية رضى الله عنه للإعتبارات التي ذكرنا، لا ليناوئ حُكم الراشدين، ولا ليغير الحُكم الراشد إلى حكمٍ ملكيّ. فهو قرارٌ إرتآه معاوية رضى الله عنه لصالح المسلمين، وهو أن يوصى قبل وفاته للخليفة التالي، كما فعل أبو بكر الصديق من قبل، والخلاف الذى جرى في هذه الجزئية هو حول شخص الخليفة التالي لا شكل البيعة، التي هي بيعة للخلافة لا للمُلك. ثم، ما دخل طرق تنظيم الزكاة والصدقة في هذا الحديث؟ وهل يعنى تنظيم مصارف الزكاة بوضع دواوين بأسماء المسلمين مثلا الإفتاء بحلّ الربا في البنوك؟ هراءٌ وخلطٌ متعمدٌ لا ينطلى إلا على السُذج و البلهاء.

ثم يقرر فيلسوف اليوم السابع: "ومن هنا فإن التاريخ الفقهى والسياسى فى الإسلام يحتمل هذا الفهم الدنيوى، ويحتمل أيضا أن يكون العقل نفسه مصدرا من مصادر التشريع التى تنظم حياة المسلمين فى ضوء العصر الذى يعيشون فيه، وهذا الطرح يمكن أن يبنى جسورا مع أصحاب الرؤية المدنية، إذ لا يخرج الفكر المدنى الليبرالى الحديث فى جوهره عن ذلك الفهم الإسلامى لمصطلحى الاجتهاد والقياس. فلا مقدس سوى الكتاب والسنة، أما ما دون ذلك فيمكن تطويره ليتلاءم مع الحياة المعاصرة، والدولة المدنية الحديثة لا تفسير لها سوى هذا المعنى أيضا"

الفقه الإسلاميّ يَحتمِل التعامل مع الفهم الدنيوى، لكنه لا يُحْمَل عليه، والفارق بينهما كبيرٌ يا فيلسوف عَصرِك! والعقلُ المُجرّد، بعيداً عن ثوابت الشرع لم يكن يوما من مصادر التشريع إلا عند المُعتزلة والرافضة من أهل البدعة، إن كنت لا تعلم. وهذه الجسور التي يرى الستاذ أن نبنيها مع أصحاب الرؤية المدنية، لا واقع لها بعيداً عن ثوابت الشرع، وهى اعم من نصوص الكتاب والسنة، بل هي ما بنى عليهما من قواعد كليات ومقاصد راسخات، تُشكلُ إطاراً لا يمكن الخروج عنه. وليس المقام هنا مقام شرحٍ أو تفصيل، ولكننا نهيب بالكاتب، وبمقاولى الجسور بين الإسلام والعلمانية، أن يصرف بعضاً من وقته في دراسة حقيقية مخلصة للإسلام وفقهه ومبادئه وأصوله، قبل أن يتحدث عن إقامة الجسور وعقد المصالحات، وهذه المقترحات التي لا يراد بها إلا جذب عدد من عوام المسلمين خارج سرب أهل السنة، وإيهامهم أن يد الآخر" اللادينيّ"  ممدودة بالحب والرغبة في التواصل.