فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الرد على الشيخ أحمد بن عمر الحازمي 2

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      وبعد

      قبل ان أبدأ في مراجعتي لمذهب الشيخ الحازميّ، أود إلى أن أشير أنه لا يصح أن يزايد علينا أحدٌ من طلبة العلم أو من العلماء، بله العامة، في هذه المسألة المعروفة في موضوع العذر بالجهل، إذ كتبنا فيها[1] ما اشتهر قبل أن يخرج الشيخ الحازمي بعقود. وقد بيّنا فيها أصول متعددة، كثيرٌ منها وافق ما وصل اليه الحازميّ، كما سأبين، ولكننا اقتصرنا على ما دلّ الدليل الشرعي عليه، ولم نتوسع في تكفير من لم يكن لنا عليه برهان كالشمس الساطعة في رائعة النهار.

      ولن ألجأ إلى تكرار ما ذكر الحازمي حرفا بحرف، إذ ليس للرجل مدوّنات مكتوبة يمكن الرجوع اليها في هذا الموضوع، أو على الأقل لم أجدها، بل كلها تسجيلات صوتية يعلم الله صعوبة استخلاص نقاط القوة والضعف منها لمن أراد رداً عليها. فهي سهلة على المتعلم، صعبةٌ على الباحث.

      فقد تناولت في كتابي موضوع الإعذار بالجهل، وبيّنت أن إطلاق لفظ الإعذار بالجهل هو إطلاقٌ مبهم يجب بيانه بموضوع الجهل المقصود، فالجهل بأصل الدين، غير الجهل بمواضع الإجماع أو المتواتر، أو الجهل بأصول الشريعة وغير ذلك مما يجب التفريق فيه.

      ولمّا كان من الأهم أن أبيّن مذهبي الذي أدين به، ليتميّز الفرق بيني وبين من أخالف، فسأوضح، بشكلٍ سريع، خلاصة هذا المذهب ومحصلته، وما ينبغي أن يبنى عليه القارئ من الفارق بيننا. ولن أضع أدلة من قرآن أو سنة، أو أقوال أئمة، إذ كلها منثور كساطع البدور في كتابنا المذكور. فلا داعٍ للإطالة والتكرار بغير حاجة.

      وقد وصلت إلى النتيجة التي رأيت صحتها بالدليل الشرعيّ والتي رأيت كثيراً من كلام الأئمة يدل عليها، قلت:

      "وخلاصة الأمر :

      * إن تكفير المعين ابتداء إنما يكون في أمور التوحيد أي أصل الدين. لأن أحكام الدنيا تجري على ظاهر الأمر ، فكل من تلبّس بكفر أكبر ينقل عن الملة فهو كافر بعينه في ظاهر أمره. فإذا ما توقف البعض عن إطلاق اسم الكفر عليه، فلاعتبارات واقعية معينة أملتها ضرورات الظروف المحيطة بالدعوة في مراحل خاصة؛ وليس كموقف فقهي يعتقده الداعية ويتبناه؛ وإلا فهو يعطل حدود الله ويخالف حكمه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

      * إن التوقف عن تكفير المعين ابتداء إنما يكون في الأمور التي يلزم فيها شيوع العلم بأحكام الرسالة المحمدية، فلا يصح إلا بعد إقامة الحجة – في حالة عدم وجود مظنة العلم – فإن أنكر بعد ذلك كفر بعينه .

      * إن التوقف عن تكفير المعين مطلقاً؛ والقول بأن جنس من فعل كذا فهو كافر ولكن المعين إن فعله فلا نستطيع تكفيره، ما هو إلا لغو لا معنى له وإبطال للأحكام الشرعية ، وبدعة مخالفة لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الصحابة والتابعين وعلماء الأمة"[2].

      ويظهر من هذا النص، الذي دونته عام 1398هـ، أنني أقول بكفر الجاهل بأصل الدين، وهو ما يتعلق بصرف العبادة المحضة إلى غير الله سبحانه، بشكلٍ واضح صريح لا شك فيه، كدعاء العبادة والطلب، وموالاة الكفار، نصرة ومظاهرة، والتحاكم إلى غير ما أنزل الله، تشريعاً ورضى به. كما يظهر منه أنني أقول بأن من المسائل ما يحتاج إلى بيان الحجة قبل التكفير، وهي المتعلقة بالأحكام. وأن عدم تكفير المعين ابتداءً هو بدعة ظهرت في المتأخرين، والقائل بها مخالفٌ للسنة. كما تحدثت بتفصيل في موضوع المسائل الخفية.

      لكن، كما يظهر، توقفت عن تكفير من قال بالإعذار، أو من قال بوجوب إقامة الحجة على من قام بفعل الكفر هذا حتى يحكم بكفره. وهذا هو لب المسألة التي أخالف فيها الحازميّ، أو خالفني فيها الحازميّ، وخالف فيها السنة الصحيحة، وفشل في تطبيق منهج النظر والاستدلال عند أهل السنة والجماعة بهذه الجزئية، وغلا فيها، وألزم نفسه شيئا ليس يلزمها من تكفير عامة الأمة كلهم أعياناً، بل وبعدد جمٍّ من أهل العلم على رأسهم بن تيمية كما سنبيّن، إلا أن يتفلت من ذلك بدعاوى واهمة، ويبقى هو، ومن تابعه من عوام، المسلمون في دنيانا هذه!

      وأسارع بالقول أن الرجل لا ينتسب إلى مذهب الخوارج، ومن قال بذلك فهو جاهلٌ بمذهبه وبمذهب الخوارج جميعاً. إنما هو من غلاة أهل السنة، وممن توسعوا في قصية التكفير من باب الغلوّ هذا، وفتحوا باباً لشباب غرّ لا يميزون بين غثّ وسمين، بل يثير التكفير فيهم نزعة التميز والاستعلاء، التي قد يكون المسلم اليوم في أشد الحاجة اليها، لكن بطريقها السنيّ الصحيح، وأن يوجّهها للكافر الحق، لا لمن قد يشاركه في الملة، ولو بشبهة.

      وتحرير موضع النزاع هنا أن يقال أنّ المشكلة مع مذهب الحازميّ، ليست في تكفير من عبد غير الله سبحانه جاهلاً، ولا في تكفير العاذر بإطلاق، بأن يدعى أنّ من دخل الإسلام يقيناً، لم يخرج منه البتة. بل هي في تكفير من عذر بالجهل حتى إقامة الحجة، أو من توقف في التكفير حتى يتبين حال المعيّن. كذلك في اعتباره أنّ الأصل في الناس الكفر في أيامنا هذه، وهو لازم قوله، لما أشار اليه في مواضع من انتشار الشركيات المكفرة التي يكفر المعيّن بها دون احتراز، كما هو مذهبه، ثم في تعميم تطبيق قولة "من لم يكفر الكافر فهو كافر"، وفي مساواة تطبيقها على الكافر الأصليّ، مع من قد تقوم عليه شبهة وإن كانت مرجوحة. ثم في لوازم ذلك من بشاعات قد يقول بنصها الحازميّ، أو يلتزم بها من تلامذته من يتابعه تقليدأً وإكباراً.

      وهو ما سنبيّنه في المقال التالي إن شاء الله تعالى.

      " لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٍۢ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَنۢ بَيِّنَةٍۢ" الأنفال 42.

      د طارق عبد الحليم

      10 جمادى أول 1435

      11 مارس 2014


      [1]  "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد" كبعة المدني 1978- 1398، وطبعات متعددة أخرى منها طبعة مكتبة الطرفين بالطائف، والتي قدّم لها العلامة بن باز رحمه الله، في مجموعة عقائد الموحّدين، وآخرها طبعة دار ريم بمصر عام 2012-1433

      [2]  المصدر السابق ص93.