فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      "..إنفضّوا اليها وتركوك قائما" صدق الله العظيم

      في ليلة البارحة، أثناء صلاة العشاء التي تعودتها في مسجد صغير قريب، أخذ الفكر يتفلّت حسيساً ويسرح بعيداً في أفق الحاضر وغياهب الماضى شاردا عن قراءة الإمام الذي أخذ صوته في التباعد رويدا رويدا حتى كدت أن أغيب عن المسجد مرةً، حتى تسامعت من بعيد قراءة الإمام لقوله تعالى: "فإذا رأوا تجارة أو لهواً إنفضوا اليها وتركوك قائما"، وإذا بالفكر ينجذب بشدة عائداً إلى الإنصات حين تلا الإمام هذه البينات، وإذا بي أدرك أن مقتضى هذه الآيات هو ما يقع للناس حين يأخذهم آخذ الدنيا فيتفضّوا من حول الإمام القائم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتركوه قائماً. جاء في الطبري "وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِمًا} يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ عِير تِجَارَة أَوْ لَهْوًا {اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا} يَعْنِي أَسْرَعُوا إِلَى التِّجَارَة { وَتَرَكُوك قَائِمًا } يَقُول لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَتَرَكُوك يَا مُحَمَّد قَائِمًا عَلَى الْمِنْبَر ; وَذَلِكَ أَنَّ التِّجَارَة الَّتِي رَأَوْهَا فَانْفَضَّ الْقَوْم إِلَيْهَا , وَتَرَكُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا كَانَتْ زَيْتًا قَدِمَ بِهِ دِحْيَة بْن خَلِيفَة مِنْ الشَّام" والإنفضاض المعنيّ في الآية الكريمة هو الترك الفعليّ بالجسد، كما حدث في سبب النزول، ولكن الأمر هنا أن النتيجة واحدة في الحالين، الإنفضاض الجسديّ والإنفضاض الفكريّ، كلاهما سببه الإنشغال بالدنيا وحبّ العاجلة والإستخفاف بقدر الوقوف بين يديّ الله سبحانه، كما استخفّ القوم بمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل زيت دِحْيَة بْن خَلِيفَة!

      فليحذر المرء حين يقف بين يديّ الله أن ينفضّ ويترك الإمام قائما يتلوا آيات الله، فإن ذلك مما حذّرنا منه القرآن بطريق المفهوم، ودلّنا سبحانه على أنّ الإنتباه إلى قراءة الإمام والإنصات له وللخطبة هو خيرٌ في الدارين، في الآخرة لقول الله تعالى: " قُلْ مَا عِنْد اللَّه خَيْر مِنْ اللَّهْو وَمِنْ التِّجَارَة”، وهو ما عنده سبحانه في الآخرة من جزاء لمن يحبس نفسه على الإنصات والسماع دون السعي بالجسد أو الفكر وراء الدنيا وملاهيها، وهو خير في الدنيا لقوله تعالى :" وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" إذ لا يد للعبد في جلب الرزق أو دفعه إلا السعي، فهو سبحانه الرازق لا رازق غيره، والإنفضاض عن مجالس الذكر واقراءة الإمام بالتفكير في الدنيا ولهوها لن ينفع صاحبه بشي إلا خسارة الدنيا والآخرة

      جعلنا الله سبحانه ممن يستمعون إلى القول فيتبعون أحسنه