فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      من هَـديّ النُبـوّة: كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سـمع

      عن حفص بن عاصم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سـمع " رواه مسلم ، المقدمة 6 .

      وقد صـنّف هذا الحديث الشريف تحت باب " ضرورة احتراز و تثبت المرء فيما يروي من حديث " ، إذ أن مسـؤولية رواية الحديث جليلة خطيرة ، فالحديث دين نتعبّد به ، إذ هو المصدر الثاني للتشريع ، وهو المبيّن للقرآن ، وسرد كل ما سـمع المرء منه دون أن يتثبت في الألفاظ التي سـمع تجاوزٌ يجعله في درجة الكذاب ، وقد حـذر رسـول الله من الكذب عليه ووعد فاعله بمقعد في النار ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار " رواه البخاري ، العلم 104 ، وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم: " من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " نفس المصدر ، 105 ، وفي رواية لمسلم : " من تعمّد عليّ كـذبا .. "المقدمة 4 . وقد اشـتهرت الرواية التي تنص علي التعمّد في الكذب ، ولكن إعمالا لقاعدة " عمال النص" ، وقاعدة "الجمع بين أطراف الأدلّة" فإن القراءة الصحيحة للنصوص ، مع ما حمل حديث " كفي بالمرء كذبا .. " من معنى ، أن في ذلك تحذير شـديد ووعيد مُرْعِدٌ لمن يتحدث بحديث رسـول الله صلى الله عليه وسلم دون التثبت الشـديد في الرواية ، وإنما لم يكن مقام المتساهل مثل مقام المتعمّد في الرواية ، وإن كان كاذبا كذلك في نفس الأمر ، لأمرين ، أولهما : إن "الأعمال بالنيّات" ، وثانيهما : أن الروايات التي لا تحمل شـرط التعمد تعتبر مقيّدة بمقتضى قيـد التعمّد في الروايات الأخرى ، فهي من قبيل المطلق والمقيّد ، ولذلك أمكن حمل النصوص المطلقة عليها دون الحاجة إلى الانفراد بمعناها منفصلة.

      كذلك ، فالحديث متوجّه إلى عامة الخطاب بين الناس، في غير موضوع حديث رسـول الله صلى الله عليه وسلم، بل فيما يطرأ لهم من كلام عام في شـئون الحياة والناس ، وصـدق رسـول الله صلى الله عليه وسلم، فان الله قد وهب الناس نعمة العقل لينقّحـوا به ما يصل إلي الآذان وليحكّموه فيما ينطق به اللسـان ، والنـاس ، جلّ النـاس ، يميـلون إلى بعض المبالغة أحيانا ، والي الكثير منها أحيانا أخرى، حسب المناسبة وحسب المتكلم ، فان ذهب المرء يحكي كلّ ما يسمع، كان، في غالب الأمر، حديثـه مخلوط بكذب ولا محـالة . فالناس ، بحكم العادة ، "يتوسـعون" في كثير من الأحيان ، فيما يروون ويحكون ، ورواية كل أقوالهم تجعل التوسـع العاديّ في الحديث كذبا ، إذ صـار الكلام رواية تنقل وأحاديث تروى يبـني السـامع عليها مواقف وآراء ، وهي ، في بداية الأمر ، ما كانت إلا قولا عابرا لم يسـمح قائله بنقله عنه ، فصـار الراوي بذلك كاذبـا . والله تعالى أعلـم ..

      د. طارق عبد الحليم