فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      واعتبروا يا أولوا الألباب

      إمتلأ قلبي بالأسى والغضب حينما كنت أشاهد أحداث ثورة الشعب الليبي الحر وصموده أمام الآت حرب السفيه السفاح الذي إدعى الألوهية فقال: "أنا خلقتُ ليبيا وأنا سوف أحرقها"، وكنت أشاهد لقطات للطيران الليبي يقذف الشعب الليبي الأعزل بالمحروقات، والدبابات تطحن البشر وتدك المنازل، ونسمع عن المرتزقة الأجانب يقتلون أخواننا في ليبيا ويُقَطعونهم ويغتصبون أخواتنا الليبيات الشريفات في ديارهم ... رايت وسمعت الكثير من القتل لأيام عديدة، ثم رأيت وسمعت نداء إخواننا من الشعب الليبي يستغيثون بالعرب وبالمسلمين وبجيرانهم في مصر وتونس والجزائر لأيام، وللأسف لم يلاقي هذا الشعب الحر الأبي من يساعده أو ينصره!

      ورجعت بيَ الذاكرة للهجوم الإسرائيلي  السافرعلى إخواننا وأخواتنا العُزَل في غزة، وكأنما الموقف يتكرر، وسألت نفسي: لما نحن فيما فيه من ضعف وعزلة وهوان وأنانية؟ لما لا نكون مثل باقي البشر أحرار وأعزاء؟ لماذا لدى كل شعوب العالم جيوش تحميها وجيوشنا المهزومة لا تقوم ولا تنتصر إلا علينا؟

      ثم تذكرت خطبة سمعتها في السبعينيات للشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله كان عنوانها "يا حماة الإسلام" وكانت موجهة للزعماء العرب أو لزعماء الشعوب الإسلامية، وفيها كان كشك رحمه الله ينادي بصدق وقوة هؤلاء الزعماء لإنقاذ الأمة قبل إنهيارها، وإنقاذ بيت المقدس ويطالبهم بمفاهيم الوحدة والعدل وبرفع راية "لا إله إلا الله" التي لا ينهزم أحداً يرفعها وهو مؤمن بها، ولكن للأسف لم توقظ الخطبة منهم أحداً، فهم تربعوا على العروش وشبعوا من السرقات والنهب، وخافوا من الصهاينة والصلبيين وباتوا لهم أعواناً أذلاء، فثبطهم الله وأركسهم.

      أخيراً قررت أن أُواجه نفسي بالواقع المؤسف الذي لا يغيب إلا عن جاهل أو فاقد للذاكرة، كي لا نبكي على مصائبنا ولا نلومن إلا أنفسنا.

      وصدمت نفسي حينما واجهتها بواقعنا، حيث إننا الآن مازلنا نعيش في تكاسل وتواكل وتحكمنا جيوش من الطواغيت الذين ليس لديهم شفقة ولا رحمة بشعوبهم. فلو أخذنا الثورة المصرية بشيء من التحليل الموضوعي لوجدنا أننا لم نتحرك أو نتكلم إلا بعد إن بدأ مجموعة شجاعة من شباب مصر بالخطوة الأولى التي فاجأتنا، ثم تلاهم في الخروج الألاف ثم الملايين. وقبل إنجاز الأهداف المنشودة من الثورة وتحقيق النصر بدأنا جميعاً نتخاطب في كيفية إدارة البلد وتولية بدائل للحكم، وكأن الحكم بات في أيدينا، والبلد لم تُحرر بعد من قبضة الخبثاء الذين كانوا يحكمونها من قبل!

      والأمرالواقع أن مبارك تخلى عن الحكم وأسنده للقوات المسلحة ولكنه لم يتنحى عن منصبه كقائد أعلى للقوات المسلحة، وبالتالي هو يعتبر القائد الأعلى للمجلس العسكري الحاكم! ثم قام المجلس العسكري بتثبيت نفس الحكومة التي عينها مبارك من قبل، ولَعِب على عواطف الشعب المصري في ضرورة وقف التظاهرات لتسيير الأمور. ثم رأينا نفس الوجوه الخبيثة التي كانت تعمل لعائلة مبارك مازالت تعمل من وراء الكواليس معهم! بل أن عائلة مبارك مازالت تعيش في قصر الرئاسة في شرم الشيخ على نفقة الشعب المطحون، تحت حماية نفس الجيش الذي وعد الشعب بأنه سمع مطالبهم وسوف ساعدهم على تحقيقها!

      ما قام به الخبثاء هوتدليس ومحاولة للنصب على الشعب بدعوى أنهم تحَفَّظوا على أموال اللصوص والمجرمين وأنهم إعتقلوا منهم البعض، وأنهم طالبوا بتجميد أرصدة مبارك وباقي اللصوص في الخارج، ولا أحد يعلم فينا يقيناً أن ذلك فعلاً قد تم، وأين هذه الأموال وكم هذه الأموال! وكل ما نسمعه من الدول الأجنبية هو أنهم مستعدون لتلبية متطلبات الحكومة المصرية لتجميد الحسابات والأصول! فلماذا لم نُرجِع هذه المسروقات لمصر كي نصلح يها حال البلد؟

      وكيف يُعقل أن ثقوم الحكومة التي يقودها احمد شفيق صديق مبارك الحميم بتجميد أرصدته؟ وكيف يُعقل أن يقوم طنطاوي –  خادم مبارك المطيع –  بتلبية متطلبات الشعب؟

      وبينما كل هذا يحدث أمام أعيننا، قام بعض المصريين بالدعوة لإنهاء التظاهر وعودة المتظاهرين لبيوتهم، بل وقال البعض "عفا الله عما سلف" فلا يريدون محاكمة مبارك وباقي اللصوص والخونة.

      ولا أدري عما يتنازل هؤلاء، هل يتنازلون عن أموال وحقوق الشعب المنهوبة؟ أم عن أرواح الشهداء الذين قُتِلوا على أيدي مبارك وأعوانه؟ أم عن دماء الشهداء الذين قُتلوا ظلماً أثناء ثورتهم على الظلم والقهر والخيانة؟

      أيها الأخوة والأخوات إنتبهوا فإن الثورة لم تنتهي، وإن الطغمة لم تختفي، والخونة واللصوص مازالوا   يتربعون على كراسي الحكم. المؤامرات مازالت تحاك في شرم الشيخ لقرصنة أهم إنجاز للثورة وهو تحطيم جدار الخوف، فالشعب المصري جاهز بأن يقوم ثانية للإطاحة بكل الوجوه الخبيثة والرموز اللعينة، فلا تحبطوهم ولا تكسلوهم ولا تطفؤا الثورة التي أشعلها الله لكم لتخرجكم من عبادة الأصنام والإنصياع لأوامر الفسدة الخونة.

      أنتبهوا فإن الحرائق التي نشبت في مباني الوطني والداخلية وغيرها كانت للتخلص من أي مستندات وإثباتات تدين هؤلاء المجرمين ... مسرحية يقوم المدعي العام "صديق جمال مبارك" بعدها بتسريح المعتقلين لعدم وجود أدلة!

      أيها الأخوة والأخوات لا يجب أن نخذل الثوار بعدما قاموا وثاروا نيابة عنا جميعاً، ولا يصح أن نترك مصر للعسكر الخونة ثانية، كفانا ما شهدناه منذ 52، ولا تدخل عليكم الألاعيب والمؤامرات التي يقومون بها للتسويف والتهدأة لتعطوهم الأمان فأولائك لا أمان لهم، ولا يجوز لنا أن نتخلى عن أدوارنا الحقيقية التي أوجبها الله علينا لإنجاح الثورة ونلتهي بمناقشة مواضيع لم يأت وقتها بعد.

      والخطورة تكمن في أننا لو لم نقم الآن لإنجاح هذه الثورة وإتمام ما بدأناه فسيكون من الصعب علينا أن نستمر في الثورة السلمية، إن ما حدث في ليبيا هو شكل مُصَغَر لما قد يحدث في مصر لو تأخرنا ثم قمنا بالتظاهر بعد تمركز القراصنة وتمكنهم من مقاليد الحكم.

      الجميع يعرف أهمية مصر ودورها الريادي، والكل يعرف أن لو صَلُحَت مصر سوف تنصلح باقي الدول المجاورة. تذكروا أنه لو كانت مصر تُحكم بأيدي مسلمة عاقلة لما كان من الممكن أن يقوم سفيه مثل القذافي بقتل شعبه الأعزل مثلما حدث في ليبيا، ولما كان من الممكن أن يتربع على رؤوس الدول المجاورة إلا حكام صالحين، ولما كان من الممكن أن تغزوا إسرائيل غزة ولا أي بلد عربي آخر. فمصر مثلها كمثل القلب في الجسم العربي المسلم، لو صلحت مصر صَلُحَ العرب ولو استمرت مصر في خرابها ستنتقل العدوى لجيرانها.

      ولذا أُذكركم أخيراً بأن لكل منا دور إصلاحي كل حسب طاقته وإمكانياته، فلنقم جميعاً بإنقاذ الثورة ونُشهد الله بأننا حاولنا بما نستطع، ونشهد والتاريخ وأولادنا بأننا لم نتكاسل، ولينصر الله من ينصره.