فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      هل يمكننا إبقاء الثورة بيضاء؟

      هل يمكننا إبقاء الثورة بيضاء؟

      بقلم: عبد الرءوف غزي

      الحمد لله الذي أزاح الغمة من على قلب مصر والمصريين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهد اللهُ فهو المهتد ون يُضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. وأشهد أن لا إله إلا الله، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حيٌ لا يموت بيده الخير وهو على كل شيٍْ قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركنا غلى المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فالصلاة والسلام عليك يا رسول الله.

      قال الله تعالى في كتابه الكريم:

      " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، فكان في الخروج الصعب لمبارك أفضل الأمثلة لإنتزاع الملك!

      لقد كان في نجاح ثورة مصر البيضاء أيات لكل شكاك مرتاب، ولو أنها كانت بمثابة مفاجأة لكل المصريين بل وللعالم أجمع بعد ستين سنة من القمع والإذلال والقهر وسلب الحريات الفردية والدينية، والعداء للإسلام وللمسلمين. بدأها عبد الناصر، وإستمر فيها السادات وتوجها مبارك بثلاثة عقود من الذل والهوان وإستباحة أموال الشعب وحرماته.

      وقال تعالى: "بل نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ"  

      فكانت الغلبة لله دائماً، ولمن نصر الله: من ينصر الله ينصره، وأعطانا الله الكتاب لنعرف الفرق بين الحلال والحرام، فنتمسك بالحلال ونترك الحرام، فنحيا بعزة وكرامة في طوغ الله، ونموت في رحاب الله لا نخشى ولا نسأل سواه.

      وَقُلْ جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" وقال تعالى:"

      وقد أخبرنا الله بأن الدنيا هي فتنة وإمتحان ليميز الخبيث من الطيب، وأن سلاحنا الوحيد للنجاح في هذا الإمتحان الصعب للغاية هو إتباع أوامره والإنتهاء من نواهيه.

      أما بعد، فبإنقضاء هذه الحقبة المريرة من حياة المصريين كلنا نعلم أن الله قد أمهلنا فرصة أخرى لنتدارك ما ارتكبناه في الماضي من آثام وتكاسل وتمييع في الدين.

      في رأيي فرصة فريدة لا ينعم بها الكثيرون، فالله تعالى وعى شبابنا الذي ظننا أنه ضائع، وألهمهم الشجاعة والصبر، ووحد بهم كلمة الشعب بأكمله، من المسلمين والمسيحيين.

      ولذا فإنني أتوجه لهم بالنصح بأن لا يفوتوا هذه الفرصة أو يضيعونها، فهي فرصة لا تأتي كل يوم، وتذكروا أن الله يمهل ولا يهمل.

      وبالنظر لما حققته هذه الثورة للآن نرى العديد من المزايا:

      منها كسر جدار الخوف من السلطة، وإسقاط جهاز الشرطة الفاسد في يومين، وإقناع الشرفاء من شباب الجيش بدعم الثورة، وعزل رؤوس الطغمة ومواليهم، وكسب ثقة العالم وئقة بعضهم ببعض... وغبرها من النتائج المشرفة التي يصعب حصرها الآن.

      ولكن الآن تقف مصر وشعبها على مفترق صعب من الطريق، مفترق يظهر فيه الخبيث من الطيب، مفترق الفتن والشهوات، فمن ثبُت فقد فاز ومن إرتاب وكذَّب فقد ضل وهوى.

      من أهم االدروس التي تعلمناها كلنا من نجاح هذه الثورة البيضاء، هو سهولة إنهيار الحصون المانعة والحامية لقصور الطواغيت مهما كبرت وعظمت، وهزيمة وهروب الحرس الذي يحمي هؤلاء الطواغيت كالفئران الشاردة مهما كثرعدده. تحققت هذه النتائج بأقل الأضرار من الوفيات، الذين نحتسبهم عند الله من الشهداء، والجرحى الذين ندعوا الله لهم بالشفاء العاجل. كما وأعتقد أن هؤلاء الشهداء يريدوننا أن نطبق شريعة الله ولا نركن لما لا أمان له.

      لا يجب أن يغيب عن أحدنا أن الله تعالى هو الذي دفع هذا النجاح، ليعطينا درس وفرصة فلا تضيعونها.

      وفي هذا المقال أحببت أن أدعوكم جميعاً للتمهل وتجديد النية، كي لا ننزلق فيما إنزلق فيه السابقون. فمن أهم بل وهو أهم هدف للمصريين الآن هو إرضاء الله وكسب رضوانه، كي يحمي مصر وشعبها ولا يغضب عليهم.

      ولعلي في مقال سابق قد أشرت لهذا الأمر ولكنني أكرره اليوم حرصاً على تنبيهكم بوجهة نظري، فهي لمصلحتكم ومصلحة مصر.

      فإرضاء الله في هذا المفترق هام جداً لأننا في أشد الحاجة له ولعنايته. ومن يتق الله يجعل الله له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب. فكلنا نعرف أن الطغمة الزائلة قد نهبت البلاد والعباد لسنين، وهذا يتطلب أن تتكاتف قوى الشعب، والكل يعمل ويصبر حتى يمكنه إستعادة ثروات البلاد المنهوبة وإعادة بناء الإقتصاد لإخراج مصر من هذه الفترة العصيبة.

      وإرضاء الله إنما يتأتى بطاعته وتنفيذ أوامره والإنتهاء عن نواهيه، أي تحكيم شرعه وجعله المصدر الأوحد للدستور والقوانين. فالشريعة تكفل حماية العباد والبلاد، وتكفل حماية الحقوق، وتكفل ردع المغرضين والمجرمين، وحماية الأقليات وأهل الكتاب، وتضمن توفير فرص عمل متكافئة بين أفراد الشعب، فلا محسوبيات ولا رشوة، وتضمن تأمين إقتصاد حر يقوم على تشغيل وتدوير رؤوس الأموال لعدة مرات في السنة في مشروعات إنتاجية، زراعية وصناعية، لا يقوم أساساً على الربا التي تُهلك الفقير. الشريعة تضمن توفير الأمن لكل فئات الشعب ولا يُسمح فيها بتجاوزات، لا لشرطة ولا لإعضاء مجالس الشعب.

      حدد الله تعالى مقاصد الشريعة قيما إتفق عليه العلماء بأنها تكفل حماية: الدين والنفس والمال والنسل والعِرض، وهذه المقاصد تشمل كل ما لدى الأمة من ثروات.

      ولا يخاف من تطبيق الشريعة إلا كل مجرم يكمن جرمه في قلبه حتى يتمكن من سلطة تمكنه من التسلط على حقوق الناس وأعراضهم، فينهش فيها مثلما كان يفعل مبارك وزبانيته. أما المواطن الشريف، مسلم كان أو كتابي، فهو لا يجب عليه أن يخاف من ظلم او من ضياع حقه. فالشريعة هي الحق المُنَزَل للعباد، وإتباعها يكفل العدل والنجاح في الدنيا، والجنة بإذن الله في الآخرة.

      وفي تطبيق الشريعة مزايا أخرى عديدة، فهي تضمن حماية الله للمجتمع ككل: ومن يتق الله فهو حسبه، وتضمن إحترام كل دول العالم لمنفذيه، فهم يعلموا من التاريخ أن كل أمة طبقت الشريعة عَظُم شأنها وإرتقت، فلا تسول لهم أنفسهم إلحاق الضرر بهذه الأمة.

      والنقيض هو أن ننصاع لكل مؤلف أو فليسوف يرى أن لديه من العلم والفهلوة ما يمكنه من سن دساتير وقوانين وضعية، مدنية أو علمانية، وإقناع الشعب بما فيها من صلاح. وفي هذا خراب وتبديد لإنجازات الثورة، ووضع البلاد والعباد على محك خطير للغاية.

      فالعالم كله مارس وجرب تطبيق جميع الأنظمة العلمانية بمنظومات رأسمالية أو شيوعية أو إشتراكية، وفشلت كلها فشلاً ذريعاً، والتاريخ يشهد على ذلك. والنتيجة الآن أن إقتصاديات دول العالم كلها أصبحت فريسة وحبيسة النظام العالمي الوحيد، يخطط له زعماء الماسونية الصهيونية ولا ينفع إلا من يريدون نفعه من الأعضاء والمنتفعين، بل ويضر بمصلحة الغالبية العظمى من البشر، ويقوم أصلاً على الربا وجني البلايين من الحروب وتجويع الشعوب.

      والله نعالى نسأل أن يهدينا إلى ما يحبه ويرضاه، وهو ولي التوفيق.

      وبإذن الله في المقال اللاحق سوف أخاطبكم ببرنامج عمل يسير لدفع عجلة التقدم والنمو والإستهلال بحياة حرة وكريمة.