فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      جولة في عالمنا المُحتل

      جولة في عالمنا المحتل

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      حين يصاب جسدٌ بمرض يفتك بأحد أعضائه، فإن المصيبة تهون بتداعي بقية الأعضاء في التكافل لشد إزر المُصاب، وإبقاء الجسد متماسكاً، حتى الشفاء. لكن، حين يُصاب كلّ عضو من أعضاء الجسد بمرضٍ يفتك به، فمن لتلك الأعضاء بشدّ إزرها وحماية وجودها من التساقط والانحلال والموت!؟ ليس لمثل ذاك الجسد المتضعضع بثقل الخبث المتراكب فوق رأسه، وفتكه به، إلا الله سبحانه..

      وعالمنا الإسلاميّ كله اليوم، عضواً عضواً، وبقعة بقعة، ورقعة رقعة، رازحٌ تحت وطأة مستعمرٍ خبيثٍ لئيمٍ فتاك، لا يريد إلا القضاء عليه، روحاً وخلقاً وديناً، ومالاً، واتخاذ أهله عبيداً مُسخرين لأغراضه، وهم مسلوبي الإرادة والحرية والتعبير، سلباً تاماً شاملاً، لا منفذ فيه، ولا مخرج منه.

      وهذا والله ليس بنظرٍ متشائمٍ، بل بنظرٍ واقعيٍّ، يُعايش مراقباً هذا الاضمحلال والسقوط منذ أكثر من نصف قرنٍ، محاولاً فهم طبيعة ما يجرى، ولِمَ يجري، وما الذي يدفع بقاطنيه إلى ذلك الخضوع والاستسلام المَهين، بعد عزّة ورِفعةِ وعلوٍ وكرامة؟

      هل ما أثبتنا هنا مبالغة في تصوير الواقع؟ دعنا نتجول جولة سريعة، جولة سياحة فكرية، ركوبتنا فيها الفكر والتبصر، ووجهتنا كلّ محلة يعيش فيها مجتمعُ مسلمٌ، شرقاً أو غرباً.

      شبه جزيرة العرب:

      ولنبدأ من أشرف بقعة في عالما الإسلامي المحتضر، بلاد الحرمين، شبه جزيرة العرب، التي احتلتها عائلة من نجدٍ، رأسها محمد بن سعود، منذ قرابة ثلاثة قرون، بدأت بداية تبشر ببعض خيرٍ، في واقع مشتت مهلهلٍ، تعيش فيه قبائل متناثرة متناحرة، يعمّها الجهل، وتأكل عقيدتها البدع والكفريات، التي شاعات وباضت وأفرخت بين أهلها.

      وكانت أيامها لا تزال للإسلام خلافة، وإن كانت قد وَهَنَت وتقلّصَت، ودَرَجَت على سُلَّم السقوط درجات، في مواجهة الإمبراطورية البريطانية، التي وصل احتلالها إلى الهند شرقاً، منذ القرن السادس عشر، وبدأت في الالتفاف كالحيّة حول بقع الخلافة في الشرق الأوسط. وكان جلّ اعتماد محمد بن سعود على دعوة الشيخ المُجَدّد محمد بن عبد الوهاب. ثم دالت دولة عائلة ابن سعود الأولى، على يد بني عثمان، ومحمد على الكردي والي مصر.

      ثم قامت الدولة الثانية، التي لم تُعمّر أكثر من خمسة وستين عاما، بسبب خلافات قبلية داخلية. وكانت فيها على نهج الدولة الأولى في احتضان دعوة الشيخ.

      ثم قامت الدولة الثالثة، على يد مخادعٍ عميلٍ للإنجليز، هو عبد العزيز بن سعود، جدّ آل سلول، حتى يومنا هذا. وسارت تلك المملكة على نهج جديد، سيمته العمالة الصرفة للإنجليز، ثم للأمريكان. وكان استخراج النفط خراباً ووبالاً على تلك المملكة المهلكة، وعلى أهلها، وعلى المنطقة كلها، فتحولوا، إلا من رحم ربك، إلى قطيع من عباد الريال، يستهينون بالناس من خارج دولتهم، ويعاملونهم كعبيد، لا عمالة منتجة، يدها أفضل من أيدي أهلها الخمالى الكسالى، إلا أن يكونوا من الشقر، ذوي البشرات البيض. هنالك تراهم على حقيقتهم، خدّاماً أذلاء، وضيعين، لا ينتسبون لملة ولا لدين، إلا من رحم ربك، ولا يزال في الكثير خيراً.

      حتى تولى العاهر، والدبّ الداشر محمد ابن سلمان ولاية العهد المَهين. فماذا فعل ذلك الشيطان الرجيم!

      أعطى أمريكا ما يقارب بليون دولاراً نقداً، وما يصل إلى 400 بليون عقودا لطائرات وأسلحة، لا يدري من سيحارب بها!  عانق الصهاينة وفتح لهم باب تبوك، فيما أسماه مدينة نيوم، يقتطع فيها من أرض الجزيرة، ليسلمه للصهاينة، فيعودوا إلى تبوك على يديه المجرمتين.

      استبدل العاهر ابن سلمان الفسق والعهر والبارات، وسفور المرأة وسفرها دون محارم، باهيئة الأمر بالمعروف، بل أصبح رئيس تلك الهيئة عاهراً يلعب القمار ويستضيف عاهرات هوليوود! بل بنى تمثالا "للحرية" على غرار سيدته أمريكا، في طريق  جدة، يبعد كيلومترات من الحرم المكي!، هدم مكة الأثرية، ذات العبق المحمديّ، وأقام نطائح للسحاب حولها، حتى يُخفي معالمها، ثم اعتقل أكابر علمائها، وولى صغار فساقها. استبدل كلّ هذا بالأمر المعروف والنهي عن المنكر، وبدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي ظهر من أحفاده اليوم عواهر الرجال ومخانيثها يقومون على تدمير دين الخَلْق، ويتآمرون على المسلمين حول الأرض. ثم مفاسد وجرائم يضيق عنها هذا المقال، لكثرتها وشدة عفنها. 

      هذأ حال دولة ابن سلمان الأولى، والأخيرة، إن شاء الله ربُنا رَفْعَ الغُمّة.

      دويلات الخليج

      وهي حفنة قبائل، أكثرها مجهول النسب، صناعة إنجليزية، عميلة ذليلة لأمريكا، يرأسها ثعبان مبين، أعطاه الله وجها أكحلاً يُفسد على المرء شهيته، يلائم نفسيته السوداء. قلب هذا المأفون محمد بن زايد، وبقية رَبْعِه تلك المنطقة إلى أكبر دار دعاة في الدنيا، ومخمرة لكلّ فساق العالم. ثم أنفق هذا المأفون القبيح بلايين الدولارات على تدمير المسلمين، وقتلهم في كل مكان فيه صراع بينهم وبين الصليبيين أو الصهاينة، فموّل حفتر الكلب في ليبيا، وفرنسا في مالي ووسط أفريقيا، والسيسي الملحد في مصر، وحاول احتلال الساحل اليمنيّ، بل وأهان الصهاينة على شراء بيوت الفلسطينيين لهدمها والاستيلاء عليها. ومثله في ذلك بقية أمراء المنطقة، في البحرين، وعُمَان، وهما الأكثر انبطاحا. أما قطر والكويت فيعارضان لسبب واحد، هو خشيتهما من شهية ابن زايد لاحتلالهما، لا لشجاعة ولا لسّنة، فإن فيهما أكبر قواعد عسكرية في المنطقة كلها. أما شعوب الخليج، فهم في غمرة ساهون، بين مؤيدين ماجنين، وبين ذاهلين لا يعرفون شيئا عن شئ، وهم الأكثرية.

      ليبيا:

      وهي محل حرب متواصلة بعد هلاك القذافي، فالدول الكبرى لا تريد لها استقراراً بأي شكل من الأشكال، حتى بحكومة الوفاق التي تمثل كافة الاتجاهات بما فيها العلمانية، والتي ينصرها أمثال الصلابيّ والغريانيّ، الحائرين بدينهما! والإمارات ومصر وتمويل آل سلول، يقف داعماً، بإيعاز الصهيو-صليبية وراء مغامرٍ عسكريٍ دموي سفاحٍ، حفتر، الذي يسعى لتقويض أي فرصة يتنفس فيها الشعب الليبي، ولو حرية علمانية، بل يريدها عسكرية بوليسية على غرار مصر. والمسلمون فيها، بالطبع، أضعف شوكة من غيرهم، بعد أن صَفَّى الكلب حفتر، بمعاونة دول الإلحاد الثلاث، كثيرا القادات السنية، وقتل أكابرها، في برقة وغيرها.

       

      تونس:

      وما أدراك ما تونس، ففيها اجتمعت أسوأ أشكال العلمانية، سواء السافرة، أو المتلبسة بإسلام أرق من الهواء، لا صلة له بدين ولا قرآن، يقيادة المرتد الغنوشي ونائبه البهلوان مورو. وقد هلك السبسي الكافر المجرم، بعد أن وضع قانون تسوية الميراث بين الرجل والمرأة، وأسس المبدأ الكفريّ الجديد، أن تونس يعلو فيها الدستور على كلّ شئ، وأنها لا دخل لها بدينٍ ولا قرآن ولا شريعة! ثم ترى بعض مغفلي الساحة الإسلامية المنتكسة، يصححون إسلامه صراحة أو استخفاء، ملبّسين على الناس توحيدهم، عند من لديه بقايا توحيد، بل منهم من يترحّم عليه! قاتلهم الله، أنّى يؤفكون. وشعب تونس، قد بعدت بأكثره الشُقَّة عن الإسلام، بما فعلته فيه فرنسا العاهرة باحتلالها العسكريّ، ثم الثقافي، مع عقود من حكم بورقيبة اللعين. وقد فشلت ثورة تونس على يد حزب النهضة العلمانيّ، حيث سلَم مقاليد الدولة طوعاً دون إكراه للعلمانيين من خارج حزبه، ضعفاً واستسلاماً، هو صفة الخارجين على دينهم التابعين الأذلاء لفلسفات الغرب العلمانية. أما شعب تونس فهو، كبقية شعوب الرقعة الإسلامية، بين مؤيدٍ غالب، وبعضٌ ذاهل، وعدد من دعاة الطواغيت وذيول الحكام، ثم حفنة يدٍ من الإسلاميين لا حول لهم ولا قوة ولا صوت. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

      الجزائر:

      بلد المليون شهيد، التي فقدت اللقب بعد أن تخطته العراق وسوريا وأفغانستان. وقد أهلكت فرنسا الجزائر، كفعلها في كلّ مكان احتلته، بتبني لغتها، كلغة أولى، وثقافتها. وتوالى على حكم الجزائر عدد من العسكر، منذ "استقلالها" المزعوم، من بومدين إلى بورقيبة الهالك المتهالك، حتى ثورتها منذ عام أو يزيد، والتي كبحها المجلس العسكريّ، فصارت كمسرحية ثورة أسبوعية، وتربع مجلس العسكر على عرشها، أسوة بمصر، وهي ثورة اتخذت الوجهة الليبرالية منذ أول يوم، بعد أن تخلى الإسلاميون، وعلى رأسهم عباس مدني الراحل، عن قيادتها لاعتقادهم أن هذا يمنع عدوان الغرب! وكأنهم لم يسمعوا عن مصر، عقب إسقاط حكم الإخوان. ولا يزال شعبها يعيش الثقافة الفرنسية إلا النادر ممن رحم ربي.

      وكانت الساحة الجزائرية قد اجتازت محنة شديدة، واختباراً عنيفا، في التسعينيات من القرن الماضي، حيث حاول بعض الدعاة ، على رأسهم عباس مدني وعلى بلحاج، في حركة سُميت "بحركة الإنقاذ"، لكنها لم تُفلح لتدخل العسكر، ووضع زروال حاكما للجزائر، ومن ثم تكونت "الجماعة الإسلامية المسلّحة" والتي بدأت بشكل سنيّ صحيح، ثم انحرف بها الزوابري إلى منهج الخوارج، مما أدى إلى  إجهاض أي عمل إسلاميّ، من حيث شهدت الجزائر مجازر بشعة، اقترف بعضها الزوابري وجماعته، وبعضها الجيش تحت ستار تلك الجماعة الحرورية، التي اعتمدت فيما اعتمدت، على فتاوى بعض المنتسبين للعلم وقتها، مثل فتوى "قتل القرويين" الشهيرة، والتي تراجع عنها صاحبها بعد أن فات أوان التراجع. ومن ثمّ لم يعد لدى الشعب الجزائري أي رغبة في تبني أية حركة ترفع شعار الإسلام، فترك عباس مدني قبل وفاته، وعلى بلحاج، الذي كان صغيراً في حركة التسعينيات، الزخم الإسلامي في حراك الجزائر اليوم، وآثروا الانضمام للصوت الديموقراطيّ، بنكهة إسلامية، كأنهم يخادعون الغرب، تماماً كفعل الإخوان، في تجارب عديدة فاشلة. ولا يزال "الحراك" الثوري الأسبوعي مستمراً..

      مصر:

      كما يسميها المصريون وغيرهم من بلاد العرب "أم الدنيا"، والتي هي في قلب الرقعة الإسلامية العربية، تتوسطها شرقاً وغرباً، فقدت كلّ شئ بعد سقوط ثورتها عام 2011، وغباء الإخوان السياسيّ الناشئ من انحرافهم العقديّ الجهميّ الإرجائي، فساوموا المجلس العسكريّ، واطمأنوا له، وأحبطوا التحرك الثوريّ لإزالة النظام من جذوره، بعد أن صدّقوا وعود المجلس العسكري، بتسليمهم حكم البلاد، والانسحاب إلى ثكناتهم. وكان أن تركوا الحكم للإخوان برئاسة محمد مرسي غفر الله له، الذي جاء بانتخاب "ديموقراطي" ثم اعتقل بانقلاب عسكريّ، من أبشع الانقلابات الدموية في تاريخ مصر، برئاسة أنجس أهل الإرض طراً، الصهيوني الذليل الحقير الملحد عبد الفتاح السيسي، الذي أقام نظاماً عسكرياً يقوم على منهج دمويّ يمسك كافة مفاصل الدولة بيد من حديد، من خلال الجيش الذي حوَّله لأداة صناعية تعمل لحساب العسكر، وتُمَوَّل بمال ودماء الشعب الذليل، وبشرطته وجهاز أمنه، وإعلامييه من أحذية السلطة، وقضاة النار.

      وقد قتل واعتقل السفاح السيسي مئات الآلاف من المصريين، كلّهم من الشباب الواعد، منعاً، لا للإسلام وحده، بل لأي فرصة تقدمٍ نوعيّ في البلاد. ثم هدم المساجد وبني الكنائس وعمّرها، ووعد بإقصاء الإسلام من البلاد بغير رجعة، ونهب كافة مصادر الثروة، واستولى على بلايين الدولارات من أموال ملاحدة الخليج، بدعوى حماية عروشهم وكروشهم، لصالحه الخاص، ولصالح قواته التي تحميه، فلم يعد في مصر إلا قوات أمنٍ تعيش في أعلى درجات الرفاهية، أو شعب يعاني أشد درجات الفقر والجوع والذل، ومعتقلين بمئات الآلاف، منهم كافة صفوف الإخوان، من قيادات الصف الأول والثاني والثالث، وعناصرهم، ثم كافة من تحدث بإسلام صحيح يوماً. ولا يزال مغفلي الإخوان، منحرفي العقيدة يعتبرونه مسلماً، بل أخا لهم في الإسلام، بغى عليهم، لا غير!

      المغرب:

      أو مراكش كما يُطلق عليها، وهي حالة خاصة في بلاد المغرب العربيّ، ففيها "أمير المؤمنين"محمد السادس بن الحسن"! وهو يزعم إمارة المؤمنين، بينما يعيش في بذخ باهظٍ، ذيلاً لفرنسا، كتونس والجزائر تماما، ويضم أكبر جالية يهودية في المنطقة، بعد الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين. وأمر المغرب أغرب من غيره، إذ تتفشى فيها الصوفية، التي لم ينج منها عالم أو شبه عالم. بل من مثقفيها، المنتمين للفكر الإسلامي السنيّ، من يعتبر تراثه وتراث أجداده هو "الصوفية المعتدلة"، ومن ثم تراهم يتخبطون في أقوالهم ومواقفهم، لا تعرف اتجاههم تحديداً في أي أمرٍ عارض. أما سياستهم فهي فوضى عارمة، تقودها أحزاب علمانية كثيرة، من حيث يمنع دستور "أمير المؤمنين" من إنشاء حزبٍ على أسس دينية أو عرقية .. الخ من هذا الهراء، والهادف إلى قهر الإسلاميين وقمعهم، كعادة طواغيت الحكام في بلادنا المنكوبة. والممثل للإتجاه "الإسلامي" المزيج من الصوفية والعلمانية والليبرالية معا، هو حزب العدالة والتنمية، الذي شارك في الحكومة الحالية. ثم حزب النهضة والفضيلة بقيادة محمد الأمين، وهو حزب سنيّ توحيديّ، مع ضعف حضور طبيعيّ على الساحة.

      وقد كانت حركة 20 فبراير في الشمال، ممثلة للديموقراطيين والعلمانيين، أكثر منها للإسلاميين، وكان أثرها ضعيفا، فأدى لتغيير دستوري طفيف.

      والملكية، كبقية ملكيات المنطقة، تنهب أموال الشعب، وتستثمرها لحسابها الخاص، كما تقيّد حرية التعبير والصحافة إلى حدٍّ كبير.

      أما عن الشعب المغربيّ، فغالبه ممن يعتبر الملك محمد السادس أميراً للمؤمنين، بحق (!) لانتشار الجهل وعدم الدراية السياسية، وتفشي الصوفية، التي وقع فيها أكثرية من عوام الشعب، بل ولم ينج منها أيّ داعية، ولو من منتسبي أهل السنّة، فالبيئة الصوفية كانت ولا تزال، فيها نشأتهم، وتراث أبائهم، فلا تكاد تجد داعية إسلاميا واحداً من أصحاب الاتجاه السنيّ الخالص.

      والصوفية، مع انتشارها في كافة بلاد المسلمين، بشكلٍ أو بآخر، بفرقة أو بأخرى، بعقائد مختلفة، إلا أنها تنتشر بشكل خاص بشعٍ متغلغل في بلاد المغرب ومالي والسنجال. مما أدى إلى ضعف المقاومة وخفوت الصوت السنيّ، لا بسبب القهر الحكومي وحده، بل بسبب القهر الجماهيري. ويكاد لا يكون في المغرب عالماً أو طالب علمٍ إلا وتأثر بالصوفية تأثراً ألجأه للانحراف عن السنة مع اعتقادهم وانتسابهم لأهل السنة والجماعة. لكن داء التراث، وميراث الأباء والأجداد، يعمل عمله، كما عمل في أهل الجاهلية، حذو القذة بالقذة، فتراهم يتفاخرون بتراث آباء وأجداد لهم عراقة في التصوف، ينسبونه إلى التصوف "المعتدل" أو "السنيّ!

      العراق:

      ومأساة العراق تتجاوز في بشاعتها وخطورتها كلّ ما تحدثنا عن أثره في هدم المنطقة كلها. فالعراق كانت، ولا تزال، مفتاح الشرق العربيّ، بل مدخله من الشرق. وهي، لمجاورتها للفرس الروافض، كانت ولا تزال تعاني من هذا الأمر، منذ عصر البويهيين الروافض، وحتى عهد صدّام حسين، الذي تقلّب بين قتل السنة وقمع الدعوة الإسلامية، وقمع بقية الاتجاهات، كالأكراد، والروافض، فأذلّ الجميع، وكان يداً قوية في الشرق، وحارب ملالي الفرس ثمان سنوات أنهكم فيها تماماً، حتى وقع في الفخّ الأمريكيّ باجتياح الكويت، مما أدى لحرب الخليج الأولى، وتدمير الكثير من قواته، ثم كذبة الكلب جورج بوش الصغير، في موضوع أسلحة التدمير الشامل، والتي اجتاح بسببها العراق، ليس بحثاً عنها، بزعمه ، بل لتدميرها تدميراً شاملاً تاماً، وتسليمها للروافض، لقمة سائغة.

      وكانت نشأة الحركة الإسلامية في الشرق، من العراق، حيث أقامت القاعدة حركة قوية للمقاومة، بقيادة الزرقاوي، ثم أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المصري، ثم الحروريّ أبو بكر البغداديّ، الذي تمكن بمعاونة فلول جيش البعث المبعثر، أن ينتشر في العراق، ويرسل الجولانيّ للشام، بعد ثورتها في عام 2012 ، تحت اسم جبهة النصرة، التي أعلنت الاستقلال عنه، فحمل جيشه وذهب لقتالها في الشام، تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، المعروف بداعش. وكتب الله للنصرة أن تقوى ويكون لها شأن، بمعاونة القاعدة لها، وهو ما سنراه في معرض الحديث عن سوريا.

      والعراق اليوم مقسّم إلى ثلاثة أقسام، الروافض في بغداد وجنوبها حتى البصرة، وهم الأغلبية في التشكيل الحكوميّ والسيطرة العسكرية، حيث كوّنوا قوة تسمى قوات "الحشد الشعبي"، فكانت ماكينة لقتل للسنة في كافة أرجاء العراق، وتهجيرهم وحصارهم. وما فعلوه في الفلوجة والموصل وغيرهما، يخرج ببشاعته عن التصرفات البشرية، بل يتجاوز حدود ما روّجته اليهود من قتل هتلر لهم. ثم السنة (!) وهم في الرمادي والأنبار وصلاح الدين، وهم الأضعف قوة، ثم الأكراد، شمالاً، في إربيل والموصل، التي كانت سنية على مدي تاريخها، والذين حاولوا الاستقلال بقيادة برزاني، ففشلت محاولتهم، لكن حصلوا على حكم ذاتيّ.

      والشعب العراقيّ السنيّ، يرزح تحت حكم الروافض. كما لعبت العشائر دوراً سيئاً في التعاون مع بعض قوات الرافضة، للمصالح القبلية. أما حرورية البغدادي، فقد انهزموا هزيمة فاحشة، وخرجوا من العراق بالكامل.

      سوريا/الشام:

      وهي محطة في غاية الأهمية في هذه المنطقة المنكوبة، وفي هذا الوقت العصيب، من تاريخنا، من حيث موقعها المماس للكيان الصهيوني، كمصر والأردن، وكونها بوابة الشرق الأوسط من الشمال، ومفتاحه البحريّ، مثل مصر، على البحر المتوسط.

      وما حدث في سوريا، لا يستوعبه هذا المقال، وقد أخرجتُ، بعون الله تعالى، أحداثها من نوفمبر 2013 وحتى ديسمبر 2017، في أربعة مجلدات. لكن الخطوط العريضة معروفة لجميع المهتمين بالشأن الإسلاميّ أو الإنسانيّ حول العالم.

      فقد قامت على أرض سوريا، جماعات سنية وحرورية وعلمانية، شاركت كلها، كلّ بطريقته، في هدم الثورة والبكاء على أطلالها! واجتاحت روسيا الحمراء أراضيها، لحماية بشار السفاح من الهزيمة، فدمرت نصف مدن سوريا. كما اجتاح ما يسمى "التحالف الدوليّ" الرقة ودير الزور، بذريعة حماية الأكراد والأزيديين، وضرب جماعة الدولة الحرورية. وارتكبوا مجازر بشعة في حماة والدير والغوطة، بلا رادع يردعهم، بل بصمت عربي مطبق مهين، بل وإعانة من دويلات الخليج المصطنعة، بالمال والسلاح، وتعامي من المجتمع الدوليّ، الذي صدّعنا بحقوق الإنسان والحفاظ عليها. وكان أن قتل مليون شهيد، وشُرّد وتهجّر 12 مليون سوريا، وخرِّبت البلاد بالتمام، حسبنا الله ونعم الوكيل. وأحكمت روسيا سيطرتها على أهم مناطق الثروة من نفط وغاز طبيعي ومعادن، في منطقة الساحل السوريّ. واحتلت ثلاث دول الأراضي السورية، إيران الروافض، وروسيا، وأمريكا. واكتفت تركيا، بموقف المتفرج، حتى اليوم، بعد استغلالها للكتائب العميلة من الجيش السوري الحر في قتال الأكراد، في عمليتيّ "درع الفرات"، و"غصن الزيتون".

      وسوريا الآن محتلة، مقسّمة، كالعراق، بل أشد نكراً منها. شعبٌ مشرّدٌ، ووطن محطّم، وثروة منهوبة، وكفرٌ حاكمٌ، وتآمر دوليٌّ خبيث.

      اليمن:

      واليمن، من أكثر الشعوب العربية التي شهدت حروباُ عديدة، وتقسيماً إقليمياً، منذ حرب الهالك عبد الناصر في 1962، نكاية في عائلة آل سلول، فدعم ثورة عبد الله السلال ضد ملكية الإمام بدر، وأقام جمهورية اليمن. لكن كانت تلك الحرب نكالاً على مصر، إذ انتهت بقواتٍ منهكةٍ وميزانية متضخمة، لتواجه حرب 1967، وتخسرها بجدارة فائقة!

      وعقب نهاية الحرب في 1967، قُسّمت اليمن إلى جمهورية شعبية شيوعية موالية للسوفييت، وجمهورية يمنية يمينية موالية للغرب، ثم اتحدا في عام 1990، برئاسة حيدر العطاس.

      ورغم فقر اليمن الشديد، فإن أهميتها ترجع إلى موقعها الفريد المطلّ مباشرة على مضيق باب المندب، مدخل البحر الأحمر من المحيط الهنديّ (Indian Ocean).

      وقد قامت روافض إيران باستغلال بدر الدين الحوثي، الذي أقام في إيران سنوات عديدة، وتأثر فيها بفكر الروافض الإثني عشرية، رغم أن مذهبه الزيدية، فدعمت حركة ابنه عبد الملك الحوثي ضد عبد الله صالح، لصالح الروافض المجوس في إيران. وكان تدخل السلوليين والإماراتيين في الحرب، متقلب التوجه، فتارة يتوحد غرضهما في نصرة عبد الله صالح، الذي تعرض لعملية اغتيال، واستضافته السلولية للعلاج، قبل مقتله. وتارة يظهر التناقض بينهما حيث تدل تصرفات الإمارات على حرصها على تقسيم اليمن، ليكون لها الدور الرئيس في إدارة الموانئ الجنوبية على البحر الأحمر.

      وكان لجماعة القاعدة تواجدا كبيراً في اليمن، لكن استهدفت أمريكا قياداتهم بالدرونات، وقتلت العديد منهم، كالعولقي الذي استشهد عام 2011، بغارة أمريكية غادرة، وأضعفت قواهم عن مقاومة الحوثيين المدعومين علنا بروافض إيران.

      ولا تزال الحرب مستمرة، ولا يزال الشعب اليمنيّ، يُقدّم الضحايا ثمناً لأطماع كلاب الطواغيت في بلاد العرب.

      لبنان:

      وقد سيطر حزب اللات الرافضي، بالتعاون مع الجيش اللبناني الصليبي على مسلمي لبنان، بعد فترات متطاولة من عدم وجود رئيس لها، وعدم التوافق السياسي بين أطرافها. والرئيس الحالي ميشيل عون، عسكريّ جلدٌ تولى الحكومة مؤقتا عقب اغتيال أمين الجميّل حتى عام 1989. والمسلمون يرزحون تحت حكومات صليبية عسكرية، منذ الحرب الأهلية التي نشبت عام 1974، وقاد فيها حزب الكتائب النصراني قتال المسلمين. وقد كانت نشأة التدخل الرافضي عام 1980، عقب انقلاب الخميني، واشتد ساعده، حتى أصبح القوة الضاربة في لبنان، وصار أقوى من الجيش اللبناني ذاته. كما أدي وجود القوة الخارجية إلى أن اجتاح الكيان الصهيوني جنوب لبنان عام 1982، بدعوى تأمين حدوده مع لبنان.

      وقد تدخل الروافض في الحرب السورية، في إطار خطة تطويق السنّة وإعادة الدولة الصفوية مجدداً. وكان لهم أثر كبير في دعم النظام النصيريّ، رغم أن المجاهدين ما واجهوهم مرة إلا وسحقوهم بعون الله تعالى. ولا تزال إيران المجوس وحزب اللات في محاولة البقاء في سوريا، رغم معارضة روسيا وإسرائيل لبقائهم هناك.

      كما رأينا ما فعل كلاب الجيش اللبناني الصليبيّ في اللاجئين السوريين من طرد واعتقال، وبل وإعدام قيادات سنيّة، لعنهم الله بما كسبوا.

       

      الأردن :

      أما عن مملكة الأردن، تلك الدولة التي صنعتها انجلترا لإرضاء الشريف حسين، بعد خروجه من الحجاز، وأصبح هو، وذريته من بعده، صناعة انجليزية صرفة، لا يتلقون العلم أو التدريب العسكريّ إلا في انجلترا.

      وقد استوطن الكثير من مهجري فلسطين في الأردن، وصارت لهم مخيمات كأنها مدن مستقلة. إلا أن النظام الأردني الخبيث، له جهاز مخابراتي من أبرع الأجهزة في الدول الطاغوتية العربية، فصار يوقع بين الفلسطينيين، ويكشف خططهم لصالح اليهود. ولا يجب أن ينسى المسلمون مذبحة أيلول الأسود، في سبتمبر عام 1970 ، التي هاجم فيها جيش الأردن بقيادة الملك حسين الخائن، المخيمات الفلسطينية وقوات هية التحرير الفلسطينية التي كانت تحت قيادة العلماني ياسر عرفات. واستمرت المجازر حتى 1971، وخلّفت آلاف القتلي المسلمين من الجانبين، ووفرت على اليهود حرباً كان يمكن أن يخوضها المسلمون ضد الكيان الصهيونيّ الغاشم. لكنها، دائما وأبدا، الخيانة العربية وصراع السلطات، هي ما يحرّك كل تلك الأنظمة الوظيفية العميلة

      فلسطين:

      وما أدراك ما فلسطين، قضية الإسلام الأولى، وبؤبؤ الكيان العربي، التي غدر بها الصهاينة بمعاونة انجلترا، واستولوا عليها عام 1948، وأعلنوا الدولة المصطنعة "إسرائيل".

      ومنذ ذلك الحين، صارت القوى العربية تسير في منحنى الضعف والهوان، وصار منحنى اليهود يسير إلى العلو والقوة، حتى كانت نكسة 6 يونية 1967، المعروفة بحرب الستة أيام، والتي دحر فيها الكيان الصهيوني، مصر والأردن وسوريا، معا. واستولى على الصفة الغربية الأردنية، وسيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية. ولم يخرج إلا من سيناء عقب حرب اكتوبر 1973، بمفاوضات مع العميل الأمريكي الهالك السادات، تمهيداً للاستسلام الكامل لمصر، والعرب من خلفها، في اتفاقية كامب ديفيد، بين السادات ومناحم بيجين وكارتر عام 1978، والتي أدى توقيعها إلى اغتيال السادات عام 1981.

      ويعيش المسلمون الفلسطينيون مأساتهم البشعة تحت الاحتلال الصهيوني، والتهديد وإقامة المستوطنات وسلب الأراضي والعقارات، ومداهمة أولى القبلتين وثالث الحرمين مسجدنا الأقصى، الذي صلى فيه سيد البشر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إماماً لكافة الأنبياء والرسل، في ليلة الإسراء.

      وقد جاءت حكومة البهلوان العنصري ترمب، فاعتمد قدسنا عاصمة صليبية، وألغى حق العودة لمهجري 1948، وأعلن رسميا ضم الجولان للكيان الغاصب، وامتدت مستوطنات الصهاينة في الضفة الغربية حتى كادت تبتلعها.

      والكيان الصهيوني في المنطقة، كسرطان مذروع في قلب العالم الإسلاميّ. فما من طاغوت إلا وتقرب إليها، لعلمه بسيطرة اللوبي الصهيوني على الحكومات والرؤساء الأمريكيين جميعا. لكن بلغت عمالة كلب الصهاينة السيسي مبلغاً لم يصله خائن عربيّ من قبل، فأعطى الصهاينة، بالتآمر مع كلب جزيرة العرب ابن سلمان مفتاح خليج العقبة، وقتل وهجّر أهل سيناء تمهيداً لتنفيذ ما أسموه بصفقة القرن، التي منها تهجير الفلسطينيين إلى شمال سيناء، بعد خنق شعب غزة الحبيب.

      ولا يزال التآمر الصهيوني مستمراً.

      غرب ووسط أفريقيا (مالي، تشاد، النيجر، السنيجال)

      وهذه البلاد كلها استعبدتها فرنسا وفرضت عليها لغتها، كما فرضتها على شمال افريقيا، في الجزائر وتونس والمغرب. لكن الاستعباد الفرنسي لتلك البلاد فاق ما يحدث في شمال افريقيا . فإن الاقتصاد فيها تابع لفرنسا بالكامل. بل إن عملاتها النقدية تُطبع في فرنسا! وقد أقامت فرنسا مؤخراً في مالي  أكبر قاعدة عسكرية لها في افريقيا! كما احتكرت كافة معادن تلك البلاد. لكن من الجدير بالذكر أن دولاً مثل السنيجال ومالي تتفشى فيها الصوفية التيجانية. وهي فرقة صوفية أقرب ما تكون في اعتقاداتها من النصرانية المزورة، إذ يؤمنون بأن شيخهم يتحدث إلى الله، وأنه تأتيه الأوامر منه سبحانه مباشرةّ!

       

       

      باكستان:

      وقد كانت نشأة باكستان دموية، حين تم انفصالها عن الهند، بعد أن سقط حكم المسلمين للهند والذي استمر حوالى ثمانية قرون، وغزت انجلترا الهند، وفقد المسلمون سيطرتهم على الحكم فيها. ثم قامت حروب طائفية بين المسلمين والهندوس، سالت فيها دماء الملايين، ثم كان الانفصال في عام 1947. وقد كان الوجه السياسي لمفاوضات الاستقلال هو محمد على خان، لكن الجماعة الإسلامية التي أسسها العالم المجاهد أبو الأعلى المودودي، في العشرينيات من القرن الماضي، والتي هي أسبق في الوجود من جماعة الإخوان المصرية، كان لها أكبر الأثر في الضغط على المفاوضين لتكون باكستان دولة إسلامية.

      لكن، ويا حسرتاه، حدث ما رأيناه في كافة أنحاء الرقعة الإسلامية، من استيلاء الحكام الخونة العملاء، خاصة عائلة بوتو الرافضية، حتى اغتيلت بناذير بوتو، ابنة رأس العائلة ذو الفقار على بوتو، بعد استيلائه على الحكم عام 1970. كما كان للجماعة الإسلامية أثر كبيرٌ في إسقاط ذوالفقار على بوتو، ثم تولى ضياء الحق الحكم عام 1981. ولم يتميز من حكامها إلا ضياء الحق الذي دبرت الولايات المتحدة، مؤامرة قتله في حادث طائرة مروحية.

      وباكستان اليوم يحكمها عمران خان، علماني نشأ وتربى في أحضان انجلترا.

      والصوفية البريلوية، هي أكبر الطرق الصوفية في باكستان، كما تليها النقشبندية، وتتميز بعبادة أضرحة أوليائها والموسيقى والرقص الشائع بين أتباعها!

      وأهل السنة في باكستان، يعانون حال أهل السنة في بقية أنحاء الرقعة الإسلامية، من الضعف والعدوان والاعتقال. وقد نشأت جماعة طالبان الباكستانية، والتي لها علاقة بطالبان الأفعان، لكنها أضعف التزاماً من تلك الأخيرة، للظروف البيئية التي  تحيط بها من صوفية وعلمانية.

      وقد جاءت الكارثة الأخيرة في الأسبوع الماضي باقتحام الهند لكشمير، ذات الأغلبية المسلمة، وتهديد المسلمين وهدم مساجدهم ومنعهم من الصلاة. وهذا اختبار لعمران خان، لا نشك في سقوطه فيه، حيث لن يحرّك ساكناً، بل سيلجأ إلى السياسة و"المجتمع الدولي"، الذي أضاع بلاد المسلمين كلها، رغم أن باكستان دولة تمتلك السلاح النووي، ضمن بلاد معدودة في العالم. لكن انعدام الإيمان، والتبعية للغرب، تقضي على الرجولة والشرف والكرامة جميعاً.    

      الدول المسلمة المنفصلة في جنوب روسيا:

      وهي تمثل الحدود الجنوبية من الاتحاد السوفييتي المُنحل، والتي فك عنها الأسر في التسعينيات من القرن الماضي، وتسمي كذلك آسيا الوسطى. وتتكون من تركمانستان، وأذربيجان، وطاجكستان وأوزبكستان وقرقيزيا وأذريبجان، ومنها جمهوريات تحت حكم ذاتي ضمن الجمهورية الروسية، كداغستان والشيشان والأنجوش وتتاريا. وقد عاني سكان القوقاز والقرم (ضمن أوكرانيا) من المسلمين معاناة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، إلا ما يجرى اليوم لمسلمي الإيجور على يد الغواشم في الصين الشيوعية. فقد قُتل في عهد لينين وستالين ملايين من المسلمين، وهّدمت مساجدهم ومدارسهم، خاصة بعد إعانتهم للألمان في الحرب العالمية الثانية.

      والمأساة اليوم، في تركستان الشرقية، موطن الإيجور المسلمين، هي مأساة ممتدة منذ مذابح ماوتسي تونج السفاح، فقد قُتل فيها قرابة المليون مسلم. والصين اليوم تعتقل مليونا من المسلمين، وتفتنهم عن دينهم بالقوة، يعينها على ذلك شيطان العرب وكافرها محمد ابن زايد الصهيونيّ.

      وحال الجمهويات المسلمة في آسيا الوسطى هو حال بقية دول الرقعة الإسلامية، حكام علمانيون خونة عملاء للغرب. ولعل أبرزهم عمالة هو رمضان قديروف الذي تولى حكم الشيشان بعد الحرب الروسية الشيشانية الثانية. وهو عميل مباشر لبوتين ولحكام الخليج الصهاينة.

      اندونيسيا:

      وهي أكبر دولة في تعداد السكان المسلمين في العالم، وقد تنازعتها الاستعمارية الهولندية لقرون، ثم أعلنت الاستقلال عقب الحرب العالمية الثانية وانهزام اليابان، التي كانت تستعمرها وقتها.

      وكبقية بلاد الرقعة الإسلامية، حَكَم سوكارنو، صنو الهالك عبد الناصر، وصديقه فيما أسموه "دول عدم الانحياز"، ثم أقاله سوهارتو، الذي تابع الغرب وعمل معهم على إجهاض حركات جهادية. ويرأسها حالياً جوكو ويدودو، الذي لا يفضل عن سابقيه.

      ولعل مقاطعة آتشيه الاندونيسية هي الرقعة الثانية في العالم، مع سلطنة برونوي، التي تتبنى الشريعة الإسلامية قانوناً فيها، نظراً لطبيعة العلاقات بين مقاطعات إندونيسيا التي تتمتع بحكم ذاتي مستقل.

      ماليزيا:

      وهي أيضا من دول جنوب شرق آسيا التي دخلها الإسلام مؤخراً بعد استقراره في الهند. وهي تنقسم إلى شرقية وغربية. وقد قامت البرتغال باحتلالها ثم من بعدها انجلترا إلى أن حصلت على استقلالها. وشهدت نموا اقتصادياً كبيرا في العقدين الأخيرين على يد مهاتير محمد. إلا أنّ التوجه الإسلاميّ، لا يزال كما هو في بقية دول المسلمين، وإن كانت أكثر محافظة، وأقل مغالاة في الهجوم على الإسلام من صهاينة العرب أجمعين.

      أفغانستان:

      ثم أنتهي إلى ختام جولتنا ببارقة أمل، قد يُشرق على المسلمين من جديد، من جبال وسط آسيا، في أفغانستان.

      وحكاية أفغانستان هي حكاية الإسلام في عصرنا الحديث. حكاية العزم والصبر والجَلَد. حكاية الإيمان والثبات والتصميم. حكاية المبدأ والقيم والمُثُل.

      حاولت الإمبراطوريات الثلاث، الإنجليزية والروسية وأخيراً الأمريكية، غزو أفغانستان واحتلالها والبقاء فيها، فهزمت الثلاثة جميعا. طاوعت انجلترا نفسها وحظها العاثر، فغزت أفغانستان عام 1838، لتأمين مصالحها في المنطقة، والتي كانت تهددها روسيا، حيث كانت انجلترا تحكم الهند أيامها، فكانت النتيجة تدمير الجيش البريطاني بأكمله في عام 1842، أربعة أعوامٍ لا غير [1]. ثم غزت روسيا أفغانستان عام 1989، لدعم التوجه الشيوعيّ لحزب الشعب أيامها. وقد توافد المسلمون من غالب الرقعة الإسلامية لدعم إخوانهم في أفغانستان. وكان لتنظيم جماعة الجهاد الإسلامية بزعامة د أيمن الظواهريّ المصريّ، التي اتحدت مع جماعة القاعدة بزعامة أسامة بن لادن الجزريّ، في تنظيم قاعدة الجهاد في أفغانستان. وقد حارب المقاتلون العرب إلى جانب إخوانهم الأفغان، الغزاة الروس حتي أخرجوهم من أفغانستان.

      لكن الحكم في أفغانستان كان قد تعرّض لتقلبات كثيرة، خاصة نتيجة ما أسموه "التحالف الشماليّ" والذي جعل البلاد تشهد صراعاً داخياً بين أحمد شاه مسعود، وجلال الدين رباني، اللذين اغتيلا لاحقا. وكان أن سيطرت حركة طالبان الوليدة على الحكم، وحكمت البلاد مدة خمسة سنوات، من عام 1996 إلى عام 2011، وهو بدأ الغزو الأمريكي الصليبي. وتمكن جمال الدين حكمتيار، الذي عُرف بدعمه للمجاهدين، وللقاعدة، ومناوءته للإحتلال الصليبي الأمريكي عام 2011 لآفغانستان، من الهرب، واستمرار دعمه للمجاهدين. ولازالت الحرب بين الإمبراطورية الإستعمارية الصليبية الأمريكية، والأفغان بقيادة طالبان مستمرة.

      إلا أن ثمانية عشر عاما من الحرب، استنزفت أمريكا، فجلسوا للمفاوضة مع طالبان بعد رفض ذلك من قبل، وتأتي الأنباء بأن انسحابا أمريكياً وشيكاً سوف يتم، ويكون انتصاراً ساحقاً للقوة المجاهدة في تلك الرقعة الإسلامية.

      ونود هنا، في تحليلنا هذا أن نشير إلى أمرين، من أهم الأمور، بل الدروس، التي يجب على المجاهدين في العالم العربي، خاصة البقية الباقية في الشام، الإستفادة منها، كتطبيق عمليّ نجح في طرد الغزو المتتابع لأرض إسلامية، المرة تلو المرة:

      1. الموقف المشرف الذي وقفته طالبان من المقاتلين العرب، حيث رفض الملا عمر، القائد  الإسلامي المجاهد البطل، رحمه الله، تسليم زعماء القاعدة، رغم تهديد أمريكا بالغزو، وثبت على موقفه، رغم خسارته لدولة طالبان. هذا ما يجب أن يكون عليه المسلم مع أخيه المسلم، الذي أتى لنصرته، تاركاً الأهل والولد لإعانته على أعداء الإسلام. فإنه لا يصح أن يُسلّم مسلم لكافر، بحال من الأحوال، مهما كانت الظروف. وقد اتخذ بعض من جهل الدين والشرع وفقد العقل والمروءة أن نبينا صلى الله عليه وسلم فعل هذا في قصة تسليم أبي بصير وأبي جندل لمشركي قريش في صلح الحُديبية.

      وقصة صلح الحديبية كلها، بما فيها وقعة أبي بصير وأبي جندل، مروية في البخاريّ، هي وقعة لا يُقاس عليها بالمرّة. فإن من أمضاها هو خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، يأتيه الوحي، فلا يُنفذ رأيا إلا عن رًشَد. وقد عارضه بعض الصحابة في أول الأمر، حيث كره عمر أن يعود المسلمين بعد إحرامهم دون أن يُتِمّوا مناسكهم. لكن أمر الحديبية كان درساً للمسلمين، في أمرين، الثقة بنصر الله سبحانه، وإن بدا الظاهر بخلاف ذلك، والثاني اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واتهام الرأي أمام أمره ونهيه. ثم إنه نزل القرآن يمنّ على المؤمنين بما كان في قصة الحديبية من توفيق من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم في سورة الفتح "وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا" الفتح 24، فأسمى الله سبحانه الصلح هذا فتحاً. فمن لنا كرسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، وقد علمَ مآل الأمر، وأنه نصرٌ مخبوء في قَدَرٍ مكتوب!؟ أفيكون لمن قال بهذا عقل يفقه به أو دين يتبّع عليه؟

      1. أن وضع السلاح، والتسليم "لضمانات دولية" أو "دول ضامنة" أو وعود "المجتمع الدوليّ"، هو خبال قد يصل إلى درجة الخيانة والغدر وبيع الدين والذمة. وهو ما رأيناه، ولا نزال، في فعل من اتبع جنيف والرياض وأستانا وسوتشي، سواء من أقر بذلك علنا، أو من أنكر وجاراها سراً. فها هي طالبان، لا تتوقف عن القتال ساعة من نهار، بل أتت تجلس على طاولة مفاوضات، ومجاهديها يدكون قاعدة أمريكية في نفس الوقت! هذا هو الجهاد، وتلك هي السياسة، حين يعملا معا، في صالح المسلمين، لا كما رأينا من استسلام تام للكفر في مصر، تحت شعار سليمة، وكأنها سياسة شرعية! أو ما رأيناه في الشام من خلط وخبط بين السياسة والقتال، فما أدى أحدهما غرضه المنشود.

      وبعد، فقد أطلت الحديث عن أفغانستان، من حيث أرى فيها الأمل الوحيد، والنجم الساطع الباقي في سماء الجهاد في سبيل تحرير المسلمين وأرضهم المغتصبة من قِبَلِ قوى الإرهاب الدولي الصهيو-صليبي، وحكام العرب الكفرة بالله ورسوله ودينه جميعا.

      والخلاصة:

      هذه الجولة الواسعة، السريعة التطواف ببلاد الرقعة الإسلامية، التي يقطنها غالبية ساحقة مسلمة، وكانت تُحكم بالإسلام يوما، لا أحسب أني جئت فيها بجديد، إلا صورة تضع تلك الشعوب في إطار واحدٍ، يجعل القارئ يرى وجوه التشابه بينها كلها، وهي:

      1. التبعية الغربية، الأمريكية غالباً.
      2. الاعتماد على الدعم الأمريكيّ لتثبيت الحكام العملاء على كراسيهم وعروشهم.
      3. العلمانية السياسية والإقصائية الشرسة للإسلام، ومحاربة دعاته، بكل وسيلة، بدرجات متفاوتة بين تلك الحكومات، وإن لم يكن فيها من يقبل بالإسلام كلاً واحداً حاكماً أبداً.
      4. الاعتماد على الانقلابات العسكرية، وفرض الحكومات والحكام الطواغيت بالقوة، خاصة في الرقعة العربية بالذات.
      5. الفقر والجهل والمرض، رغم الثروات الواسعة التي لا حد لها من النفط والمعادن والغاز الطبيعي والمزروعات والمراكز الجغرافية الحساسة المتحكمة في أكثر من نصف تجارة العالم، بين المحيط الأطلسي والمحيط الهنديّ، بما فيها قناة السويس، ومضيق باب المندب، ومرافئ البحر المتوسط الجنوبية والشرقية. وبحر قزوين ومضيق البوسفور التركي الواصل بين آسيا وأوروبا، وكثير جدا من الخيرات التي منحها الله هذه الأمة المبعثرة المفككة.

      لكن قدر الله واقع. ونصره، الذي هو غيب من الغيب، قادم بإذن الله، على يد أجيال قادمة، ستخرج إن شاء الله، تزيل الضباب وترفع الغشاوة عن أعين المسلمين.

      والله المستعان

      د طارق عبد الحليم

      19 أغسطس 2019 – 18 ذو الحجة 1440

       

       

      [1] " Britain’s catastrophic invasion of Afghanistan: The Dark Defile”, Diana Preston, 2012