فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الجهاد والجهاديون .. مع أبي قتادة

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد 

      ظهرت في الآونة الأخيرة معارك فكرية، كانت بادئا ذي بدء مختصرة في مواقف عملية لبعض أصحاب العلم، ثم انعكست إلى خلافات أيديولوجية عميقة، ظهرت على السطح، إذ آن أوان ظهورها. وقد أدت إلى تعميق الخلاف بين المرجعيات الإسلامية خاصة في الوسط الذي يتصدر الموقف ويتصدى للعدو الصائل، والذي عُرِف "بالتيار الجهاديّ السلفيّ".

      وقد جاءت شرارة تلك المعركة بين قطبين من أقطاب الساحة ومفكريها، وأقصد بهما الشيخ أبو محمد المقدسي والشيخ أبو قتادة الفلسطينيّ، يث مرت المعركة بمراحل التلميح والاستخفاء إلى التصريح والإعلان، حيث تُوجدت أخيراً بما أعلنه الشيخ أبو قتادة، بأنه "لا جهاديّ ولا سلفيّ"[1] ! قال:

      وكعادة الشيخ أبي قتادة، فهو يلقى الكلام على عواهنه، لا يقيم وزنا كثيرا لما يمكن أن تؤول اليه كلماته، أو ما قد ينشأ عنها من خلط وتلبيس. بل وما تحمله هي من اضطراب داخلي لا يتماشى مع تاريخه ولا حتى حاضره القريب. وهو أمر لاحظه عليه الكثير من الكاتبين من اصحاب العلم، بل حتى من الكتاب المتخصصين في الحركات الإسلامية ومقاومة الإرهاب في أمريكا، مثل ما كتب Cole Bunzel  مؤخرا عن تلك المعركة الأيديولوجية[2].

      وحتى تتجلى الحقيقة، ويظهر المقصود من تلك المصطلحات، فسنناقش معنى "الجهادية، والجهاديون" لنحرر، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ما يرمي اليه أبو قتادة بهذا الإعلان الذي مثّل صدمة للكثير من الناس، بل وأنكر فيه الأساس الذي اتخذه كعنوان على أيديولوجيته، والذي استمد منه قيمته واسمه وشهرته، والذي لولاه، ما كان إلا كاتبا أكاديميا من الدرجة الثانية في حقل الكتابة الإسلامية.

      وقد كتبت ما أرى في موضوع مصطلح التيار الجهاديّ والجهاديون من قبل أن يخطر الأمر بفكر أبي قتادة بسنين طويلة في مقالي الصادر في الثالث من أغسطس 2014  "السلفية الجهادية – تسميات تستوجب الحذر"[3]. ولا أنكر أني ذكرت قريبا مما تحدث به أبو قتادة، حيث جاء كلامه في عام 2018 موافقا ظاهريا لما كتبته آن ذاك، لكن الفارق إنني حذرت من الخلط في فهم المصطلحات، ووجوب إيضاح المقصود بها، وذلك في سلسلة تبنيت فيها تصحيح الكثير من المصطلحات، كالوسطية، والتجديد.

      وحتى أكون أكثر وضوحا، فإني أرى أن منطلق أبي قتادة في قوله "لست جهاديا ولا سلفيا" يخالف المنطلق الذي قصدت اليه في مقالي الآنف الذكر.

      الجهاد واجب من واجبات المسلم العديدة التي كلفه الله سبحانه بها، بشروطه وحدوده، لا ينخلع عنه إلا من خلع الربقة. هذا أمر يتفق عليه كل مسلم.

      أما عن كلمة "الجهاديون" فإنها قد تعني أمرين:

      أولهما: صفة لجماعة من الناس، ليسوا على ارتباط بأمتهم، يتبنون من الإسلام فكرة معينة وواجبا محددا وهو الجهاد، وهم أشبه بجماعة التبليغ، بنكهة جهادية!

      ثانيهما، وهو أنهم، على أرض الواقع: هم أولئك النفر، من الأمة، الذين ارتضوا أن يقوموا عمليا، بصد العدو الصائل على بلادهم[4]، كأي أمة من الأمم تنشئ جيشا للذود عنها، ومن ثمّ عُرفوا بصفة خاصة من عموم الإسلام، ولا أراهم إلا من أسموهم البعض "النخبة" ، وحيث أنهم هم من اضطلعوا بهذا الواجب من بين ابناء الأمة، لا انفصالا  عنها، بل تحقيقا لحماية بيضتها. وهو، على ما أحسب، المعنى الذي قصد اليه أبو محمد المقدسي في حديثه عن جهاد النخبة.[5]

      وقد فزع أبو قتادة من الوصف الأول، وحاول أن يجعله هو الوصف المصطلحيّ الوحيد لتلك الصفة، ومن ثمّ أنكرها جملة وتفصيلاً بقوله "لست جهادياً".

      أما مصطلح السلفية، فقد أصبح أكثر غموضاً وإشكالاً، نظرا لانشطار من أسبغوه على أنفسهم، أو أسبغه عليه الناس، انشطاراً شبه نووي، فكاننت أولا السلفية عنوانا على ما عليه السلف من جدٍّ في التوحيد والإيمان والجهاد، ونسبت إلى اتباع ابن تيمية وابن القيم ومحمد ابن عبد الوهاب، ومنهم الكثير من أهل الجزيرة، ثم انشطر عنهما قسمٌ كبير أسموا أنفسهم السلفيون العلميون، يعني ممن لا يرون جهاداً، ثم نشأ في جسدها سرطان الجامية والمدخلية من بداية التسعينيات على يد آل سلول.

      ومن هنا نسأل أيّ السلفية عنى الشيخ ابو قتادة حيث نفاها عن نفسه ..؟ والكلمة التي ذكرها في أصل ما نشره له متحدثه هي "وأنا لي صبغتان: مسلم ضد الكفار بانواعھم، وسني ضد الزنادقة، وكفى"، فيها إشكال. كبير، إذ إن ضد السنية ليس الزندقة! بل ضد السنية البدعية. فالزندقة تدخل في الشق الأول من كلمته، أي الكفر، بلا خلاف .. إذن محصلة الكلمة أنه "مسلم ضد الكفار، سنيّ ؟؟؟ ليس ضد أحد"!

      وواضح أن الشيخ تناسق مع نفسه في هذه الجزئية .. فإن هذا يعني أن البدعة ملغية من حسابات النخبة وغير النخبة، لحساب جهاد الأمة ... فلا ضير في أن لا نعادي صوفيا منتحلا للبدع، ولا اعتزاليا عقلانيا يدعو للتحرر في الأصول وفي الفروع، ولا من يدعو لوسطية تقف في منتصف الطريق بين الحق والباطل، ولا من يدعو لتحكيم الديموقراطية مهما أدت اليه، فكل هؤلاء من نسيج الأمة الواحدة الناطقة بلا إله إلا الله!

      هذا هو توجه الشيخ الأن، وما كان هذا بباله ولا من توججهه يوما من قبل .. بل هو مجرد التردد والتذبذب والبندلة الفقكرية، كما سبق أن ذكرنا.

      ودعونا نسأل الشيخ، بناء على رؤيته تلك: ماذا عن التحالف مع الجبهة الوطنية؟ بل ماذا عن التحالف مع كتائب درع الفرات؟ إن عاداهم، فهم لا شك، حسب فكره الجديد، إما كفارا أو زنادقة على أقل تقدير. فأيهما يختار يا ترى. ثم ماذا عمن وثّق المواثيق مع الأتراك، الذين قال هو عن جيشهم، قبل البندلة، هم علمانيون مرتدون؟ سواء اتفقنا معه في ذلك أو اختلفنا؟ أهيئة تحرير الشام كفاراً أم زنادقة، أم إنهم يتمتعون بحالة خاصة، حسب ما أتي في الفكر الجديد من جهاد الأمة؟ فإن قال: إنما تغيرت الظروف فسمحنا بالعهد والميثاق، قلنا، لا بأس، فمن كان أول من دقّ مسمارا في نعش تلك الثورة وتبدل الظروف، بعد البغدادي؟ ألم يكن لبيب النحاس وأحمد نجيب، بل والكناكري وكعكة، أسرع منك فهما لما يدور بالساحة، حيث دعوا إلى ما أبحته الآن، وعادوا من تعادي الآن؟

      ثم جاء في الإيضاح الذي أتى به رداً على سؤال (!) واضح أنه من متحدثه الرسميّ، موافقة ضمنية لما فعلت الجماعات الإسلامية الجهادية حينها، وهو ما ذكر من قريب إنه كان كارثة على الأسلام! ثم وافق بصراحة على جهاد النخبة (!) لكنه حَصَر النخبة في أصحاب العلم والقلم[6] (!) والذين يقدرون على حشد الأمة من ورائهم، وتحضير الحاضنة. لكن هل فعل الأخيار غير ذلك؟ هل تحثوا وكتبوا بأسلوب متعال غامض زلقٍ لا وضوح فيه؟ من فعل هذا؟ والله دعا الكل، إلا ابا قتادة، العامة بأساليب لا غموض فيها ولا تعالٍ البتة، سواء في خطب أو مقالات. فما المقصود بهذه الجمل ومن المقصود؟ أيكون مفهوم جهاد الأمة ومسلمة الفتح قد اختُزل في هذا التوضيح إلى مجرد طلب بتخفيف أسلوب دعوة العامة قليلا، ينتصح به أبو قتادة قبل غيره؟

      لا أدرى والله .. فالخلط كثير والتناقض والتعارض كثير، ولم يعد معروفا ما هو اتجاه الشيخ حقا، وما يرضى عنه ومن لا يرضى. وإن كنت أميل مع كل هذا الخلط إلى أنه اقترب في مرحلة من الفهم الإخوانيّ [7] حتى لسعته ناره، وشعر أنه سيدمر قاعدته الشعبية، التي يهتم بها ولها كثيرا مهما ادعى غير ذلك.

      وندعو الله للجميع بالهداية للطريق .. ولا نريد إلا الإصلاح ما استطعنا.

      د طارق عبد الحليم

      29 أكتوبر 2018 – 19 صفر 1440


      [1] على لسان متحدثه الرسمي اسماعيل كلّم الذي نشر هذا الكلام

      [2] http://www.jihadica.com/

      [3] http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72716

      [4]  وأقصد هنا في واقعنا "العدو الصائل" على أرضنا من خارج، ومنه العدو القريب المتمثل في حكومات الطواغيت وجيوشها، مقاومة مشروعة لأي تجمع عمرانيّ في تاريخ البشرية! راجع مقالي " عن الجهاد والمقاومة – نظرة فقهية تطبيقية في مسألة العمل خلف خطوط العدو. http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-73025

       [5] وبهذا المعني فلا يمكن، وأتحدث عن نفسي وعدد من الفضلاء، أن يكونوا من "الجهاديون" .. إذ لم يشرفنا الله بالقتال في الساحات، بل سخرنا للحديث بالقلم .. وهو ما لا أراه ينطبق على مفهوم "النخبة" فيما أرى، وإن حلا للمستشرقين من متخصصي مقاومة الإرهاب أن يُطلق علينا.

      [6]  الذين تمنى من قبل أن يختفوا جميعا من على سطح الأرض بما فيهم هو شخصيا!

      [7] ومن دلالاات ذلك نشره مقالات في مجلة "الإسلاميون" المعروفة بتوجهها الإخواني الواضح.رغم معرفتي الشخصية الوثيقة ومحبتي وتقديري لرئيس تحريرها الإبن على عبد العال ...