فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      1خطوات منهجية في ظل الحقيقة العارية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد

      كشفنا في البحث السابق "قيام الدولة وبناء الأمة – الحقيقة العارية" ،وأفضنا فيه، عن القوى الفعلية المسيطرة على تحرك أمتنا. ثم، وبالأخص والأهم، أعدنا تحديد معنى الأمة وتصوراتها ومقوماتها، وميّزْنا بين "الشعب" وبين "الأمة"، فالشعب قد يحتوى أمة كاملة، والأمة قد تشمل شعبا كاملاً، لكن بلا تلازم حتميّ بين العلاقتين. فأمتنا المسلمة، التي تعيش على الرقعة الي حكمها المسلمون قروناً، ليست هي ذاتها الشعوب التي تعيش على هذه الرقعة اليوم، بل هي مختلطة بها ممتزجة بنسيجها إلى حد الأسرة الواحدة، في شكل هلاميّ أشبه "بالجيلو" الذي يأكله الأطفال! كبير الحجم، ضعيف البنية، ليس له عمود فقريّ، ولا يرى الناظر في داخله شئ يقيم به انتظاما أو تماسكاً.

      وأمتنا المنهكة محصورة داخل تلك المنظومة الهلامية، تشاركها الكثير من آلامها ومحنها، لكنها تختلف عنها في تحديد سبب المشكلات الحقيقي وطرق حلها وتحديد العدو من الصديق وحفظ حقوق المودة وأواصر الولاء حية فاعلة. بل إن الأكثرية من تلك الأمة الهلامية لا يكادُ يُعرف له دين ولا هوية ولا توجه. فلا يجب الخلط بين "الأمة" وبين عناصر تلك الكتلة الهلامية، التي تضرُ ولا تنفع، وتخذل ولا تدفع.

      فما هو الحل الممكن الوقوع، في دائرة المحتملات الواقعية، الذي يمكن أن تسير عليه الأمة الأسيرة لحفظ المقاصد التالية:

      1. بقاؤها وعدم ذوبانها في الكتلة الهلامية.
      2. توسعة وجودها في كل رقعة يوجد عليها عناصر من تلك الأمة.
      3. ترسيخ مبادئ ضرورة السعي للتمكين في الوقت المناسب والظروف المناسبة

      بقاء الأمة وحفظها:

      وحين نذكر ذلك فإننا نريد به أمراً مشمولا بحفظ الدين، إلا إنه يختص بمواجهة خطر جديد على الدين، ليس من قبيل ما تحدث عنه الأصوليون في مقاصدهم بالتمام.

      ولا شك أن في بقاء الأمة حفظٌ لبقاء الدين، فالخطوات التي تتخذ هنا تصلح هناك، مع اعتبارات التقديم والتأخير حسب ظروف الواقع من ناحية، وتركيزاً على حفظ دين الفرد أو الجماعة أكثر مما يُعنى بكليات حفظ الدين لأمة قائمة حية.

      لا شك أن الخطورة الكامنة في الجسد الهلامي المحيط بالأمة ليس وجودا سلبياً، بل هو كالفيروس يحاول أن يتغلغل في جسد الأمة المحاصرة، تارة بالاستهزاء بطرقها ووسائلها مثل التخلف وعدم مسايرة الواقع الحديث، وأن دين الإسلام الصحيح هو ما يراعي الظروف المحيطة ويستوعب التجديد ... وهلم جرا! وتارة بالعداء فيعلن كراهته لما عليه هذه الأمة، وعدم اطمئنانه لها وخوفه منها، رغم عدم التناسب العددي بينهما! وتارة التشبه بالخلق ىالعلمي والمجادلة بالباطل، لكن ما أسرع ما ينهزم الباطل وتظهر الحجة الضعيفة الساقطة، فيقع العدو في حيرة من أمره! وتارة بمغريات التوجه الجديد في الإسلام الوسطي، وما سيجد من ملذات ومباهج ومال وفرصٍ مفتحة الأبواب، وعلاقات دولية ميسرة!

      كل تلك المغريات، لا حقيقة لها في واقع الأمر، فالطاغية متحكم، والطاغية مجرم، والطاغية كاره، فأنّى لمجرم متحكم كاره أن يعطى، ولو فتاتاَ. بل ها هو الفتات الذى كلن يلقيه للشعوب عقوداً متطاولة، قد بخل بها عليه، انتزعه منه وتركه لا يملك شيئا ولا من أمر نفسه!

      يجب على بذرة أمة المسلمين، التي بقيت تحمل التوحيد الخالص وسط ذاك الركام الهائل من النتاجات العقدية المشوهة، كمحصلة لتجارب الغرب في عقيدتنا، أن تحمي وجودها وبقاءها، فهي اليوم أمانة ما بعدها أمانة وتكليف ما فوقه تكليف، خاصة ونحن نرى أمام أعيننا أطفال التوحيد وشبابه وبراعمه يُقتلون، ليقضوا على الجيل الجديد مرة واحدة.

      القسم الأول

      الخطوة الأولى: إقامة الحدود والمتاريس، سياجاً لعقيدتك

      1. التغلب على ذلك الشعور بالقهر والوحدة والغربة، حتى وسط الهلاميين، مع رفض أي تعامل يخرج بعلاقته بهم عن دائرة المعروف الإنساني أو المصلحة المشروعة بشروطها.
      2. توقف الجدل العقيم حول الموضوعات الثابت حرمتها وكفرها بيقين، مثل الديموقراطية والانتخابات والبرلمانات والحرية والعدالة القائمة على فكر البشر وتطوير الإسلام وتجديده وحرية المرأة والمصالح المترتبة على "وسطية" الاسلام المعتدل في مقابل الاسلام "المتطرف" الذي نراه لنا نهجا وشرعة. فلا يسحبنك أحد لمثل ذاك الجدل أبدا، بل ليكن شعارك "وأعرض عن الجاهلين" لكنه إعراض بطريقة الانبياء "سلام عليك سأستغفر لكم ربي"، بلا مزيد كلمة.
      3. لا تظن أن موقفك هذا فيه تراجع أو ضعف أو إمساك علم، بل هو إعلان حد فاصل بين ثوابتك وثوابت غيرك، وشتان بين من جاءك متعلما طالبا للمعرفة، ومن جاءك مجادلاً ساعيا لاثبات نقطة عليك! قلها بصراحة وبقوة "لا وقت لدي لمثل هذا العبث والهراء، هذه ليست دعوة، هذه حلقة صراع كرويّ بين أنصار فريقين، أربأ بديني أن أدخله تلك الحلبة".
      4. احذر كل الحذر من الوارد اليك من الخارج، المدرسة، التليفزيون، النت وهو أخطرهم... فهي مسارب للفساد مزروعة في البيت والبيئة لتكسر حواجزك، وتنفذ لعرينك.
      5. لا تشك لحظة في ثوابت دينك وتوحيدك، لا مقاصداً ولا وسائلاً. فأنت على صراط مستقيم.
      6. لا تدع الأحداث اليومية التي تمر بك، في البيت أو العمل أو غير ذلك، تصرفك بالكلية عن هدفك الذي هو نصب عينيك "حفظ ديني وبقاء أمتي".

      الخطوة الثانية: إعداد النفس والذرية:

      وهي الأصل الأصيل في منظومة الحفاظ على الأمة وبنائها. والإعداد يشمل الروح والعقل والجسد.

      وهذا الإعداد مشكلة عويصة في كل رقعة إسلامية، وبالمثل في كل بلد غربي، إذ البيئة كلها مسمومة بسموم من شتى البدع والضلالات، في كل أرجاء البلاد. لكن الوسيلة الأنفع هنا هي إنشاء مجموعات متقاربة، يكون هدفها تحصيل العلم الشرعي، وإنشاء فصول بيتية للأبناء والبنات في التوحيد والتاريخ والسيرة.

      ومن أهم الأمور هنا هو ربط العقيدة النظرية بما يحدث على الأرض الآن، ربطا كاملاً واعياً مفصلاً، يبين أسباب الانهيار، ومن المسؤول، كما يُنشأ ارتباطا وولاءً بين الشباب وبين المسلمين في كل أنحاء الآرض، يشعرون بآلامهم ويشاركونهم همومهم.

      ولا بأس أن يكون من المهام في الفصول تلك أن يُعين موضوعا أو بقعة من الأرض فيها ظلم للمسلمين، ليقرؤوا عن تاريخها وما يحدث فيها حالياً. 

      ومن المهم هنا هو تأصيل فكرة أن الوقت محدود في حياة المرء، فصرفه كله في اللعب على النت وغير ذلك، هو ضياع لوقت يمكن صرفه في الأهم، وأن التوسط والاعتدال هو مقياس الإسلام في تقدير كل مسألة.

      الخطوة الثالثة: إزالة الشبهات:

      ولاشك أن الجيل الحالي يتعرض لمنظومة من الشكوك والشبهات، في كل مجال، وجود الله، نبوة رسول الله ﷺ، صلاحية القرآن لكل زمان ومكان، حجية الأحاديث ومكانها في ديننا وتشريعنا. ثم بعد ذلك مسائل جزئية فرعية لا حصر لها، مثل حقوق المرأة والمساواة في كل شئ، المساواة مع "الآخر"، الإعراض عن تكفير فاعل الكفر بواحاً، وغير ذلك من الشبهات المريضة.

      والطريق الأوحد إزالة تلك الشبهات، هو العودة بالشباب إلى مبدأ وجود الخالق بلا ريب، ثم ضرورة مبدأ النبوة، فضرورة اتفاق الآنبياء واستحالة اختلافهم في الله، ثم الثبت التاريخي في حفظ القرآن وضياع غيره، وهكذا، تُبنى كل خطوة بعد أن تُستكمل سابقتها، فإن آمن صاحب الشبهة بتلك الأمور، فتقبل الفروع يصبح في غاية اليسر عليه أو عليها. 

      أما الردّ على كلّ شبهة فردية وحدها، مبتوتة الصلة بأصل الدين ومعنى التوحيد فهو نوع من العبث في غالب الأحيان، لا يستأهل إضاعة الوقت فيه، إذ سينتقل الشاك من شبهة لآخرى، لا غير.

      يتبع أن شاء الله.

      د طارق عبد الحليم      رمضان 1439