فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أحكام الفصائل في ضوء الكتاب والسنة

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد

      من المسلم به في شريعة الإسلام أن مهمة العلماء، وورثة الأنبياء، هي البيان "لتبيننه للناس ولا تكتمونه"، فجاء في الآية الإيجاب والسلب، بمعنى بيِّن الحق ولا تكتمه، لقطع الطريق على من يريد حلاً وسطاً بين الإثنين.

      والعلماء، أو أصحاب العلم على وجه أدق، لهم طرق متفاوتة في هذا، حسب شخصياتهم ونشأتهم وظروفهم. فمنهم من يقرع بالكلام ويُزل الحق ويفضح الباطل، نوعا وتعيينا، لا يبالي. ومنهم من يتحدث بشكل عامٍ وإن وصح غرضه للقارئ المتابع. ومنهم من يتحدث بإيهام وتلبيس، ويحكي في الظل ما لا يقوله، أو ينكره في العلن. ومنهم من يؤثر الصمت عن التعيينات كلها، حتى لا يُحسب على أحدٍ ضد أحد، وإن بيّن موقفا صلبا صوابا من نقاط الخلاف الموضوعية الأساسية.

      وكل صنفٍ من هذه الأصناف من أصحاب العلم، يلعب دوراً في تشكيل اتجاهات الشباب وانتماءاتهم، ىأراد ذلك أم لم يُرد، عرف ذلك أن أنكر. ومن هنا تأتي أهمية ما يصدر عنهم، فهم أعلام وعلامات في طريق الجيل الحائر، يجب أن تكون معينة على الإيضاح والتبيين، لا الغموض والتيه.

      أمما وقد بيّنا هذا المعنى، فإننا نأتي إلى أمرٍ تشابه على كثير من الشباب، طوال فترة الثورة الشامية، منذ خرج البغداديّ ببدعته. وهو أمر تصنيف الفصيل، على العموم وعلى التعيين. وقد بينت أحمان هذا الأمر في عدة مواضع مما كتبت، لكن الذكير أمرٌ من رب العالمين "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين".

      فالشريعة تفرّق بين حكم الجماعة أو الطائفة، وبين حكم المعيّن فيها، إلا في حالات خاصة وظروف معينة. وكا حكم منها مبنيّ على أسس مستقاة من الكتاب والسنة، لا مجال فيها لهوى أو حظ نفس.

      فحكم الطائفة مرتبط بمبادئها المعلنة، في أحاديثها الرسمية ومنشوراتها التي تخرج عن ممثليها، والتي قد تتطابق مع أفعالها أو تختلف عنها. فإن تطابقت الأقوال مع الأفعال، فهما ما يحكمان على الطائفة، سنية أو بدعية أو كفرية. وأن اختلفت أقوالها المنشورة عن أفعالعا، نظر المجتهد في درجة المخالفة ونوعها، فإن كانت في حدود لا تكوّن بذاتها اتجاها آخر بالكلية، اعتبرها انحرافات جزئية، هنا وهناك. أما إذا تواتر عنها المخالفة بين القول والفعل، بحيث أصبح الفعل مضاداً لما يقولون، فهذا انحراف عن توصيفها يستلزم لها توصيفاً آخر، سواء بالبدعة أو بالكفر، حسب الحال.

      وننبه هنا إلى أن الديباجات التي تقدم بها كل الفصائل بياناتها ويفتتح بها متحدثوها خطاباتهم، ليس مما يعول عليه ولا اعتبار له على الإطلاق في تعيين تكييف وتصنيف الفصيل، من حيث إنه صار عند الكلّ، حتى علماء السلاطين ووزرائهم، كرأس الخطاب (letter head!)، ثابت مهما كان الكاتب أو القارئ.

      فمثلا طائفة الحرورية، طابقت أقوالها على لسان متحدثها الهالك العدناني، مع أفعالها، بل كانت أفعالها أكثر إجراما من أقوالها، كتعاملها وتنسيقها مع النظام. فخرجت بهذا من وصف البدعة، التي هي الخروج إلى الكفر، كنا بينت في بحث لي.

      ثم طائفة ما عرّف نفسه بجيش الإسلام، وما عرف لدي السنة بجيش الأفلام أو جيش الرياض أو جيش العلاليش، فقد تطابقت أقوالهم وأفعاله كذلك. فهؤلاء صنعة سعودية بحتة تأتمر بأمر الرياض، ويتلقون مقابل ذلك الدعم المالي والسلاح، الذي يستعملونه ضد بقية الفصائل. وقد كان لهم قصب السبق في توقيع اتفاقيات العهر والخيانة والعلمانية والقومية والاستسلام في الرياض واستانا وجنيف وموسكو، وكل مكان طُلب منهم فيه توقيع! فهؤلاء طائفة كفر لم تمر بالبدعة أصلاً.

      أما عن الأحرار، فقد اختلفت أقوالهم كثيرا عن أفعالهم، خاصة بعد تولى الاتجاه النحاسيّ بقادته وورثة الأغبياء في مجالس تشريعه. وقد وصل هذا الخلاف الآن درجة المفاصلة بين إسلام وكفر، حاولواكثيرا أن يبتعدوا عنه، بالتلاعب والتضارب بين القول والعمل. وهم في حكم المجتهد، فمن رأي كفرهم كطائفة فله مرجحاته، ومن رأي أنهم أهل غواية وخيانة وعمالة ولم يصلوا للكفر فله مرجحاته. وإن كان الرأي الشخصي لي هو الأول، حيث أن الرضا بالأحكام التي ممرروها في تلك المؤتمرات لا وجه لها إلا هذا.

      أما عن الهيئة، فلا أرى أنها توصف بالبغي، إذ البغي يقتضي وجود طائفة مؤمن  يبغى عليها الباغي، والآحرار والزنكي ليسا كذلك إلا عند أنفسهم. فحكم الهيئة عندي هو السنية التي تلوثت قيادتها بالمكر والكذب والخداع ونكث العهود والمواثيق والظلم والسعي وراء المال وحب السلطة والطموحات الخائبة. وهو ما نراه في فارق التطبيق بين أقوالهم وأفعالهم. لكنهم ليسوا طائفة بدعة أو كفر، كما أرى، بل هم طائفة معصية ظاهرة.

      هذا فيما يتعلق بحكم الطوائف. أما حكم المعين في تلك الطوائف، فنقول:

       الأصل المعروف هو أن الحكم على معين ببدعة أو بكفر، مرتبط بتحقق شروط وانتفاء موانع، ترتبط بموضوع الوصف. مثال ذلك، انتفاء الجهل فيما هو مما لا يكفر به المسلم إلا بعد وصول الحجة الرسالية، كما في أصناف زوار القبور، كما بيّنا، أو عوامل الإكراه المُلجئ.

      لكن المستثني من ذلك هم أعيان طائفة عقائدها وتصرفاتها لا تحتمل تأويلاً أو رأياً مرجوحاً، مثل الحرورية، فقتل المسلمين في غير حدٍ، تكفير كافة المسلمين لحد اعتبار أن زوجات المسلمين في أنحاء الأرض يعيشون في زنا! فالأعيان في مثل هذه الطائفة يأخذون حكم الطائفة بلا خلاف.

      أما عن بقية الطوائف، مثل جيش الإسلام والأحرار والزنكي والهيئة، فإن حكم المعين مرتبط بحاله وما يثبت عليه من موانع وما يرتفع عنه من شروط. فأفرادها لا يحكم عليهم بحكم الطائفة، نظراً لوجود تأيلات يشيعونها وإن كانت مرجوحة عند العلماء، إلا أنها مشتبهة عند العوام، مثل موضوع المصالح وغيرها، بل ينظر في أحوالهم، إلا في حال القتال مع الطائفة، فالمقاتل معهم حكمه حكم الهيئة أسيراً أو قتيلاً.

      د طارق عبد الحليم      28 مارس 2018 – 12 رجب 1439