فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بين الخير والشر.. في الثورة السورية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      لا شك عند عاقل اليوم أن الثورة الإسلامية في سوريا، لم تؤتي نتائجها التي كان الأمة السنيّة كلها تنتظره كما تنتظر الأم ميلاد جنينها. أو على أقل تقدير، "تأجل" نجاحها لموعد لم يتقرر بعد، علمه عند الله تعالى، إن تمسكنا بأن هيئة "مسلمة الفتح" ومن يجاهدونهم من "تحرير سوريا" في الشمال، هو استمرار للثورة.

      ولا شك، أن هناك جوانب خير فيما حدث، فإن الله سبحانه قد بني الدنيا على اختلاط المصالح والمفاسد. فكل خير فيه قدر من الشر، وكل شر يحمل قدرا من الخير. لذلك فإن في كل حدث واقعٍ، خير نتج منه أو شر خرج عنه.  ويتحدد تكييف العمل، إن خيراً أو شراً حسب الغلبة لأحدهما فيه.

      قال تعالى "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)"البقرة 216. فكراهة ما نراه شراً، لا ترجع لحساباتنا، بل لما قرر الله سبحانه، في سابق علمه، وسعة حكمته.

      ولو نظرنا إلى الواقع الشامي، من هذا المنظار، لرأينا أن الشر الحاصل غالب على ما نراه من خير. لكنّ هذا لا يعني:

      أولا: أن نكره ما حدث، بعد أن حدث وصار قدرا مقدورا، إذ لا نعلم إن كان الخير فيه، آت بعد.

      ثانيا: أن كل ما حدث شرّ محض، بل نجزم أن فيه خير كذلك، هو ما يستشفه العلماء الربانيون، ليكون حافزا.

      لكن يجب كذلك، بل يتحتم، أن نقدّر الشرور التي وقعت، من كلّ جوانبها، خلاف ما هو معروف من شرور العدوان (ولا أسميها حربا)، خاصة أخطاء من تولوا هذه المسيرة التي انتهت إلى ما انتهت اليه، ليكون عبرة لمن يأتي بعد، جالبا للخير الأعم إن شاء الله.

      ومن أهم ما جاءت به تلك الأحداث، سواء نظرنا اليه من منظور حاله فرأيناه شرا، أو من منظور مآله ودلالاته فنراه خيرا، هو

      1. انعدام التصور الإسلاميّ التوحيدي السليم عند الشعوب المسلمة، وقد كان من جرّاء ذلك أن قلت الأعداد الحاملة للسلاح، والتي كان يمكن أن تتضاعف مرات كثيرة.
      2. ضعف التصور الإسلاميّ التوحيدي السليم عند الفئة المقاتلة من الشعب. وكان من نتيجة ذلك، الانقسام الحاد الذي فاق كل خيال في التصورات، التي بنيت عليها التصرفات، التي أدت، لدرجة ما، إلى ما وصل اليه الحال.. فقد رأينا الحرورية، ثم التميّع الإرجائي، ثم التقلب بين السنة والتميّع. وهذا كله نتيجة ضعف التصور من ناحية وضعف الإيمان وقلة التقوى من ناحية أخرى.
      3. الانهيار السريع أمام بريق المال وخضرة الدولار، وتقديم المصلحة الشخصية الفردية، على مصلحة المسلمين بإطلاق. وهو ما رأيناه في جيش علوش، وفي توجهات الأحرار، بل وفي تصرفات البغدادي غير المعلنة! ثم ما نراه اليوم من اقتتال هيئة "مسلمة الفتح" وتحرير سوريا، على المعابر، وتهميش القوى التي لا تزال تؤمن بهدفها واضحا.
      4. صعوبة الإصرار على طريق واحد، لا يصل المسلم بغيره إلى هدفه من هزيمة الباطل. فعند وقوع الضيق، بدأ السائرون في التعلل ثم التحلل. والأسباب والأعذار موجودة جاهزة، منها ما سقط فيه مشايخ، لم يكن من المتوقع أن يسقطوا فيه. وتلك التعلات والأعذار ليست جديدة، لكنها تلبس ثيابا جديدة وتعنون لنفسها بعناوين ضخمة، لتوصلها، من طريق مختصر، إلى الهدف. ويعلم الله أنه لا يوجد طريق مختصر (short cut) للنصر. ومن تلك التعلات:
      5. التفكير التجديدي المناسب للمرحلة، بدلاً من الجمود على طريق وتصورٍ واحد: وترجمته الدخول في مفاوضات خاسرة، ظهر خسرانها في أستانا وجنيف وأخيراً "مسلمة الفتح" في محاولتهم إبرام اتفاق مع الأتراك، فإذا هم في حيص بيص، ينتظرون القصف الروسي، الذي لم ولن تمنعه تركيا!
      6. الحنكة في التخلص من التصنيف الدوليّ لحرية الحركة: وترجمتها خيانة عهد قطعه قائد "مسلمة الفتح" على نفسه دون استشارة الحكيم نفسه، ثم الرجوع عنه دون استشارة مرة ثانية! فلا ندري فيما كان الدخول ولا فيما كان الخروج.
      7. تقديم مصلحة المسلمين على مصلحة الجماعات بما أسموه "جهاد أمة"! وترجمته إمكان نكث البيعات بلا حرج ولا تعلل، بل بصلافة وغطرسة وكذب. وقد رأينا نتيجة النكث بالعهد، تشرذم، وتقاتل، وعدم اتحاد، وتشتت، وضعف، بعد أن كانت النصرة يوماً على رأس الهرم القتاليّ، تسيطر على مناطق يأهلها أكثر من خمسة ملايين نسمة! وقائد "مسلمة الفتح" لم يسلم من المكر ولا الخديعة ولا حب السيطرة ولاالكذب على الأحياء والموتى، بتواتر، وتجمع متفرقات، يجعلها مؤكدة على سبيل القطع.
      8. ظهور طبقة من قارعي الطبول، الذين وصَمْتُهم بالأصفار والأشبار. وهم شبيحة نت، عديمي العلم، حقاً، عديمي القيمة، صدقا، ليس لأحدهم ما يؤهله للجلوس في محفل علمي، بله أن يكون عالما شيخا مقدماَ[1]. وهذه الطبقة يجب أن يواجهها ويتعامل معها علماء الأمة، خاصة ومن أصحاب العلم من تبنّى هذه الظاهرة ونفخ كيرها، ملقيا بحديث رسول الله ﷺ عرض الحائط.
      9. ظاهرة شخصنة النزاع بين أصحاب العلم، بمعنى أن يتوجه أحدهم للآخر بطلب بيان أو بنقد، مهما اشتد، وإن لم يخرج عن موضوعه، فإذا الآخر يرد رداً يتناول شخصية من سأل لا موضوع سؤاله! وهذا ينبأ عن خلل في نفسية من يُفترض أنهم قادة الفكر والمنظرون والموجّهون.
      10. ظاهرة ازدراء العلم، والتقليل من شأن أصحابه، والتي قاد حملتها العدناني الهالك، نظراً لخلو ساحته من العلماء. ولا زلنا نذكر ترجمة البنعليّ له "ترجمة مجهول لمجهول"! ثم انتشارها بعد ذلك في محاولة من الأحرار إيجاد مرجعية لهم بعد أن انفض من له قيمة حقيقية من حولهمأ إلا بعض ضعفاء العلم والشخصية. ثم أصابت هيئة "مسلمة الفتح" نفس الجرثومة، بعد أن تسلق مشجعيها على ظهر قامة انحت لهم، واتخذوا من السب والشتم في داعش، حقل تجربة يشحذون ألسنتهم، ويجمعون مشاهديهم، لحين يتحولوا إلى منابذة قامات لم تحنى ظهورها ليتسلقوا عليها. وقد كان ذلك ذنب عظيم لمن سمح به، إذ أي "صايع" في حواري النت يمكنه أن يقذف بحجرة على موكب الأمراء، لكن المسألة حين تجد من كان له صوت قوي مسموع، استعاده بعد وأدة معروفة، ونجاه الله منها، يقف في صف هؤلاء يصفق لهم من خلف الستار...

      كل تلك السابيات/الإيجابيات هي مما يجب أن يُعتبر، ويوضع في الحسبان، فإن العبرة إن تكررت، كان الانحراف مقيما لا يزول.

      د طارق عبد الحليم               21 مارس 2018 – 4 رجب 1439     


      [1] والشئ بالشئ يُذكر، فقد أطلعني أحد الشباب على كلمة لصفر منهم قال فيها باللفظ "قلمي كفيل بكذا وكذا ".. فوالله كدت استلقي على الأرض ضحكا من قولة "قلمي"! صار للصفر قلما!! ولا أظنه إلا "قلم حواجب"! هذا ما أعنيه، فهذا "قبضاي" من قبضايات النت، مثله مثل قباضايات الحانات، الذين يدفعون بالناس خارجها بعد أن يسلبوهم ما يريدون! تجدهم يدافعون عن كبيرهم الذي استهتر بهذا البلاء، ولم يعي خطورته، لقصر نظر، أو حب شهرة أو غيره.