فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      فتنة إعادة المهاجرين إلى الكفار.- سلسلة المائة بحث رقم 70

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      بلغني أن بعض الفصائل المفتونة، المنتكسة، تسلم المهاجرين إلى دولهم، محتجين بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية. سبحان الله، أفي هذا دليل على الإطلاق أي كتاب فقه وجدوا فيه هذا الخَطَل.. أوَضعوا أنفسهم الآن مجتهدين مطلقين، يستنبطون من الكتاب والسنة مباشرة؟ فأكتب على عجالة ما يلي:

      أولا: قال تعالى :" أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ"الممتحنة 10. وفي هذا دليلٌ نصيّ على حرمة إرجاع المسلمة للكافر، ومعلوم أن حكم المسلمة والمسلمة، إن لم يفترقا، واحدً. لا يُقال: هذا رجل وهذه إمرأة! ذلك لعدم ثبوت الجنس هنا كعلة ملائمة ولا مؤثرة. فيلغى الوصف كلعلة كما هو معلوم في الأصول.

      ثانياً: لا يُقال إنّ عدم إرجاعهم بعلة عدم حليّة فرج المسلمة للمسلم! ذلك من حيث أن حفظ النفس مقدّم على حفظ العرض بإطلاق. فيكون بطريق الأولى (الذي هو القياس الجليّ) إعادة الرجل أو العائلة لدولهم الملحدة حرام لا يحلّ، داخلٌ تحت النص.

      ثالثاً: أن النص القرآنيّ مقدّم بإطلاق على السنة، خاصة السنة الفعلية لظنيتها، وقطعية النصّ القرآني. فإن فعل الرسول الأعظم ﷺ قد يكون له سبب سواء من وحيّ أو من خصوصية (راجع مقام القول مع الفعل في الموافقات، كتاب الأدلة، دليل السنة آخر المجلد الثالث".

      رابعاً: أن شروط صلح الحديبية كانت خاصة برسول الله ﷺ حيث قال "لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلّا أعطيتهم إياها" الطبري 2-623. فأيّ من هؤلاء رسول الله ﷺ؟

      خامساً: أين المعاهدات التي أُبرمت بين تلك الفسائل المنكوسة المنهزمة أصلاً، بينها وبين تلك الدول؟ علما بأن صلح الحديبية كانت فيه اليد العليا لرسول الله ﷺ حين سلك طرقاً وعرة، ففاجأ فرسان قريش. أين هذا من حال الفسائل المهزومة للثورة السورية ؟

      سادساً: عن قصة أبي بصير فقد جاء في البخاريّ "ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَآهُ: لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تُنَاشِدُهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ لَمَّا أَرْسَلَ فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْهِمْ". فأين هذا مما سيفعل الطواغيت الكفار في فرادى العائلات. إن حفظ النفس هنا مقدّم على الإطلاق كما قلنا، فهؤلاء ليس لهم فرصة للحياة بأي حال من الأحوال.

      سابعاً: أن بنود الحديبية قد  ثبت أنها كانت نصراً للمسلمين، فأي نصر في إعادة من فزع لنصرتكم يعود على المسلمين إلا العار والشنار وخراب الديار!

      ثامناً: أنّ ما أسموه "اجتهاد النبيّ ﷺ في أمور السياسة، هو وحيّ من الله سبحانه، فهو ليس محل اجتهاد لغيره، فإن أراد أحد استخراج العلة منه "كنص"، وهو ليس مقدما على النص القرآني، كما ذكرنا في البند الأول والثاني، فلينا حنكته في اسنباط العلة، بتنقيح المناط أو بالسبر والتقسيم، أيهما أراد، وساعتها نرى ما عنده.

      تاسعاً: أين هي مروءة العرب ونخوتها، فيمن جاء ينصركم، مرحبا بالموت في سبيلكم، فإذا أنتم ترمونه إلى الثعالب والضباع تنهشه وعائلته؟ والله إنكم إذا لأنجس قوم على وجه الأرض، بل إن ما حدث لكم إذا عدلٌ من الله، إن كنتم فقدتم حتى الحسّ الإنسانيّ الفطريّ. ولله درّ الأفعان، فلم تبلغوا شرك نعالهم، إن أنتم فعلتم هذا.

      عاشراً ألا تبلغوا حتى فعل كفار الأمم الغربية الذين تنص قوانينهم الزضعية الموضوعة بالعقل والفطرة وإن انتكست، إلى عدم تسليم اللاجئ لدولته إن كان هناك تهديد على حياته، مجرد تهديد!!! سيرورا فيهم سيرة الكفار في المسلمين، يا معرّة العرب!

      وحسبنا الله ونعم الوكيل

      د طارق عبد الحليم         18 مارس 2018 – 2 رجب 1439