فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تعليق وإضافة على بحث دراسة مقارنة في الشعر العربي

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد

      حكي لي ابنٌ شاب أن بعض الشباب، الذي انتكس حاله واتخذ من الجهل رداءه وأثماله، ممن فهم السلف الصالح بفهم أعجميّ، مع إعتقاده أن لسانه عربي ، فإذا هو مقطوع اللسان، ساقط عن رتبة من يتحدث به، قديما أو حديثاً، ويتصور أن الحياة السلفية جافة معدومة الشعور، ضائعة الخيال، يتلمس التحريم، ثم التكفير في كل لفظة يحسبها "غير لائقة" بطنه الخائب، حدثني الشاب عن مناقشات دارت بينهم في أنّ بحثي "دراسة مقارنة في الشعر العربي" فيه ألفاظ غير لائقة، أو نابية أو شئ من هذا القبيل. وهؤلاء أشفق عليهم أكثر مما ألومهم، فقد أخذوا ثقافتهم من أدب ساقطين أعاجم.

      أذكر هؤلاء الشباب وأنصحهم أن يقرؤوا السيرة بعين "آدمية"، تعى أن للحياة أوجه شتى، وأن رسول الله ﷺ في شريعته وتبيانه لها في سنته بوسطها الأعدل، قد ضرب لنا الأمثلة التي نحتذيها، عوضا عن الإفراط والتفريط. فقد حذرنا رب العالمين من إتباع الشعراء في تجاوزاتهم في "التشبيب بالمرأة" أي وصفها في حالات مخزية كما قال امرؤ القيس

      فَـمِـثْـلِـكِ حُـبْـلَـى قَـدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ              فَـأَلْـهَـيْـتُـهَـا عَـنْ ذِي تَـمَـائِـمَ مُـحْــوِلِ.

      إِذَا مَـا بَـكَـى مِنْ خَلْـفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ                بِـشَـقٍّ،وتَـحْـتِـي شِـقُّـهَـا لَــمْ يُـحَـــوَّلِ

      ولا داع للشرح هنا!

      كما نهانا الله سبحانه عن إتباعهم في القذف والهجاء وكلّ ما يشين الخلق. لكن السنة بينت حدود ذلك، وما هو مقبول منه ما هو مرفوض، من حيث أن الكليّ القرآني له طرفان، فتأتي السنة فتبين ما هو من هذا وما هو من ذاك، حتى لا تكون الشريعة واقعة دائما إما في إفراط وإما في تفريط. وهذا أمر يدركه العلماء.

      ومن ذلك ما هي حدود الشعر المقبول الذي قد يأتي فيه غزل عفيف، وما هي حدود العفة؟ بين ذلك رسول الله ﷺ بيانا بالفعل والإقرار، حين استمع إلى قصيدة كعب بن زهير التي ألقاها عليه، في مسجده بعد صلاة الفجر، معتذراً ومادحاً، ولم يعلق عليها بنهي أو تأنيب. والتي بدأها على عادة شعراء العرب في الجاهلية وشطر من العصر الإسلامي في عهد الخلفاء والدولة الأموية عامة، بغزل يصف فيه محبوبته "سعاد"، التي هي غالباً اسم وهميّ من خيال الشاعر، يلبسه ثوب الحياة، فيفرغ فيه مشاعر البدوي في البكاء على الأطلال ودكرى أيام الحب والمودة. بدأ كعب رضي الله عنه قصيدته بعشرة أبيات كاملة، وصف فيها "سعاد" وحبه لها بأرق الكلمات، فقال إنها غضيضة الطرف من الحياء، قدّها أغن، ولها ثغر جميل، كأن الراح (الخمر) ينهل منه فيجعل رائحته جميلة ... إلخ إلخ ..

      بانت سعاد فقلبي اليوم متبول              متيم إثرها لم يفد مكبول 

      وما سعاد غداة البين إذ رحلوا             إلا أغن غضيض الطرف مكحول 

      تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت        كأنه منهل بالراح معلول 

      شجت بذي شبم من ماء محنية             صاف بأبطح أضحى وهو مشمول 

      فيا لها خلة قد سيط من دمها               فجع وولع وإخلاف وتبديل 

      فما تدوم على حال تكون بها               كما تلوّن في أثوابها الغول 

      وما تمسّك بالوعد الذي وعدت             إلا كما تمسك الماء الغرابيل 

      كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً            وما مواعيدها إلى الأباطيل 

      أرجو وآمل أن تدنو مودتها                وما لهن، إخال، الدهرَ تعجيل 

      أمست سعاد بأرض لا تبلغها              إلا العتاق النجيبات المراسيل

      وقد روى عن عمر ابن الخطاب، أنه سأل يوما عن آية "أو يأخذهم على تخوّفٍ"، فسأل: ما التخوّف؟ فأجاب بعض الحابة: هو التنقص، قال الشاعر:

      تخوّف الرحل منها تامكاً قرِداً             كما تخوّف عود النبعة السَفِنُ

      قال عمر: أيها الناس احفظوا ديوان شعركم في جاهليتكم فإن فيه تفسير كتابكم"

      وقد قال ابن رشيق القيرواني في كتابه العمدة، في فضل حفظ أشعار العرب وروايتها " فقد وجدنا الشاعرَ من المطبوعين المتقدمين يفضل أصحابه برواية الشعر ومعرفة الأخبار، أنه إذا كان راوية عرفَ المقاصد، وسهلَ عليه مآخذ الكلام، ولم يضق به المذهبُ، وإذا كان مطبوعاً لا علم له ولا رواية، ضلَّ واهتدى من حيث لا يعلم، وربما طلبَ المعنى لم يصل إليه وهو ماثل بين يديه، لضعف آلته، كالمُقعد يجد في نفسه القوة على النهوض، فلا تعينه الآلة"

      ولا أريد الاستشهاد بما ورد عن ابن عباس ترجمان القرآن، من قصة استماعه وحفظه لقصيدة عمر ابن أبي ربيعة الشهيرة

      أمن آل نعمٍ أنت غاد فمبكرٌ       غداة غدٍ أو رائح فمُهجرُ

      وذلك لعوار في صحة سندها أتى من روايتها في الأغاني للأصفهاني الشيعي.

      ولعل في هذا القليل الكفاية حتى يثوب أولئك الشباب الذين هم من ضحايا سلفيتهم المُنكرة، وإلا فهم يرمون رسول الله ﷺ بأنه رضي وأقر منكرا دون أن ينكره، وفي هذا ما فيه من السخط والغواية.

      وما كتبنا في دراسة القوس العذراء بين الشمّاخ ومحمود شاكر، ليس فيه حديث عن نساءٍ البتة، بل هو حديث عن قوس كني عنها بفتاة عذراء لا حقيقة لها، إلا فيما حمل الشاعران من مودة وحب للقوس!

      د طارق عبد الحليم      14 يناير 2018 – 27 ربيع ثان 1439