فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      شر الطوائف .. الجاهلون المتطفلون!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      ما مرّ بذهني أمر تلك الطائفة الطفيلية التي أخرجتها ظروف خاصة في ساحة الشام، فقولبتها في قالب من له شأن، وهم في الساحة "شانٌ" عليها، لا شأنٌ فيها، إلا وتذكرت الفيروس الذي لا تراه العين المجردة، يصيب جسداً، فيوهنه، وقد يقتله بالمرة، إلا إذا تولى الطبيب المداوى انتزاع شأفته من الجسد، فيكون وجوده خيراً في أصل، وشراً في فرع! فهؤلاء الطفيليون، لهم أثر أشد من ألف جندي مسلح في عوام جهلة، رغم أن جنديّ واحد من جنود الحق العلمي، يهزمهم دون أن ينقص من ذخيرته طلقة!

      والساحة الشامية، كما أرى وضعها اليوم، يعكس خروج الفصائل الإسلامية، على وجه الحقيقة، من حلبة الصراع الدائر في الشام، تماما، كعامل له أي أثر على الأرض سلبا أو إيجابا. الصراع اليوم بين أمريكا وإيران على مناطق النفوذ ومنفذ الروافض على البحر المتوسط. وروسيا استقر وضعها مع النظام وتركيا تصارع لتحمي أرضها لاغير.

      لكن، في خضم البحث عن المخرج، فإنه من أوجب الواجبات ألا يُكرر الخطأ، وعلى رأسه ما ذكره المصطفي ﷺ "فاتخذوا رؤوسا جهالاً، فسُألوا بغير علم فضلوا وأضلوا". ومن الواضح البيّن، مما أجراه تنظيم الدولة أصلاً، وتبعته في ذلك الجبهة الإسلامية، فحركة الأحرار، فهيئة تحرير الشام، من إتخاذ بطانة جاهلة طفيلية، سواء من داخل الفصيل أو من خارجه. والأسماء معروفة لا نحتاج لذكرها، فترداد المعروف ليس من قبيل المألوف. لكن، نذكر منهم، هاروش وشريفة ونجيب من طفيليّ الأحرار، الذين اضطلعوا بمهمة نشر الفكر النحاسيّ الداعي إلى التفاوض وبناء المواقف الشرعية على المصلحة الموهومة، ثم كعكة والدغيم وجاجة وطبقتهم ممن وافقوا على هذا التوجه، بل حملوه إلى أقصاه بقتال المجاهدين وقتلهم دون تورع! ثم اليوم، اسماعيل كلّم وأنس خطاب وأحمد أبو فرخة، ومن وصلني أن اسمه دهب، وبعض ما كتب عمر رفاعي، مع الأسف!! ممن ينفخون في قربة الهيئة، بنفسٍ مقطوع أصلاً، ومهاجمة من كانوا يوما، وإلى يومنا هذا، لا يبلغون عقب ساق أحدهم، علما ولا عملا ولا تجربة ولا خُلُقاً.

      وصاحب الفتوى، أو صاحب الرأي، في واقع أو واقعة، كما هو معلوم، يجب أن يكون مجيداً للسان العربيّ، فصيحاً فيه، عارفاً بأساليب العرب في تصرفاتها اللغوية وتآليف جملها، ثم مجيداً لقدرٍ من العلم الشرعيّ يؤهلُ لفهم النص الشرعيّ، ومفاهيم الخطاب، ثم أصول بناء الفقه، وقواعده الكلية والجزئية، ومواقع الأدلة الشرعية، بعضها من بعض، ثم أشباهها ونظائرها وفروقها، وتماثلها وتخالفها، وعللها نصاً واستنباطاً .. الخ .. مما يتقنه كل من لمع له اسم في ساحة العلم الشرعيّ، وخرج له بحث أو كتاب شُهد له فيه بتجديد أو بإجادة، بغض النظر عن موافقته أو مخالفته، كما رأينا لمثل الشيخ رفاعي سرور رحمه الله والشيخ مرجان سالم رحمه الله، والشيخ أبي قتادة، والشيخ د السباعي، والشيخ العريدي على جِدّة وجوده في الساحة، والشيخ العلوان، وبقية العلماء المعتقلين في الجزيرة، بل والبرقاوي في علم التوحيد وتطبيقاته، وغيرهم لا يحصى من أصحاب العلم، وإن قصدنا من في هذا التيار خاصة.

      أسأل جسيمات تلك الطائفة بالله، دون كذب أوإدعاء منهم يحاسبون عليه يوم الحساب، كم قرأوا من كتب في تلك العلوم التي ذكرت طرفا منها؟ كم قرأوا في كتاب الأمالي للقالي أو ذيل الأماليّ؟ كم طالعوا في عيون الأخبار لابن قتيبة أو العقد الفريد لابن عبد ربه؟ بالله عليهم فليذكروا لمن يقرأ لهم خربشاتهم، هل اطلعوا على سطر واحد من البيان والتبيين للجاحظ، أو الكامل للمبرد ليحصنوا بلاغة كلماتهم ويزنوا بميزان العلم فرائد الألفاظ القرآنية والحديثية؟ هل اطلع أحدهم على الخصائص لابن جنيّ، خاصة، على سبيل المثال، الربط بين علل العربية والعلل الفقهية، وهو من أمتع ما في الكتاب ممن رام الربط بين العلل في أصولها[1]؟ كم اطلعتم من كتاب الأغاني للأصفهاني، الذي هو من أعمدة تأريخ الأدب العربيّ رغم تشيّع صاحبه؟ هل اطلع أحدهم على ديوان المتبني، وشروحه، أو لاميات العرب والعجم، أو لزوميات أبي العلاء، أو ديوان سقط الزند له، كم حفظوا من المعلقات السبع، أو العشر على قول عدد من الحفاظ؟ هل لامست روحهم السميكة كلمات السحاب الأحمر أو رسائل الأحزان؟ كم اطلعوا على كتاب في النقد الأدبي، مثلما كتب شوقي ضيف أو سيد قطب، أو الرافعيّ؟ ماذا عرفوا عن المعارك الأدبية الفقهية التي ثارت في ثلاتينيات القرن الفائت، والتي مزق مجرموها اللحمة الاجتماعية الاسلامية، بعدما قضوا على اللسان العربي؟ من كانوا أبطالها؟ ماذا تناولوا فيها بين مصلحٍ ومخرّب؟ هل اطلعتم يا جسيمات الفيروس العلميّ على أدبيات العالَم وكبار مدوناته، ولو اختصاراً، كما كنا نقرأ في الستينيات من القرن الماضي "تراث الإنسانية" نتعرف بها على فكر الأمم ومناهجهم في الأدب والفلسفة والتاريخ والسياسة[2]؟

      ثم ماذا عن التاريخ العربيّ أو العالمي؟ هل اطلعوا على كتاب واحد بأكمله في تاريخ الإسلام؟ هل اطلعتم على فجر الإسلام وضحاه وظهره رغم اعتزالية واضعه أحمد أمين؟ هل اطلعتم على أي مادة في تاريخ العالم مثل "تاريخ الحضارة لويل ديورانت، الواقع في سبعة وثلاثين مجلداً، لخصت منها الخمسة مجلدات الأولى في هوامشها؟  أو تاريخ العالم لإتش جي ويلز، أو فلسفة التاريخ لأرنولد توينبي أو سقوط واضمحلال الإمبراطورية الرومانية لإدوارد جيبون؟ أو.. أو .. أو

      ثم، هل قرأتم في الفقه المقارن ما دوّن ابن رشد، وقارنتم بين ما كتب أعلام الفقه المقارن على المذاهب الأربعة؟ هل حققتم أصول المذاهب الفقهية التي سار عليها الأئمة الأربعة؟ هل علمتم عن كتب الأشباه والنظائر مثل ما لابن نجيم الحنفي أو السيوطي الشافعي، وما مجالها وفائدتها؟ كم قرأتم من كتابٍ في القواعد الفقهية، بل حتى في نشأتها وتطورها[3]؟ ولن أعجزكم بالحديث عن الكتب التي دّوِنت في المصلحة، التي تتشدقون باسمها، ترددونها كببغاء عقله في أذنيه، مثل الموافقات للشاطبيّ، أو مقاصد الشريعة لابن عاشور، ولا أدرى كيف يتحدث من له أدنى ضمير علميّ دون أن يتأهل في الأصول تأهيلاً يوقفه على أعتاب مثل تلك المدونات العظمى[4]؟!

      هذه غرفة من بحر العلم، ونسمة من ريح المعرفة، أغفلنا فيها أكثر بكثير مما أشرنا اليه، خوفا من إملال القارئ، ولكن بما يكفي في فضح تلك الطائفة المزيفة المدلّسة الباغية، التي حسبت أن البحث في جوجل عن نص هنا أو هناك، ثم رصفه بجانب بعضه، يجعل من أحدهم شيخاً، كما كتب عن نفسه اسماعيل كلّم مثلاً في صفحة "محبي الشيخ أبومحمود الفلسطيني" أي والله العظيم هكذاّ ، أو ما يذكره عن نفسه أبو فرخة، الذي كان يتزلف للشيخ السباعي في نشر مقال له، في موقع المقريزي، لعل أن يقع اسمه بجانب صاحب علم حقٍ، فيتعلق منه بشئ كما يتعلق فوح البخور بثوب لمن لم يلامس جسد صاحبه الماء منذ سنين، حتى إذا مرً عليه أحدّ ظنها رائحته! بل نُقل لي أن أحدهم، أظنه أبو فرخة، قال إنه ندم على يوم أن كان مغفلاً وظن بمثلي أنه صاحب علم، وأنه كان يدعوني بأبي الحبيب! فما أعلمك يا هذا الورع[5] أنك لا زلت على تغفيلك في انتقالك من رأي لرأي، فإنما التغفيل صفة لا تزول عن صاحبها إلا بشهادة عدولٍ، لا بتبديل رأي!

      كتبت هذه الكلمات، رغم صغر شأن من تناولتهم فيها، حتى يكون فيهم عبرة يتعلمها الشبيبة من النتائج الثانوية المدمرة التي جرتها أذيال التقهقر والخيبة في واقع الفصائل اليوم. ولو احترم أحدهم عقله ونفسه وكرامته، فليأت لنا بسيرته، كما يحكيها المشايخ في كل عصرٍ، عمّا علموا وقرأوا، ثم عما أفرز علمهم واطلاعهم، غير اتصالات تليفونية هنا وهناك، وحكاية وقائع وتبادل آراء، وسطور لا تخرج عن تجميعات لا جدّة فيها ولا أصالة، هي، إن وُجدت، فمما ساهمنا في نشرها، محسنين الظن بمن لفقها من جمل جوجلية، كما فعلنا مع أنس خطاب وغيره. لكن هؤلاء من شيمتهم أن يتعرضوا لمن أحسن اليهم يوماً، على أمل أن يسيروا في طريق العلم يقطعوه كما قطعه من قبلهم، لا أن يتسوروا عليه بكلام أحسن ما يقال فيه الخيبة والغفلة والبطلان.

      أقول لمثل هؤلاء، اتركوا عنكم الأدعاء، واقنعوا من الغنيمة بملازمة العلماء، فإن حالكم هذه يصدق فيها قول الحطيئة: "دع المكارم لا ترحل لبغيتها" ومكارم العلم إن لم تحصّلوها من مصادرها فأقلعوا عن الافتئات عليها.

      وما أخيبها من جماعة أو فصيل أقام لنفسه أبواقاً مرقِّعة من أمثال هؤلاء الأفشال[6]. والدليل ما آلت اليه حالهم، كلهم بلا استثناء، من العوادية إلى الجولانية، باتخاذهم هذا المذهب المخزي، اتباعا للهوى وإنكارا للدليل.

      ولعل السؤال الذي يتوجه اليوم بقوة، تستجمعها من غرابة الموقف الذي وصفنا، هو ما الذي أعان على إيجاد هذه الطبقة الطفيلية الصناعية المتطفلة؟ أقول، وبصراحتي المعهودة، لا أخشى لومة لائم، أنهم ذات المشايخ الذين ذكرنا، ممن هم على قيد الحياة، يعملون في الساحة، دون أن يتصدوا لهذا البغي والتعدي، بل منهم من أعان على توليد وتفريخ هذا البغي والتعدي، كما في حالة اسماعيل كلم والشيخ أبي قتادة، الذي ظل يلين له الكلام ويحّسن له العبارة، تساهلا منه مرة، حتى تورمت صنيعته وتمردت على موجدها ومغذيها، وأصبحت طفيليا متكاملاً قد أرضعته المشيخة شهوراً، وفطمته مضطرة قبل أن يستوى على سوقه!

      والأدهى أنه بعد أن بان الخلل وعمت البلوى، تأخر هؤلاء المشايخ، مثل الشيخ أبي قتادة والشيخ د السباعي، إلا البرقاوي، عن ذكر أيّ من هؤلاء بكلمة، ولا لفظ، وكأنهم خافوا من هجوم عليهم، يشنه دهماء من يتبعون هؤلاء الأفشال، ونسوا أن للعلم حرمة، متى تركها العالم تُمتهن على يد أمثال هؤلاء البغاة المتسوّرين، ودون أن يشار اليهم بالبنان ويسلخوا باليراع والسنان، فقد أخل بأمانة علمه وأضاع كرامة حامليه.

      د طارق عبد الحليم     

      20 ديسمبر 2017 – 2 ربيع ثان 1439


      [1] الخصائص لابن جني ج1 ص48، بتحقيق محمد على النجار.

      [2] أرفقت صورة من تلك المجلة الفريدة التي جمعت كل أعدادها منذ عام 1964 في أول عهدي بالجامعة.

      [3] راجع بحثنا في "الاستثناءات من القواعد الكلية" ففيه نبذة عن تاريخها http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-73154

      [4] ونشهد الله أننا لم نذكر عملا هنا إلا ونال منا وقتا وجهدا واطلاعا، يفرغه في النفس إفراغا، ويولج فيه النفس إيلاجا.

      [5] الورع: الجبان، وجمعه أوراعٌ

      [6]  الفَشِل: الضعيف الجبان الذي لا يصلح في شي