فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ما الذي يجري في الخفاء؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد

      التحركات الحالية على الجبهات العربية والإسلامية، التي أصبحت السمة الرئيسة في كل صباح، تتحدث عن نفسه، لأنّ هناك شئ ما يدبّر في الخفاء، يخطط له بليل، ويُطبق في النهار التالي.

      فإنه منذ أن قامت ثورات ما أسموه بالربيع العربيّ، وما لحق الربيع من ذبول وتساقط، بل تهاوٍ، في كل الجبهات العربية، وأهمها الانقلاب المصري، نرى وجه العالم العربيّ، خاصة الشرقيّ منه، في عملية تغيير مستمر، كأنه ماء في مجرى نهرٍ جار لا يتوقف!

      ولست، ممن يعشق نظرية الخطط الأمريكية "طويلة المدى"، وإلا فإن ما يحدث يمكن ربطه باجتياح صدام للكويت عام 1991، والتي بدأ تنفيذ ذلك التغيير منذ تاريخه. لكن هذا، عندي، ليس بدليل، إنما علامة أو قرينة، كما في المصطلح، على أن هناك تغيير قادم، سيتم حسبما توّده الرياح دفة الشراع.

      الأمر ليس مجرد تغيير الهوية الإسلامية للشعوب العربية، فالهوية الإسلامية منهارة أصلاً، من معاول الهدم التي الثقافي والحضاري والعسكري والسياسي، الذي استمر خلال قرنين من الزمان، لم يتوقف لحظة واحدة. فلا نرى أنّ ما يحدث اليوم يكفي في تبريره تغيير الهوية، إنما من عناصرة، القضاء على النذر اليسير الذي تبقى من تلك الهوية، متناثراً كشعل مضيئة وأصوات خافتة هنا وهناك، تثير الإزعاج، لكن لا تقوى على تغيير حالٍ إلى حال.

      فما الأمر إذن؟ ما الذي يدبر في الخفاء؟

      لسنا بضاربي ودعٍ ولا قارئي فنجان، لكن ما يظهر على الساحة من مواقف ينبئُ بأن غرض هذا التغييرهو العصف بالتركيبة السياسية الحالية لدول المنطقة، وتغيير الخريطة تغييراً كاملاً شاملاً. بل والتركيبة السكانية والعقدية كذلك.

      فالعامل الرافضي، والعامل الصليبي، والعامل السني من الناحية العقدية، ثم الجمهور في مواجهة الحكام والملوك من ناحية السلطة، ثم الدول الكبيرة والقوية في مواجهة الصغيرة والضعيفة من ناحية الحدود، ثم الدول الغنية في مواجهة الفقيرة من ناحية ابتلاع الثروات، كلها عوامل تتداخل هنا لإعادة تشكيل شرقٍ أوسط جديد، نعتقد أنه سيكون في حدود التصورات التالية.

      1. استخدام الروافض لضرب السنة بقوة في كل مكان بالشرق العربي
      2. تحجيم الروافض في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وتقليص تواجدهم
      3. إضعاف القوة التركية الإقليمية وشغلها بمعارك محلية، مع الأكراد على وده الخصوص.
      4. ابتلاع السعودية والامارات للدول الصغيرة كالبحرين وقطر وعمان.
      5. السيطرة على مداخل البحر الأحمر من جنوب اليمن.
      6. تحويل الدول الجديدة إلى معسكرات رقٍ للشعب، تخضع لمجلس رئاسيّ ملكي واحد، فيه القلة المعدودة على أصابع اليد الواحدة، دون معارض في أيّ اتجاه وأي مجال، على الإطلاق.

      لكن هذا التصور، الذي هو ظاهر جليّ في كافة التصرفات والخطى التي نراها يوميا في حيز التنفيذ، تواجه صعوبات لا يمكن أن يتحكم فيها أحدً من اللاعبين هؤلاء، مهما أوتي من قوة وذكاء.

      منها ما تثيره التساؤلات التالية:

      1. هل ستسكت إيران على محاولات تقليص نفوذها الذي عملت عليه منذ عام 1979، مع عودة الخميني الهالك؟
      2. هل ستقف تركيا مكتوفة الأيدي أمام غزو قطر المرتقب؟
      3. هل ستقف روسيا موقف الحياد أو الانهزام أمام المخطط الأمريكيّ الذي يحاول تقليص دورها في الشام؟
      4. هل ستخمد الحركة الجهادية على التمام، سواء القائمة حاليا في الشام، وما هو منها كجذوة صغيرة في مصر، وما هو قيد الاحتمال في السعودية؟
      5. هل ستظل الشعوب صامتة تتلاعب بها القوي الخارجية بأيدي عملاء الداخل من ملوك وحكام؟
      6. ثم، وهو الأهم، أين يقع العدو الصيوني من كل تلك التحركات، وهو، مهما بلغت قوته، محدود العدد والحجم، ولن ينفعه سلاح نووي في حرب تقوم بمنطقته؟ ولهذا احتاط بالتطبيع مع خونة الخليج، في محاولة لتجنب ما قد يحدث من فوضى عسكرية في المنطقة.

      تلك هي محاور ردّ الفعل المنتظر على ذلك المخطط المرسوم .. فالأمر جدّ معقد ومتشابك، ولن يكونزمامه في يد لاعب واحد أيّا كان.

      ثم... "وما يعلم جنود ربك إلا هو"

      د طارق عبد الحليم      8 نوفمبر 2018 – 18 صفر 1439