فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حتى تتطهر الديموقراطية ...

      الحمد لله الصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه من والاه، وبعد

      تضرب جذور الفكرة الديموقراطية في العمق التاريخي أكثر من خمسة وعشرين قرنا، منذ نشأتها الأولى، أيام الامبراطورية اليونانية، والتي عُرفت بالديموقراطية الأثينية (نسبة إلى أثينا) حيث تبنت الفلسفة الرواقية. وكان حق الانتخاب مقصورا على الحر القادر على الاستقلال بالعيش دون عمل! فكان هذا الشرط يستثني العديد من الطبقات مثل الأرقاء والعمال والنساء. لكن، رغم ذلك القصور، كانت بذور الديموقراطية كامنة في هذا الشكل الديموقراطي أيام بركليز، وذلك في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد[1]. ثم أتى الرومان، فطوّروا القانون ودونوه، وحاولوا المحافظة على تراث اليونان السياسي، وصار صراع اجتماعي في سبيل الحفاظ على الديموقراطية[2]، لكن انتقلت بلادهم إلى الفوضى بعد القرن الثالث الميلادي[3]، وأصبح مجلس شيوخهم يمثل الطبقة المثقفة، وغالبا الثرية ذات السطوة، والتي ترتضيها قوى العسكر، والتي تجتمع لتتخذ القرارات الحاسمة في شؤون المال والغزو والعلاقات الخارجية وغير ذلك.

      والجدير بالاشارة هنا أن ذاك الشكل الديموقراطي لا يزال على ما هو عليه بالتمام منذ أيام يونان. ذلك أن "المواطنين" الذين لهم حق التصويت في أثينا، قد انقسموا إلى قسمين أو حزبين، الألجركة (المحافظون) وهم الأثرياء، والديموقراطيون، وهم صغار رجال الأعمال والتجار[4]. وقد لعب الألجركة المحافظون دوراً سلبيا[5] كما هو المتصور من تركيبتها، مما أساء إلى الشكل الديموقراطي في ذلك الزمن.

      إذن، وبعد هذا السرد التاريخي المختصر، نرى أنّ الأمر لم يتغير كثيرا في الخمسة والعشرين قرنا الماضية. الحزب الجمهورىّ أو المحافظون، في مقابل الحزب الديموقراطي أو الليبراليّ. ولعلنا إذن لا ننبهر بالحضارة الغربية الحديثة كثيراً، حين نجد إنها تحكم بما حكم به أسلافها منذ آلاف السنين، دون تغيير.

      ,ما نلحظه هنا في النظام الديموقراطي، أنه لم يُطبق كما أريد له أن يكون منذ بداية نشأته الأولى، حكم الشعب للشعب. فإن هذا يقتضي أن تستوى الفرص في العمل السياسي، ويتمحض الإخلاص للعمل الديموقراطي، وتنعدم الانتهازية. ولم يمكن أن يسير النظام على هذا المنوال النموذجي، فإن حزب الألجركة (المحافظون) سرعان ما استخدوا ثرواتهم لعقد الصفقات والتجارة على حساب الحكم. ولا نشك لحظة في دور المال لترشيح أعضاء هذه المجالس حينها.

      فإذا انتقلنا عبر الزمن خمسة وعشرين قرنا، إلى وقتنا هذا، فماذا نرى من حال الديموقراطية؟

      لا تزال الديموقراطية خدعة بلا تطبيق على الأرض. الشعب لا يحكم، إنما تحكم النخبة منه. ذلك أنّ تطبيق الديموقراطية يعني، عدم تدخل المال في العملية الانتخابية وعدم تدخل الإعلام في العملية الانتخابية. فإن تحقّقا كان من الممكن أن يفترض أن الناخب يضع خياره هو، دون توجيه. لكن، كما نرى، فإن العقلية الانتخابية تُشكّل كلّ يوم، وكلّ ساعة وكل دقيقة، بما يوجهها إلى تبنى آراء واختيارات قد تكون هي الأسوأ لها إن نظر اليها ناظر عاقل بلا مؤثرات خارجية. وخروج بريطانيا من السوق الأوربية وانتخاب ترمب رئيسا أكبر دليلين في الشهور السابقة على صدق ما قلنا.

      والقوم لا ينكرون تلك العوامل التي تجعل النظام الديموقراطي عاريا عن مفهومه الأصلي، بل يفخرون به ويقننونه، من تصاريح التبرعات للحملات الانتخابية، حيث يتمكن الأثرياء، وذووا النفوذ مثل اللوبي الصهيوني من تحويل رأي الناخب إلى ما يضره ولا ينفعه، وهو يهتف له ويلوح بأعلامه.

      هذه هي حقيقة الديموقراطية. هذه هي الديموقراطية التي يريد المنبطحون العرب أن نتبناها، من حيث أربابها وأصحابها أنفسهم يتلاعبون بها وبشعوبهم.

      هذا، ولم نلمس الجانب التشريعي في الديموقراطية، فقد أفاض فيه الناس من قبل إلى حد الملل والكفاية. بشر يشرع لبشر ويرتضيه بشر. فخروج الديم من هذه العملية أمر محسوم لا فائدة في محاولة إثباته. إنما أردنا الحديث عن الجانب التطبيقي للنظام الديموقراطي، الي فشل في أن يغيّر من تحيزه وتحزباته الطبقية خلال خمسة وعشرين قرنا من الزمن، منتظرا لمحمد علوش وعصام العريان وراشد الغنوشي أن يقوموا بتقويمه!

      والله المستعان.

      د طارق عبد الحليم

      25 يناير 2017 – 27 ربيع ثان 1438


      [1]  راجع "قصة الحضارة" ول ديورات" المجلد الثاني "حياة اليونان"، الجزء الثاني، الفصل الثالث ص21 وما بعدها. Story of Civilization, Will Durant

      [2]  السابق المجلد الثالث "قيصر والمسيح أو الحضارة الرومانية" الجزء الأول ص 55 وبعدها

      [3]  السابق المجلد الثالث "قيصر والمسيح أو الحضارة الرومانية" الجزء الثاني، الفصل 3، ص 358 وبعدها

      [4]  السابق المجلد الثاني "حياة اليونان"، الجزء الثاني، الفصل الثالث ص22.

      [5]  السابق المجلد الثالث "قيصر والمسيح أو الحضارة الرومانية" الجزء الأول  ص 263 وبعدها