فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أزمة القيادة بين الشرع والوضع في واقعنا الإسلامي

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه وبعد.

      إذا نظر الباحث في حال الأمة الإسلامية اليوم، وجد كثيرا غالباً مما يجب تبديله، وبعضا مما يجب إصلاحه، ولم يكد يرى ما يمكن أن يترك على حاله. فالأمة اليوم كجسد آدمي أصابه السرطان في كافة أعضائه، وتسرب إلى خلايا عقله، فأصبح الجسد عاجزاً، مرتين!

      وأقصد بالعقل المتسرطن هنا، من هُمْ، أو من يدّعون، أو يحاولون أن يكونوا مسؤولين عن قيادة الأمة، في بقعة من بقاعها. ولعل الأبرز اليوم ما يحدث في مصر، وما يجرى في الشام ... على تباعد ما بين الحالين، لكن المشكلة قائمة موضوعيا في كلتا الدولتين .. فكلنا في الهمّ شرقُ!

      ولن نتطرق هنا إلى وضع الشام، قيادة شعباً ومجاهدين، فإن شعبهم أخرج عدداً ممن رفعوا السيف في وجه الطاغية، وإن لم يكن كافيا بالنسبة لتعدادهم، لكنهم قدموا ولا يزالوا يقدمون، شهداء على أرضهم. أما عن مشكلة قيادتهم، فإن فيها مشتركات مع الحالة المصرية، لكنها في مجملها تختلف عنها لطبيعة مرحلة الصراع الدائر في الشام، واللاصراع الدائر في مصر!

      إذا نظرنا إلى الحالة المصرية، شعباً وقيادة معارضة، إن صحّ أن هناك معارضة حقيقية، وجدنا أن الشعب لا يزال في غالبه بعيد عن تصور المشكلة وعمقها وتجذرها في الدولة المصرية، حيث يتحكم ما لا يزيد عن مليونين من حثالة الخلق، علما وخُلقا وضميراً، في مصير أكثر من تسعين مليوناً، منهم خمسين مليونا من النساء والأطفال، وعشرين مليونا من كبار السن، وعشريم مليونا من الشباب والرجال عديمي النفع، مسلوبي الإرادة، إمّا بفعل الخوف الطبعي، أو استسلاما للهزيمة، أو متابعة ما أحدثته طائفة المخذولين من شعارات زائفة، على رأسها السلمية.

      أمّا القيادة، وهي موضوعنا الرئيس هنا، فننظر في أشكالها وأنواعها القائمة على أرض الواقع، ليمكن أن نعرف أفضلها طريقة وأقومها وسيلة.

      وحتى يتسنى لنا الحديث عن القيادات، يجب أولاً أن ننظر فيمن يقودون، وماذا يقودون. أمّأ فيمن يقودون، فقد أومأنا إلى الشعب في مصر بشكل مختصر. أمّا ما يقودون، فهي بالطبع الدولة المصرية التي نرجو قيامها، بقيادة من يقود، والتي تقوم على أيديولوجية معينة، تؤمن بها تلك القيادة، إيمانا لا يتزعزع.

      شكل الدولة بين الإسلام والديموقراطية:

      ولعل قائلا أن يقول: قرنت الإسلام بالديموقراطية، وهو ليس قرينها، بل المسيحية أو اليهودية، كدين قرين لدين. أما الديموقراطية فقرينتها الشيوعية مثلا. فنقول إن نظرنا إلى الديموقراطية يتلخص في أنها دين! دين متكامل، له جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والفلسفية. هي دين الغرب الحديث، منذ القرن الخامس عشر، بل هي، في حقيقة الأمر هي دين الغرب منذ الحضارة اليونانية ثم الإغريقية فالرومانية، فالوسيطة فالحديثة، على اختلاف تجاوزات في تطبيقها في أكثر تلك العهود، بين الديكتاتورية والثيولوجية الدينية المسيية؟؟. وقد تطورت الديموقراطية، وأجنحتها في سائر الأنشطة الحياتية، لتصل إلى الأشكال الحاكمة في بلدان الغرب عموماً.

      بين الشورى والديموقراطية:

      الديموقراطية، كما هو معروف، كلمة وُلّدت من معنى حكم الشعب للشعب. أضف إلى ذلك أحد أهم أبعادها، وهو المساواة في قيمة الصوت vote بين الأفراد، عن انتخاب ممثليهم. ومعني هذا أنّ الشعب، بكافة أفراده، له حق تقرير كافة قوانينه، ما ترضاه الغالبية الدستورية، هو الحق والصواب والقانون المتّبع. ثم إن هذه الأغلبية الدستورية تأتي من التشكيل البرلماني بأعضائه "المنتخبين" من عامة الشعب، بكل طوائفه، بلا تمييز. وبالطبع، يروّج أنصار الديموقراطية أنها تسوي بين الرجل والمرأة، وبين الأبيض والأسود، وبين الغني والفقير، والشريف والحقير، لكننا نضيف هنا إلى أنها كذلك تسوي بين ، شريف ووضيع، تقي وعاهر، مسلم ومسيحي وبوذي، طاهر وسارق، والأهم من ذلك كله، بين عالم وجاهل. الكلّ له حق واحد متساو أمام القانون، في اختيار من يمثله لسنّ القوانين في كافة مناحي الحياة.

      ويحلو لكثير من "مفكرينا الإسلاميين"، وكثير من "دعاتنا"، أن يسوي بين الديموقراطية والشورى في الإسلام، على أساس ما ذكرنا من مساواة في تلك الطوائف. كما إنهم يسوون بينهما على أساس أن لا علو لأحدٍ على أحد، ويستشهدون بحادثة هنا وواقعة هناك من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو تاريخ عمر رضى الله عنه مثلا، أو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. وهو بالطبع، اعتسافٌ للروايات، واستخدامها بشكل جاهل متأوِل، ووضعها في غير مواضعها، لتصل إلى النتيجة المطلوبة، وهي التناغم مع الغرب.

      الديموقراطية هي نقيض الشورى، على خط مستقيم، وفيما يلي بيان ذلك.

      فالشورى هي عبارة عن اجتماع فئة من المجتمع، هي خلاصته العليا، علماً وخلقا، في هيئة عُرفت في تاريخنا بأهل الحلّ والعقد. وصفاتهم معروفة مدونة، تقضى بأن يكونوا علماء شرع وأتقياء خلق وأطهار يد وضمير. وهذه الثلة من النخبة الاجتماعية، يكون اختيارها مبنيّا على مبدأ التزكية. والتزكية تقوم على الوضع العلمي والسيرة الأجاديمية الشرعية، بترشيح من الهيئات المختلفة المعنية بالشؤون الشرعية، لا من الشركات والجيوش والداخلية والمالية. ولا محل لتفاصيل الآليات في ذلك، لكن هذه النخبة، هي التي تختار فيما بينها من يقود الدولة، وتستعين بهيئات مساعدة مساعدة، في كل منحى من مناحي الحياة، في ضربين من ضروب الاستعانة، الاستشارية، والتنفيذية، ولا يصح الخلط بينهما لدفع الشُبَه. فأهل الحلّ والعقد مستشارون للرئيس (أو الخليفة إن شئت)، والهيئات المختلفة استشاريون لأهل الحل والعقد. والهيئة التنفيذية تقع تحت سلطان الرئاسة (أو الخلافة) بتمامها. فالسلطات هنا، في تصور نظام الشورى يختلف عن السلطات الثلاثة التي هي معروفة في النظام الديموقراطيّ. والقضاء يقع تحت سلطة أهل الحلّ والعقد، ولا يخضع للهيئة التنفيذية بالمرة.

      فإن وصلنا إلى هذا التصور، فإننا نجد أن الفرق بين الديموقراطية والشورى فرق بائن شاسع، تصوراً ووسيلة، عقيدة وآليات.

      1. ليس في الديموقراطية مرجعية ثابتة، ولا قيم محددة، إلا ما تحدده الأغلبية البرلمانية، بينما الشورى تقوم على مرجعية الكتاب والسنة، وما يثبت من الأدلة الشرعية، وما يدل عليه الاجتهاد الصحيح، من غير تجاوز للنص الصريح.
      2. الديموقراطية تقوم على أن قرار الشعب هو القرار، أيّأ من تعارضه من غيره من المراجع، والشورى تنص على أن الحاكمية لله سبحانه لا لغيره، "يحكم ما يريد"، "ألا له الخلق والأمر". 
      3. الديموقراطية تقوم على حق التصويت المتساوى بين كافة الأفراد، بلا تفرقة على أي أساس كان، والشورى تقوم على قيام هيئة بالتزكية، يرشحها العلماء وأصحاب الوجاهة والصدارة العلمية الشرعية في البلاد. 

      فمساواة الشورى بالديموقراطية خطأ فادح، وفقد للحسّ الفقهي. 

      طبقات القيادات في الواقع الإسلاميّ:

      وقد أفرزت الساحة المصرية، خلال تطورات أحداثها في نصف القرن الماضي، نوعيات من القيادات، منها ما له أيديولوجية تحركه في إتجاه ما، ومنها من كانت له أيويوجية ثم انحرف عنها إلى العبيثة، ومنها ما يتحرك عفو الساعة، دون هدف أو استراتيجية لهدف، إلى غير ذلك من نماذج سنعرض بعضها في هذا المقال.

      وحين نتحدث عن "القيادات في الواقع الإسلاميّ" لا نعني"القيادات الإسلامية، بل نقصد من يعمل في الساحة، التي عمرها الإسلام وسيطر عليها قرونا، قبل انهيار الخلافة واختفاء الإسلام من سدة الحكم، بكافة أنواعها وأطيافها في نصف القرن الماضي. وهم من لا يحمل منصباً رسميا من الحكومات، فيُستثنى أمثال على جمعة والطيب وبقية شلة الكفر المُظَاهر للسيسي. وقد تكون تلك القيادات التي نعني، أفراداً لا ينتمى لهم جمهور من العوام، لعدم ولوجوهم السياسة أصلاً، ومن ثم بعدهم عن كاميرا التلفاز التي تصنع الشخصية من عدم.

      نرى أن تلك القيادات، حسب اعتقاداتها وتصوراتها، وما دعمته أفعالها وتصرفاتها، يمكن أن يختصر في التالي:

      1. قيادات وشخصيات تنتمى لجماعات اعتقدت عقائد الإرجاء، ونفت أنّ الحكم بالشرع ركن من أركان التوحيد، فانتهجت منهج الإصلاح والتقرب من الحكومات والغرب، ورضت بالديموقراطية، وسمتها زورا بالشورى، وحاولت الاندماج في العمليات السياسية، حتى لفظتها ماكينة الظلم العالمي في كلّ بلد تواجدت فيه، كمصر وتونس. وعلى رأس هؤلاء قيادات الإخوان، وحزب النهضة التونسي القريب منهم. وهؤلاء يغلب على أوساطهم الجهل بالشرع، وإن كانوا غالبا من أصحاب الشهادات العلمية والمراكز الإجتماعية، كالمحاماة والطب والهندسة، غير ذلك. ومن تلك الأسماء عصام العريان، الكتاتني وسائر "قيادات الإخوان" التي غيبت بعضهم سجون الظلم، وهرب بعضهم إلى قطر فتركيا.
      2. قيادات وشخصيات في جماعات كان لها تاريخ مشرّف في العمل الإسلاميّ، مع قصور في بعض جوانب التصرف، انحرفت بعد أن واجهت السجن طويلاً، فخرجت وقد تبنت الديموقراطية العلمانية صراحة، ونفت عن نفسها الصفة الإسلامية أساساً، وارتضت اسم "المعارضة السياسية"، مثل قيادات الجماعة الإسلامية المنتكسة كطارق وعبود الزمر وعاصم عبد الماجد، ومن قبلهم ناجح إبراهيم الذي أصبح عيناً للنظام. وهؤلاء انقلب علمهم الشرعيّ نحساً إذ توجه لتعضيد وإباحة المحرم والكفر الحاكم.
      3. قيادات وشخصيات تنتمى لجماعات نطقت بالتوحيد قولا، وخالفته في كل فعل من أفعالها بعد ذلك، مثل المداخلة والسلفية البرهامية، التي، على عكس المداخلة، حاولت ولوج العملية السياسية، موالاة للحاكم المشرك ومظاهرة له، فكان أن لفظتها السياسة الكافرة، إما بالإبعاد أو بشراء الذمة. وهؤلاء منهم من تعلم قشورا في الحديث، وتصدر الناس بهذا القدر.
      4. قيادات وشخصيات آمنت بالاسلام إسما، دون معرفة تفاصيله، ولا الرغبة في معرفته، فتمسكت باسمه، ثم عملت ضده في كل تصرفاتها السياسية والاجتماعية، وهؤلاء جهلة بالشرع جهلا تاماً، وإن حازوا بعض مراكز اجتماعية في المحاماة والطب وغير ذلك. وأمثال أولئك المنتمون للأحزاب الرسمية المسجلة، كأيمن نور وعبد المنعم أبوالفتوح (رغم خلفيته الإخوانية التي لفظها!) وطبقتهما.
      5. قيادات وشخصيات لم تؤمن بالإسلام أساساً، وإن حملت أسماء مسلمة، بل كفرت به، واستبدلت به العلمانية والليبرالية والحرية المزعومة. وهؤلاء لا معرفة لهم بشرع على الإطلاق. وهؤلاء هم كل من نراه في استضافة البرامج الخبيثة ضيفاً على قنوات الحكومة المصرية الرسمية
      6. قيادات وشخصيات فرعية مساعدة، عملت في الظل السياسي، قبل وبعد حكم د مرسي، ثم تجنبت الاعتقال بالخروج من مصر، ومنها من هم خارجها من قبل الانقلاب، ثم انضموا إلى "المعارضة" فدخلوا تحت ظل العمل السياسي. وهؤلاء يحملون مراكز اجتماعية وفَرَّها لهم العمل السياسي، وأصحاب شهادات علمية في مجالات مختلفة، وإن كان علمهم بالشرع منعدماً، إلا مما صار اليوم من لقطات في التاريخ ورواية لبضع الأحاديث واستشهاداً ببضع آيات، مما أوهم العامة، وأنفسهم قبل العامة، بأنهم من أصحاب العلم الشرعي. وهؤلاء غالب نشاطهم اليوم على النت، سواء انتموا إلى جماعات مثل الإخوان أو كانوا من المستقلين من براعم قيادية.
      7. شخصيات علمية لم تشارك في عمل سياسيّ، لسبب أو لآخر، ولم تنتم لحزب أو جماعة، ولم تحرز منصباً في حكومة أو غيرها، وإن كانت تحمل  شهادات علمية. وهؤلاء المستقلون، مثل الشيخ المهندس عبد المجيد الشاذلي رحمه الله وإخوانه كافة، والشيخ رفاعي سرور رحمه الله، والشيخ المحامي د هاني السباعي حامل دكتوراه الشريعة، وغيرهم، على ندرة أفراد هذا الجيل، ثم من الجيل الحالي، أمثال أبو البخاري وعمر رفاعي وسرور، وهم من طلبة العلم الجادين.

      ويجب الإشارة هنا، مرة أخرى، إلى إننا نرى هذه القيادات والشخصيات من المنظار العملي، لا من حيث تصنيفها قيادياً، من أعلى إلى أسفل أو العكس. بل نظرنا إلى نوعية القيادة من منظار محدد، هو علمها بالشرع والوضع، ومن ثم سوف نتخذه مقياساً للكفاءة والصلاحية للمرحلة المقبلة. ومعلوم أنّ هناك نظريات عديدة في تصنيف القادة[1]، لا يحتمل المقام التعرض لها، لكن هذا التصنيف خارج الدائرة الأكاديمية كما ذكرنا.

      دور القيادة في الواقع الإسلاميّ

      ولا شك، كما هو العرف السائد في كافة الأوساط السياسية، تاريخياً وحالياً، أن من فشل في إدارة ما، يجب أن يُنحّى إن لم يُحاكم، ومن ثم، فإننا نرى تنحية أية قيادة إخوانية، على المستويين الأول والثاني، وأن ينزع منها حق الاشتراك في أيّ حلّ قادم، أو حتى المشاركة في أيّ حديث حوله، من حيث أن ذلك إعانة على تكرار الأخطاء، وكما جاء في السنة الشريفة "لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين".

      وحتى نحدّد من الصالح ومن الأصلح، يجب أولا أن نحدد الهدف الذي نسعي للوصول اليه. فهو الطريق لاختيار الأنسب [2]"horses for courses".  

      والهدف هو أن ننشأ دولة "مسلمة" تقوم على مبدأ الشورى واختيار أهل الحلّ والعقد. وهذه الدولة لا تعتمد مرجعا إلا الكتاب والسنة ومصادر التشريع الإسلامي المعتمدة في شرعنا. ومن ثم، فإن أية قيادة صالحة لتحقيق هذا الغرض، يجب أن يكون ممن يؤمن بهذا الهدف إيماناً قوياً خالصاً لا يتزعزع. وهذا لا يتحقق إلا بمن له علمٌ بالتشريع بعمق كاف أن يُكسبه التحقيق والتدقيق.

      ومن هنا نبدأ ..

      أمّا عن النوعية الأولى من القيادات، وهم جماعة الإخوان بمستوياتها، فلا شك في عدم إمكانية أن يكون لهم دور في أي حلٍّ من حيث هم جزء من المشكلة لا الحلّ، كما وصفنا. كما أنّ المرجعية العقدية لدي تلك القيادات لا تفهم الإسلام على مذهب أهل السنة والجماعة، بل على فهم الإرجاء الحديث[3]

      أمّا عن النوعية الثانية، فهم أسوأ من قيادات الإخوان، إذ لم يعد لهم توجه إسلاميّ أصلاً بعد أن تولوا الاتجاه الديموقراطي الغربي، قلبا وقالباً، وزَرع الله في قلوبهم الرعب من كلمة "إسلام".

      وأمّا النوعية الثالثة، والتي جلّها من السلفية البرهامية وحزب الزور، فهؤلاء قد والوا الطاغوت، ودخلوا تحت شرعه راضين مهللين ومزمرين له، فكيف يعقل عاقل أن يكون لهم دور في أيّ تغيير قادم. بل إن من أول أعمال الحكومة القاجمة هي محاكمة هؤلاء وإقامة الحدود عليهم بما يستحقون.

      كذلك النوعية الرابعة والخامسة، فإنهما يعملان على التوغل الغربيّ في الشؤون الإسلامية، ويعتمدون مناهج الغرب دون تحشٍ منها ولا خجل.

      والنوعية السادسة، وهي التي قد يبدو أنّ فيها رجاء ما للانضمام إلى ركب الحركة السياسية القيادية، في مستواها الثاني أو الثالث، أي على المستوى التنفيذي البحت، بعد دورات شرعية تتيح، لمن أراد منهم ذلك ولمن عرف موضعه في العلم الشرعيّ حقا، بدلا من تزكية النفس المريضة على غير أساس.

      لكننا نرى أنّ النوعية السابعة، خاصة الشباب منها، هي التي يجب أن تأخذ دور الريادة، بشرط أن يكون من ورائها في كل خطوة من الطريق شيوخ تلك النوعية ذاتها. فإن الخبرة في التعامل مع الأحداث لا يجزئ عنها علم نظريّ بحال من الأحوال، ومن ثم فإن شباب هذه الطبقة يجب أن يتخذوا من مشايخها مناراً حتى يكتسبوا مهارات تنطلق بهم دون تعثر. كما أنّ هذه الطبقة، يجب ألا تكون من مكونات أهل الحلّ والعقد، حتى يبلغ أحدهم سن الأربعين، وأن يزكيه من مشايخ الطبقة من العلماء ليجلس في كرسي أهل الحلّ والعقد.

      والحق أن موضوع القيادة لا ينحصر في إلعمل السياسي بالمعنى المتداول فقط، بل إنه على من هم في تلك المناصب، الاستشارية أو التشريعية أو التنفيدية، أن يكونوا معلمين وتربويين قبل أن يكونوا سياسيين. إذ توجيه الجماهير للحق، والاتقاءبحسهم الشرعي والأخلاقي، وتقوية التزامهم بدستورهم الإلهي وجنسيتهم الإسلامية، هو من أهم واجبات القيادة المسلمة في تلك الدولة التي نسعى لقيامها.

      ومن أمثلة ذلك، على سبيل المثال، أن لا يكون من هؤلاء الموقرين من يرى أنّ "الفنّ" صناعة إسلامية، وكيف يؤتمن من يكرّم فناني مصر وفناناتها على الدعارة التي يبثونها ليل نهار، كما فعل إخوان مصر، برضا وتأييد "علمائهم". ثم إذا ضممت لها إباحة المغاني والمعازف، التي يقول بها كبيرهم، خرج لك جيل لا يبعد كثيراً عن تصرفات العلمانية وأخلاقياتهم! ثم ماذا يكون حال جندٍ أو جيش لم يتربى على عقيدة الجهاد والمغالبة، بل على سماع الموسيقى والأغاني الساقطة، مثلهم مثل النصارى! من هنا تأتي أهمية عقيدة القيادة، فهم مثلٌ للأمة ورواد تربية أجيالها، قبل أن يكونوا ساستها وحكامها.

      د طارق عبد الحليم

      19 ذو الحجة 1438 – 20 أكتوبر 2016


      [1]  كاتب هذه السطور حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراة في موضوع "القيادة" Leadership  من جامعة برمنجهام، وله أوراق بحث أكاديمية منشورة بالعربية والانجليزية.

      [2] وهو عنوان أحد الأبحاث المنشورة للكاتب.

      [3] وقد بينت هذا في كتابي "حقيقة الإيمان" وبحث "الإخوان المسلمون في نصف قرن" وغير ذلك..