فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      وقفة علمية هادئة .. مع زلة المقدسيّ

      زلات وزلات .. لكن ليسوا سواء!

      سألني الكثير من الشباب: نعرف أن المقدسي قد تعدّي وظلم في ردّه على دعوتك للمناظرة، وتهرب منها باختلاق خصومة فُجْرٍ، لا محل لها ولا داعٍ، كما نعرف أن زلته في موضوع الخوارج غير مفهومة ولا معقولة، لكن للرجل أعمالا طيبة من دون ذلك، ألا يشفع ذلك له؟ واليكم الجواب:

      إن الله سبحانه وتعالى لم يسوي بين الحسنات، ولا بين السيئات، ولا بين الزلات، ولا بين الطاعات. فلكل درجة تعتمد على محلها في الشرع أولاً، وعلى أثرها ومآلها ثانيا. فإنه ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال: "إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم"الصحيحين والترمذي والموطأ. وفي هذا ما يدل على أن هناك من صغير الأعمال ما هو كبير عند الله، ومن هنا فقد انقسمت الذنوب عند أهل السنة إلى صغائر وكبائر. وقد ورد عن السلف إنه رُبّ كبيرة تقع عند الله سبحانه أقل من صغيرة، لما في قلب صاحب الكبيرة من توبة، وما في قلب صاحب الصغيرة من إصرار.

      والخطأ في الحكم الشرعيّ، غير الخطأ في الفتوى. فالأول قد يأتي من باب عدم وجود الدليل الصحيح، أو خفائه، أو اشتراك في معانيه، أو تقديم نص على ظاهر أو ظاهر على نص، وكثير من الأسباب المعروفة في الأصول، مما قد يكون نتيجة خطئ أو اجتهاد. أمّا الخطأ في الفتوى، فهو نتيجة لأمر واحد، اختلاف النظر إلى الواقع واعتباره، وصحة تطبيقه على الحكم، لا غير، فلا يُعقل فيها اجتهاد. من هنا أخطأ الرجل، وأخطأ كلّ من رأى ذلك من قبيل مسائل الاجتهاد التي يُختلف فيها.

      فإن تجاوزنا عن سوء الخلق وفحش القول فيما تعرّض به لشخصي[1]، بل أسامحه وأترك أمره لله سبحانه، لكن أمر الشرع لا يحتمل غفرانا ولا مجاراة ولا محاباة. فإن عدنا لزلته العلمية، وجدنا إنها زلة فادحة بكل المقاييس، وإن اجتهد الرجل في محاولة تصويرها على أنها مسألة اجتهادية، يصح فيها الخلاف، وليس الأمر بذاك. فالمسألة مسألة فتوى، لا حكم شرعيّ. فهي تعتمد على تقييم واقع، وإنزاله على حكمه الشرعيّ. فنحن وإياه متفقون على حكم الخوارج، وعلى قول رسول الله ﷺ فيهم. وإن ترك الرجل التعقيب على أقوال الحايك الهالك في منزله، فهذا محض اختيار مبني على هوى في النفس، ليجعل لقوله قوة وحجة، ويظهر إنه اختلاف بين "عالِمين" الحايك وأبي قتادة!!

      وما أراد المذكور بفتواه، إلا إنكار حقائق ثابتة واقعة لا مجال لإنكارها إلا عند معاند جاحد صاحب هوى، بناء على شواهد أحوال وقضايا أعيان، تحدث مع أصحابها هنا وهناك، وعلى رأسهم ما يعرفه عن أخيه وأقاربه، من دماثة خلق وحسن سيرة، رغم أن أخاه التحق بالحرورية، وصار أميراً في رتبهم!!   

      وهذا الاعتبار، الذي يهدم قضية عامة، ثبتت بتواتر عن قتل هؤلاء الخوارج لأهل السنة، ومجاهديهم، قصدا وعمداً، وما أعلنه متحدثهم الرسمي، مراتٍ ومراتٍ، عن كفر القاعدة والنصرة والجماعات المعارضة لهم، جميعها، والشيخ الظواهري، والسباعي وإبي قتادة، إلى جانب كافة علماء من غير هؤلاء سواء منهم السني الصادق، أو عالم السلطان، ودعا إلى قتالهم قتال المرتدين وأنه أحق وأوجب من قتال النصيرية والصليبية، بل جاء في جريدتهم الرسمية أن كافة حرائر الأمة زانيات طالما لم يهجرن أزواجهن الذين لم يبايعوا مسخهم البغدادي! ثم يقول المذكور إني من يطعن في الحرائر!  ثم شاهدنا أنّ هذا ما فعلته جنودهم، لا العدناني وحده!، فأنفذوا الأوامر، ونافحوا عنها، ولم يخرج عنهم إلا نفر، إلا من هربوا بمالٍ كذاك المصريّ، أو من اكتشف بدعتهم، وإلا من أهلكوه وقتلوه، وقد قال تعالى "إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين"، وهو ما استعمله الرجل مراتٍ في تكفير الجيوش العربية وجندها لأنهم ينفذون أوامر سادتهم، فما الفرق، إلا هواه وما اعتقده دليلا من قضايا أعيان وحكايات أحوال؟ بل وصل أمره إلى تقريظ البغدادي والبنغليّ، والدفاع عنهما، والصاق كافة التهم في شخص العدناني وحده، حديثا وتنفيذا، وهو الجنون بعينه، لا أقول الهوى.

      هذه الزلة، ليست كزلات القرضاوي مثلا، التي تناولناه فيها في مقالنا "زلة عالم أم عالم من الزلل"، وعدة مقالات أخرى. فهذه زلة في موضوع يمس الحرب، ويُستحل به الدماء وتُهتك الأعراض وتُسلب الأموال، وتُصحح به تصرفات أودت بحياة مئات، إن لم يكن آلافٍ، من العائلات، قتلا وتشريداً، وهو ما لا ينكره أحد، من تصرفات تلك الجماعة الحرورية. بينما زلات القرضاوي، هي في مفاهيم ومعانٍ بعضها يقبل تأويلا، فيدرأ الكفر، وبعضها إرجاء محضٌ لا مفر منه، لكنها كلها، حتى وإن قال فيها قائل بكفره، لم تتسبب في قتل أحد، وحزّ رأسه، وبقر بطنه، بسكين حاذقة وطلقة مارقة!

      ثم إن الرجل لم يكلّف نفسه بالإتيان بأي دليل من شرع محكم أو واقع ثابت، وكأن على الخلق أن يتبعوه على كلمته، وكأنه نبي مرسلٌ، ما قال هو دليل في حد ذاته، ألا ساء ما حكم وقال! وهذا من الغرور ونفخة الريش بمكان. والأعجب أن هناك الكثير ممن يفعل هذا، ثم يعتبون على الصوفية والروافض!

      ثم إن تلك الزلة الشنيعة، جاءت في وسط الحرب القائمة، لا في معرض حديث في مؤتمر علميّ! فمآلاتها في غاية الخطورة، خاصة والرجل، لسبب ما، نتناوله في مقال آخر، قد أخذ حجما أكبر كثيرا مما يستحق، نتيجة ديناميكة الساحة في نواحي فلسطين والأردن وسوريا، واختلافها عن مصر، التي صدرت منها كافة حركات الجهاد أصالة، في النصف الثاني من القرن الماضي - فمن يكون المذكور بجنب الشيخ العلامة عبد المجيد الشاذليّ المجاهد أو الشيخ العلامة المجاهد رفاعي سرور وغيرهم، لمن له عقل، وإلا فهو ضربٌ من ضروب التهريج. ومن هنا، فقد كان لأقواله أثرا عميقا في قطاعٍ لا يُستهان به من الشباب، مما زاد الطين بلة، والرقع سعة. ولو أن المذكور كانت سمعته من سمعة الطرطوسي مثلا، لما عنينا بالرد عليه منذ ظهرت زلته، وإن كانت كتاباته لا تزيد في قيمتها العلمية عمّا كتب الطرطوسي، لكنها السمعة، لا أكثر، مع خبث في الطرطوسي.

      من هنا، فإن تلك الزلة تُسقط الرجل من صف العلماء في هذه المسألة، بل يكون ممن يُنكر عليه، إن كان طالب علم فيها، أن يقول بمثل هذا القول ..

      ونحن نعلم أن للرجل أتباع كثر يعتبرونه مجدد العصر وإمام الزمان (عن أحد التعليقات في تويتر)! أي والله هكذا، لكن متى كانت الأتباع دليلاً على أي شئ كان؟

      د طارق عبد الحليم

      2 ذي الحجة 1437 - 13 سبتمبر 2016


      [1]  حيث ذكر أنّ اسمي يلوث اسمه لو اقترنا! فإن لم يكن هذا فحش فما الفحش؟ ووالله إن الحق عكس ما قال بالتمام، فالعبد الفقير أكبر سنا وأغزر نتاجا وأسبق في الدعوة وأوسع في مجالات الكتابة بما لا يقدر عليه المذكور.