فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تعقيب على موضوع حادثة نيس وما شابهها

      الحمد لله والصلاة على رسول الله ﷺ، وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

      فإنه لا منازعة في حكم الحربيّ وحكم ماله ونسائه، كما نصّ عليه الفقهاء في بابه. وقد اعتبر الفقهاء أن الحربيّ هو "كلّ" من ليس بداخلٍ في الأشكال الثلاثة الأخرى من التعاملات مع الكفار، العهد والأمان والهدنة. لكن، يبقى بعض التعقيبات التي يجب على من يتصدى للفقه والفتوى أن يعتبرها، حتى لا يكون الأمر نقلاً عن كتب الفقهاء دون اعتبار لمقتضيات الحال، أو تمسكاً بظواهر كلامهم دون فهم ما قصدوه في أحوالهم.

      1. أنّ من تتبع كلّ ما جاء في السيرة من أحداث، وأحاديث، وجدها إما في حالة مواجهة، أي "فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ"، أو في حالة "إغارة" على بلاد الكفار، وهي حالات كلها تستلزم بالمضمون أن هذا ما تقوم به جماعة ضد جماعة، أو جيش ضد جيش.
      2. انّ رسول الله ﷺ ، أحل تبييت الكفار، أي الإغارة عليهم بغتة، وليلاً، دون إنذار، وهذا ثابت كما في حديث عن الصعب بن جثامة "أن رسول الله ﷺ سُئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم ، ثم قال: هم منهم" رواه الجماعة إلا النسائي، وورد النهي عن قتل الصبيان والنساء عمداً في زيادة منفصلة رواها الزهري، واختارها النووي.   
      3. أنّ التبييت هو من حالات الإغارة، سواء داخل أراضي المسلمين أو داخل أرض الكفار. وهي كذلك من عمل أهل الغزو لا الأفراد، إذ لم يثبت أنه ﷺ وجّه فردا لتبييت أحداً من الكفار، خاصة في بلادهم. ولعل ذلك اعتباراً لما ينتج عن ذلك من مضرة بمن توجه لهذا العمل.
      4. أنّ "من دخل أرض العدو بأمان لم يخنهم في مالهم ولم يعاملهم بالربا"، وهو ما نصّ عليه الخرّقي وما شرحه ابن قدامة في المغني، قال "لأنهم أعطوه الأمان مشروطاً بتركه خيانتهم وأمنه إياهم من نفسه" المغني ج8 ص 315. وهذا يدل، بكلّ وضوح، على أمرين:
      5. الأول: التفرقة بين حكم الفرد وحكم الجيش المقاتل أو الغزاة الفاتحين.
      6. الثاني: أنّه هذا يجرى بغض النظر عنّ أن هؤلاء من أي الأصناف الأربعة المذكورة، حربيين أو أصحاب أمن أو عهد أو هدنة، بالنسبة للفرد على أقل تقدير، بل الأقرب أن يشمل الحربيين منهم لقوله "أرض العدو" وكلمة العدو لا تقال على المعاهد أو صاحب الأمان أو الهدنة عادة في لسان العرب. قال "ولا يصلح في ديننا الغدر".
      7. ولا يُشترط في الأمان أن يكون منصوصاً عليه، لقوله "فإن لم يكن مذكورا في النص فهو معلوم في المعنى" وهو ما ذكرنا أعلاه، وهذا يجرى في إجراء خيانة المال وخيانة النفس والقتل، كما يجرى في الأمان للدخول سواء نّصّ على تأمين أنفسهم في المال والنفس منه أم لا، فالمعنى واحد، ولا يجادل فيه إلا ظاهريّ.
      8. أنّ التقليل من أمر المصلحة في الافتاء بهذا الشأن، ووصفها بأنها ثانوية أو غير ذلك، هو من عدم الفقه على وجه الإطلاق، فهي مصدر من مصادر التشريع، وقد استثني بها في أحكام شرعية عديدة، ذكرتها في بحثي عن "الاستثناءات من القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية" http://www.alukah.net/sharia/1048/85060/ فليراجعها من شاء في موضعها.
      9. وقد أشار ابن قدامة، نقلا عن ابن الخطاب، إلى قيمة اعتبار المصلحة حين تعرض لمدة الهدنة مع الكفار على سبيل المثال، إذ قرر قبول أكثر من عشر سنوات رغم ما جاء في حديث الحديبية، قال: "ظاهر كلام أحمد على أنه يجوز على أكثر من عشر على ما يراه الإمام من المصلحة،... والعام مخصوص في العشر لمعنى موجود فيما زاد عليها وهو أن المصلحة قد تكون في الصلح أكثر منها في الحرب" ص 316.
      10. أن مجرد ذكر أن الأصل هو قتل الحربي، هكذا مجردا، كلام عار عن الفقه كما قلنا، فإنه من الأصول ما قد يحف به قرائن وأدلة تجعل من مناقضه إما أصلا جديداً، أو استثناءاً من الأصل نفسه أو تخصيصا بأحد المخصصات. فمن الأصح أن يعتبر الأمر من كلّ جوانبه، لا اعتسافا.

       هذا ما ورد سريعاً في الخاطر بشأن هذه المسألة، والله المستعان.

       د طارق عبد الحليم

      12 شوال 1437 – 17 يوليو 2016