فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      العاهة المزمنة .. في الفكر المسلم المعاصر

      التجميع على غير جامع

      عاهة مشتركة، رأيتها تضرب عقول وقلوب وتصرفات فئات تختلف مشاربها وطرقها اختلافا كبيراً، لكنهم يجتمعون في الإصابة بتلك العاهة الممرضة، ألا وهي عاهة التجميع العشوائي. رأيتها في الإخوان، فهم أصلها ومنبت جرثومتها. فكأنهم لا يتصورون أنّ القيادة الرائدة المسلمة هي من خواص الخواص، ثم يأتي من ورائها الشعب، الحاضنة، بكل طوائفه التي تسمح بها المنظومة الإسلامية، لا بإطلاق. فتراهم جعلوا "الجماعة" وسيطا"، لا هم من الخاصة، ولا هم من العامة، فأصبحت كمشفىً عمومي حكومي، يدخل كلّ فيه ببلائه، طالما يعطي صفقة يده للجماعة المعبودة.

      وكان من نتيجة ذلك أن ترقّى المخلّطون في العقيدة والتصور، ومن ثم انحرفت الحركة لتصل بالأمة إلى ما وصلت اليه في مصر، وفي سائر البلاد التي للإخوان فيها يد تتعامل مع العدو من باب الخليط العقديّ المشوه.

      ومن هنا ترى بعض "المثقفين" المتأثرين بهم، أو الداعمين "لشرعية" انتخابات د مرسي، يدعون جهاراً إلى أن يجتمع المسلمون حول غرض إسقاط العسكر، بكافة طوائفهم، مسلمون ونصارى وعلمانيون وليبراليون ويهود وبوذيون .. من باب سمك لبن تمر هندي.. ويستدلون على ذلك بوضع رسول الله ﷺ في المدينة، إذ حالف يهوداً، وسكت عن المنافقين! بل وإلى أن نأخذ بمثال غاندي في تجميعه للمسلمين والهندوس!! وهذه طامةٌ من طوام الفكر الذي يخرج من نفس محبة لله ورسوله ﷺ ، لكن من عقل محدود في الخلفية الشرعية، وتنزيل المناطات، وفهم المقاصد المطلوبة والوسائل المباحة.

      فإنّ مثال غاندي، دليل على ضد المسألة التي يتحدث بها القائلون بنظرية التجميع على غير جامع. إذ ما هي نتيجة ما فعل غاندي من محاولة لجمع الشرق والغرب، والكفر والإسلام؟ أن انقسمت الهند وظهرت باكستان، ثم بنجلاديش. فهل هذا هو ما يريده التجميعيون، أن ينتهي الأمر بمصر إلى دويلات نصرانية، وأخرة مسلمة وأخرى علمانية؟ ونعلم أن الإعلام الغربيّ، وأفلام هوليوود، قد صوّرت الأمر على أنّ غاندي هو ملاك السماء، وأن محمد على جناح، المحامي النفعيّ الوصولي، والمسلمون، هم من خان وغدر، لكن، لا نلقى بالاً لهذا الهراء المدسوس.

      ثم مثال المصطفي ﷺ ، مرة أخرى، دالٌ على عدم تحرى الدقة في المقارنات التاريخية، وفي تنزيل مناطات السيرة بدقائقها، مما يؤدى إلى الخروج بأحكام شاذة، تزيد الأمة بعداً عن الحقّ لا قرباً منه. فإن الوضع في الحالة النبوية جدّ مختلف عن وضع الناس اليوم. إن تحالفات الرسول ﷺ قد تمت في ظل مجتمع يسيطر عليه المسلمون، ويرأسه المصطفي ﷺ وقراره بيده، في كلّ صغيرة وكبيرة. فأين هذا من المجالس الثورية اليوم، التي يستوى فيها العلماني والشيوعي والملحد والمسلم؟ بل أين المجتمع الذي يتقلد أمره المسلمون، ليكون لهم أن يعقدوا تحالفاً مع أحدٍ أيا كان؟ بل إن كلمة المسلمين في كافة هذه التجمعات هي السفلي وكلمة أصدقاء الغرب هي العليا، فماذا يراد بالتجميع هنا، وعلى ماذا، وما النتيجة؟ ثم إن التحالف الذى عقده المصطفي ﷺ كان فيه المرجعية للشريعة، وللشريعة وحدها، من أول يوم، كما في نصوصها الواردة في سيرة ابن هشام:

      1. أن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم
      2. وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم‏.
      3. وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة‏.
      4. وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم‏.
      5. وأنه لا يأثم امرؤُ بحليفه‏.
      6. وأن النصر للمظلوم‏.
      7. وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‏.
      8. وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة‏.
      9. وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو شجار يخاف فساده فإن مردَّه إلى الله سبحانه، وإلى محمد رسول الله ﷺ ‏.

      10.  وأنه لا تُجَارُ قريشٌ ولا مَن نَصَرَهَا‏.

      11.  وأن بينهم النصر على من دَهَم يثرب‏.‏‏.‏ على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قِبَلَهُمْ‏.

      1. وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم

      فانظر يا رعاك الله، إلى البند التاسع، وهي تطبيق قول الله تعالى "فإذا تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول"، وهي من آيات سورة النساء، التي معروف أنها نزلت بعد البقرة وآل عمران، وبعد الهجرة بزمن طويل، بينما الصحيفة التي ذكرنا بنودها كانت عقيب الهجرة بأيام. فكان إذا تطبيق التحاكم إلى الله ورسوله هو المرجعية حتى قبل نزول هذه الآية التي تأمر المؤمنين بالرجوع إلى الله ورسوله ﷺ فيما بينهم. فأين هذا من تلك التحالفات التي يتحدث عنها بعض الكتاب ممن لم يلمّ بحقائق الأمور؟

      وهذا ما قررنا في "وثيقة تحرير مصر"، من إننا نلتزم بشريعة ديننا في التعامل مع أبناء الديانتين من أهل الكتاب، ولو رجعت إلى البند التاسع عشر، لوجدت ما تقرر في صحيفة رسول الله ﷺ في هذا االباب، بلا أجحاف أو تميع.

      هذا غير مصيبة الاستدلال بصلح الحديبية، التي هي آفة الإخوان، ومفصل انحرافهم، لعدم تفصيلهم في مناط الحديبية بتحقيق وتدقيق.

      ثم رأيت ذلك واقعا مؤخراً في الشام، ذات الداء العضال من التجميع العشوائي! والمفترض أن من بالشام هم من أهل الجهاد، الذي يحرّمه الإخوان، لكنهم لجؤوا، تدرجاً، إلى تجمعات، ليس لها أصل مشترك، أو أرضية واحدة، إلا الالتفاف حول شخصية معينة، لنفوذها وتنفذها، ويقال "نحن من أهل العلم!!" وهذا هو داء التجميع، ذاته عند الإخوان. إذ ترى فيهم من الصغار المندسين بلا مناسبة، وهم من أصحاب مقولات في الحركة والعقيدة، أطمّ من بعضها البعض، مثل صبيّ قال أنّ بيعة أبي بكر الصديق لم تتم في السقيفة!. ووالله لو جاءني من يقول بهذا القول، لعاملته معاملة مالك للسائل عن الاستواء، ولسحبته من رجليه ولسعته على قفاه! ثم رأيت أن في هذه التجمعات من يسعون للتفاوضات والتنازلات، ولا يرون بها بأسا، وينحون المنحى السابق ذكره، في أمر التحالفات، ومنهم من يرفض التحالفات ويرفض أخذ الدعم، ولا يركن لتركيا وغيرها، فلا أدرى على ماذا يكون التجمع، إلا إعداداً لكارثة تفتت هذا الشمل المتهالك أصلاً؟

      خذوا ما آتاكم الله بقوة، ولا تستعينوا إلا به، وما عليكم من العلمانيين والليبراليين والثوريين المنحرفين وأصحاب الدعم والتفاوضية الذليلة، فإنّ هذا لن يغني عنكم شيئاً، بل سيُهزم جمعكم من حيث إنه مشوب بمن يحل الحرام ويحرّم الحلال، ولا يتقي الله سبحانه، إن كنتم مؤمنين.

      د طارق عبد الحليم

      8 شوال 1437 – 13 يولية 2016