فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مقال خارج السرب .. النساء المؤمنات وحرية المرأة

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      الحياة لا تقف لحرب ولا تتعطل لمعارك أو كوارث. بل تسير مراكبها وتدور حوادثها، وتحتاج لمن يعالج مشكلاتها التي تبرز على السطح يومياً، في نسيجها الاجتماعيّ، وفق التصور الإسلاميّ، حتى لا نفقد البوصلة بالتمام، وندخل صحراء التيه بلا زاد ولا غمام.

      فليسمح لي القارئ أن أخرج به من فزع الحرب والقصف والمعاناة اليومية في مختلف بقاع البلاد الإسلامية، إلى نوع آخر من الحرب والقصف والمعاناة، التي تدور رحاها داخل البيوت لا خارجها، وتأتيها المدفعية والقنابل من حُجُرِها، لا من فوق رؤوسها! هذه المشكلات تكمن في العلاقة "المعاصرة" بين الرجل وزوجه، في ظل كافة المتغيرات التي طرأت على المجتمع الجديد، من موثرات غربية مستوردة، ومفاهيم داخلية محرفة، بشأن طبيعة هذه العلاقة وحدودها وضوابطها.

      المرأة بلا شك هي النصف الجميل الرقيق الحنون من البشرية، هي الأم والأخت والإبنة، والزوجة الصالحة. هي في ضعفها قوية، وفي لينها شديدة، وفي خضوعها مستعلية.. إن شاءت. هي نعمة من الله سبحانه على الرجل العاقل، إن عرفها تنعّم بها، وإن لم يعرفها كانت عليه وبالا ودماراً.

      المرأة، أولاً ذاتٌ أنثويةٌ متفردة، ولدت حرة، ثم هي كالرجل، كلاهما يلعب أدوارا مختلفة في شبكة الحياة الاجتماعية وتضاف تلك الأدوار لذاتها، فتطلق وتقيد، وتعمم وتخصص من حرية تلك الذات. فالمرأة أم، وأخت، وزوج، وصديقة، وإبنة. ثم هي، فوق كلّ ذلك، وقبل كلّ ذلك، كالرجل، عبدة لله سبحانه، لا تخضع إلا لله سبحانه، ولا تسير إلا على نهجه. فهذا هو الأصل، وما عداه طارئ يأتي بحكم تلك العلاقات الاجتماعية التي ذكرنا ويتقيد بحكم الله فيها.

      وحدود وقيود حرية الذات الأنثوية، ترتبط بأمرين، الفطرة والغريزة المزروعة في كيانها، والدين. فإن الله سبحانه خلق المرأة على فطرة معينة، جسدياً ونفسياً وعقلياً. وجعل فروق بينها وبين الرجل، ليناسب كلّ منهما دوره المنوط به في الشبكة الاجتماعية البشرية. وهذا القدر لا تختلف فيه مسلمة عن مشركة. فالأنوثة أمر في طبيعة كيان المرأة. ولها مظاهر وتبعات في حياة النساء، منها ما هو جسديّ ومنها ما هو نفسي أو عقليّ.

      فالفطرة الجسدية تبرز في الأنوثة من حيث قلتها الجسدية حجما عن الرجل وضعف عضلاتها، ثم ما يأتيها من دماء الحيض شهرياً وما يعتريها لذلك من تغيرات نفسية شهرية. وهذه كلها صفات لا تنقص من ذات المرأة قدر شبر واحد. بل هي طبيعة خلقها الله عليها، لا تنتقص من قدرها، وإن جعلتها أقل قدرة من الرجل في أداء مهام كثيرة في بناء المجتمع الإنساني. ومن هذا المنطلق نفهم حديث رسول الله ﷺ عن نقص العقل والدين، وبيانه أنه مرتبط بالفطرة وبالدين، فالفطرة لأنها تحيض، والدين لأنه شهادتها تعدل نصف شهادة الرجل، وهذه الأخيرة ليست اعتسافاً من رب العالمين، حاشاه، بل هي مرتبطة بالفطرة كذلك.

      ثم إن الأنوثة بطبيعتها تملى على المرأة تصرفات محددة، منها أن يكون فيها خضوع يتمشى مع الحياء الذي هو صفة فطرية، فالحياء لا يكون إلا بخفض الصوت مثلا، وغضّ البصر ابتداءً لا افتعالاً. كما أنّ المرأة تعرف أنها تحب أن يكون هناك رجل قوي، لا عنيف ولا متعدٍ، بجوارها، تعتمد عليه ويتكئ ضعفها الفطريّ عليه. وهذه الأنوثة، وهذا الخضوع، هو سرّ قوتها في الحقيقة، فإن الله سبحانه له سنن كلها فيها الصلاح، فكما وضع الأنوثة والضعف في المرأة، أخضع عقول الرجال لها، لو أحسنت المرأة استخدامها .. لذلك، فإنه حين نادت المرأة بحريتها وأرادت أن تفرد عضلاتها، وتساوت مع الرجل فقدت هذه المزية، فقدت الأنوثة، فقدت قوتها على الرجل، فأصبحت أضعف من حيث أرادت القوة! ولا يفلح ما هو معاكس للفطرة أبداً.

      ولو نظرنا إلى المهام الاجتماعية التي تتقمصها المرأة في شبكة الحياة الاجتماعية، لوجدنا أن دعاوى الحرية تتركز على أمرين، الذات الأنثوية، ثم صفة الزوجة العارضة عليها. فقد كان دعاة الحرية من الذكاء أن أدركوا أن الخلل في التوازن الذي خلقه الله سبحانه سيؤدى إلى هدم الخلية الأسرية، وهو ما قصدته الصهيونية اليهودية للقضاء على الحضارة المسيحية أولا، ثم غزو الفكر الإسلاميّ بعدها. فكان أن توجهت إلى الذات الأنثوية، تقرر ما هو معروف من حريتها الأصيلة، وضرورة انفكاكها عن أي عوارض تعرض على تلك الحرية، فتقيدها. قالوا: لا قيود، ولا حدود .. نحن على قدم المساواة. وكان أن أصطدمن، أول ما اصطدمن، بعارض الزواج، والعلاقة بين المرأة وزوجها .. فأوحوا إلى المرأة الزوجة، أن تقف للزوج ترد عليه كلمة بكلمة، فإن اختار أمراً لم يكن على هواها، كان مغتصبا لحريتها فارضاً لرأيه عليها، منتقصا من ذاتها، بل مستعبدا لها!

      ونحن، كما كتبت من قبل في سلسلة "للنساء فقط"[1]، نقف بجانب المرأة ضد أي عدوان على حريتها المقيدة بالشرع، أو حرية تعبيرها، أو إهانتها أو سوء معاملتها، فهذا نقص في الرجولة بلا شك. لكن نذكر المرأة كذلك أن اكتمال أنوثتها يمنع الرجل من مثل هذه التصرفات إلا إن كان شاذاً منحرفاً.

      وإذا نظرنا إلى الدين، وجدنا أن طاعة الزوج هي من أعلى الواجبات على النساء. وهذه الطاعة، من هذا المنطلق، ليست تهديدا لحريتها، بل تقييدا لها بقيد عارض الزواج. فإن الله سبحانه حين سمح بإقامة الخلية الأسرية، علم أنه يجب أن يكون هناك قيوداً على ذات الرجل، وذات المرأة كليهما. فمن تعداها ضاعت الخلية وانفسخ العقد. وسأتناول في مقال قادم وضع الرجل وما عليه من واجب من هذا المنظار. لكن هذا المقال يتناول المرأة، فسنزكز عليها.

      وقد جعل الله سبحانه الزوج في مرتبة عالية، ليس تفضيلا مطلقا له، بل من أجل الحفاظ على الأسرة. فإنه ما من مخلوقين يتعايشا معا إلا وثارت بينهما الشحناء في أوقات. ومن هنا يأتي دور الأنوثة أولاً، ثم يتبعها الرجل بالخضوع والتراجع. وقد سعى البعض لتسمية ذلك بالرق والاستعباد، بل كذّبوا بعض ما ورد في البخاري ومسلم، أو أوّلوه تأويلا مُجحفاً، والأمر لا يحتاج لهذا التعنت .. بل هو فطرة إن أحسنت المرأة استعمالها، فوّتت على الشيطان فرص التفريق بينهما، وازداد إجلال زوجها لها وارتفعت في نظره وذكرها بالخير في كلّ مجلس. أما إن كانت من العناد والاستكبار، تردّ في مقابل كل كلمة لا تحبها أو زلة بها لسان رَجُلها، بكلمة أسوأ منها أو مثلها، فوقفت له بالمرصاد، تدفع عن قلعة حريتها الذاتية، فلن يكون مصيرها إلا الانفصال وهدم الخلية العامرة.

      ويقال: ولم يتعدى الرجل في المقام الأول؟ صحيح، وهذا أمرٌ سنتناوله في مقالنا التالي إن شاء الله، لكن ما نريد أن نقوله هنا أن الشرع الحنيف جعل الطاعة بعد النقاش الهادئ المحترم المتبادل هو مفتاح الزواج الناجح، لا التعصب والنرفزة والغضب للكرامة التي تتوهم جرحها في كلّ كلمة. فإن تعدى الرجل بلا مناسبة، فهو الطبع السئ، ولا يصح للمرأة ساعتها أن تترك حقها إلا بتحكيم، ثم إن استمر فبانفصال، دون خضوع لمذلة.

      وقد استشهد البعض بآية "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" وهذا صحيح ثابت، للمرأة حقوق على الرجل كما للرجل حقوق على المرأة، وهو وهي سواية أمام الله سبحانه بلا فرق. والخلل في أداء أيهما لواجباته يؤدى إلى خلل عامٍ في الوظيفة الاجتماعية. لكن الشرع لم يدع الأمر مطلقا للعقل يحدد من يطيع ومن يُطاع، في آخر الأمر. فإنه يجب أن يكون هناك قرار يسرى على الخلية كلها، فأتبع الله بقوله "وللرجال عليهن درجة" وهي ليست درجة تفضيل وعلو وسيطرة، بل درجة قيادة الدفة وإصدار القرار، وهو ما يضمن الاستمرار "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"الملك 14. كذلك فإن هذه الدرجة هي عبءٌ على الرجل وتكليف لا تشريف، من حيث عليه أن يكون أكثر انضباطاً بالشرع وضبطاً للنفس، كما بيّنا في مقالنا "درجة الفضل وفضل الدرجة"[2].

      نعم قد يغضب الرجل، ويتجاوز حدوده، وفي هذا إثم عليه وذنب، لكن لا ننسى أن للنساء، فطرةً، قدرةٌ على إخراج الرجل الحازم عن وعيه، كما في حديث رسول الله ﷺ، وفي قول الله تعالى "إن كيدكن عظيم". وهذا ليس تبريراً لتعدي الرجل على زوجته، بل أن تعدى على امرأته بسبّ أو ضربٍ، فهو خسيس ضعيف ناقص الرجولة قليل الدين مريض النفس.

      فنحن هنا نثبت أن المرأة يجب أن تتذكر دورها الأنثويّ أولاً، وتقييده بالشرع ثانياً، فإن في هذا سعادتها وسعادة من حولها.

      العلاقة بين الرجل وزوجه يجب أن تقوم على الثقة. الثقة في أنه يحبها ويحترمها وأنها تحبه وتحترمه، وأنّ الزلة لا يجب أن تكون عائقا أمام هذه الحقيقة. وحين أقول يحبها وتحبه، فإنني أعني الميل القلبي الحقيقي الذي تُغتفر له الزلات. فإن حدث تجاوزٌ، سحبت المرأة سلاح أنوثتها، لا رعونتها، وسلطته على زوجها، فإذا هو مستسلمٌ منقاد، حزين نادم. وإن رأي منها شيئا، ذكر لها أشياء أخرى تغفر لها ما رأي. وكلا هذين التوجيهين وارد في القرآن والسنة الشريفة، لكن بطريق مختلف. فقد أتى للمرأة على شكل تنبيه بفطرة قائمة، يوحى بالتحذير منها والعمل على تجنبها "لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط" البخاري. وأتي التوجيه للرجل على هيئة تنبيه محمودٍ بطريق الأولى "فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"النساء، وبكلمة عسى، وفي السنة "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر" مسلم. فالود والإبقاء على العشرة يقوم على هذا التوجيه، مقاومة الفطرة من النساء، ودرجة الفضل من الرجال.
      والله المستعان
      د طارق عبد الحليم
      12 شعبان 1437 – 19 مايو 2016
       

      [1]  راجع موضوع "إلى أختنا المسلمة – قصة قصيرة" http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72985 …

      [2]  راجع المقال http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-97