فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      معالم سريعة على طريق التغيير في الواقع المصري

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد

      لا شك أنّ الغرض الرئيس من كل تحرك في القضية المصرية ينبع من أمور ثلاثة، تقييم الواقع تقييماً صحيحاً، ثم تقدير الامكانات بشكل واقعي، ثم استنباط الطرق الملائمة للتغيير بناء عليهما.

      أمّا عن تقييم الواقع، فقد دوّنا فيه صفحات، بل كتب، كما دوّن غيرنا بعض ذلك. وملخصه أننا قد وقعنا تحت الإحتلال العسكريّ، بطريقة مكشوفة بعد أن كنا نعانيه منذ عقود بطريق مستتر. ولمّا جاء الحاكم الذي أتيحت له القدرة على إظهار الردة عن الإسلام، وتحطيم هويته في المجتمع وفي النفوس، لم يتوان عن ذلك، واتخذ طريق القتل والتشريد والسحل والفسق والعهر سبيلاً. وأعانه على ذلك جمع حاشدّ من ساقطي المجتمع، في قطاعاته المختلفة، إعلاما وقضاء وغير ذلك. ثم اصطفت وراءه عصابة مسلحة أسموها جيشاً، تموله الضحية ذاتها، الشعب الذليل، وما يتبعه من شرطة وأمن مركزي ومخابرات بأنواعها مما يُحكم القبضة على عنق البلد كلها.

      أمّا عن الإمكانات، فإن هذا النوع من الاحتلال، خاصة في ظلّ النظام الدولي القائم في عالم اليوم، لا يمكن أن يحدث فيه تغيير عبر ما يسمونه "القنوات الشرعية"، أي الطرق التي رسمها الطغاة الطواغيت أنفسهم ليسيتدرجوا فيها المقاومة البلهاء، يوهمونها بأنها قد تصل إلى نتيجة، إن صبروا! وهو ما وقع فيه د محمد مرسي، فكّ الله أسره، ومن معه، ظنا منه أن الجيش فيه شرفاء كالذهب، وأن الحل الديموقراطيّ متاح لأمثال شعوبنا، التي تسعى لإسلام، ولو متأمرك. ولذلك فإن الإمكانات الذاتية محدودة مقيدة، وقودها الوحيد هم بعض الأوفياء المخلصين في الداخل، وبعض العاملين المُجدّين في الخارج، ممن يؤمن بأن الهوية الإسلامية لا تغيير إلا بها، ولا وسيلة إلا من خلالها. ودع عنك العلمانيين واليبراليين زمن يمسك العصا من النصف، فتجمعاتهم لا حظ لها في عون الله، ولا في نصر على أي شكلٍ من الأشكال، بل هو استمرار الأوهام والأحلام، وامتداد الفراغ أمامهم في طريق لا نهاية له.

      والإمكانات تشكل الوسائل المتاحة، إذن. فإن طرق التغيير، حين نجرد الأمور عن قشورها، لا تعدو أن تكون إما بانقلاب عسكري، أو بحرب عصابات داخلية، أو بهبة شعبية واحدة. ليس هناك وسيلة أخرى، على وجه الإطلاق واليقين، إلا للعابثين الواهمين، الأغبياء منهم العملاء على حدّ سواء.فأمّا الوسيلة الأولى، وهي الانقلاب العسكريّ، فهو، كما غبّر أحد ضيوف الاستاذ صابر مشهور الإعلامي المشهور، مستحيل أو شبه مستحيل، وأميل إلى المستحيل حقيقة. لأمور يضيق عنها هذا المقال، من حيث أنه لا قدرة لأحد على التحرك دون إذن، وأن التحرك أساساً يأتي من مجموعة من الشرفاء، وهو أمر ينعدم في هذا الجيش المخذول ديناً وشرفاً. ويشهد الله كم قلنا ذلك ورفعنا به الصوت خلال أعوام الحركة المصرية، لكن علت أصوات "الجيش ولشعب يد واحدة" و "الجيش المصري خط أحمر"!! وهذا الهراء العابث الذي ألقانا في جحيم الاحتلال.

      وأمّا الوسيلة الثانية، وهي طريقة حرب العصابات، والضربات المحلية الصغيرة، فأخشي أنه، وإن كانت تقلق النظام، وتشعل بعض الأمل والحماس في نفوس الشباب، إلا أنها لا تسقط نظاماً بأي حالٍ من الأحوال. وتصور هذا هو طريق الشباب المتهور الذي استخدمته عصابات الحرورية الآثمة، التي أصلها بعثيّ علمانيّ، لتفتت الجهاد كلّ مشتت، وتعين قبضة طواغيت الأرض على أهل السنة في كلّ بلد. وقد ذكرنا هذا، والشيخ الحبيب د هاني السباعي، في البيان الأول للتيار السني(1) ، الذي بدأنا خطواته أيام د محمد مرسي، لكن لم نسر في طريقه إلا خطوات معدودة، للأسباب المعروفة، كما كتبت مقالات عديدة بهذا المعني.

      فلم يبق إلا الوسيلة الثالثة، وهي وسيلة الانتفاضة الشعبية، التي يعجز أمامها جيش الاحتلال عن الحركة. لكن الانتفاضة، هذه المرة، يجب أن تكون لها مقدماتها، واستراتيجيتها، وقيادتها. كما تكون على استعداد أن تتقبل أنّ التغيير النهائي في رتوشه الأخيرة قد يحدث معه إراقة دمٍ، بل دمٍ كثير، فإن الباطل لا يستسلم رافعاً يديه، بل يُجبر أخيرا على الاستسلام، بطريق الكيّ. ومن رأي الحلّ في طريق غير هذا، فالأولى به أن يكتفي بصرخات على وسائل التواصل الاجتماعي كلّ مساء، والاجتماع على موائد فندقية في فيينا وباريس وغيرها، بتمويل غربيّ، ثم صرف الوقت في ألعاب الإكس بوكس! فليس لمثل هؤلاء دخل في تغيير حقيقيّ.

      ولسنا بأفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حربه لإقامة الدين. ومعركتنا اليوم هي معركة إقامة الدين، لا أقل من ذلك. لا إصلاحات جانبية كما تتوهم بعض الجماعات الفاشلة المريضة عقديا وعملياً. هي معركة هدم وإعادة بناء، لا مشروع ترميم وأصلاح، لا مشاركة بل مغالبة، ولا سلمية بل إسلامية.

      ولسنا بأفضل من بقية الأمم، ودوننا الثورة الفرنسية، والحرب الأهلية الأمريكية، وكافة الأحداث التي واكبت إنشاء الأمم، وكانت مخاضاً للحضارات، إنشاءً أو استعادة.

      والمرحلة الأولى من التغيير، وهي مرحلة المقاومة الشعبية، تبدأ بإعادة الحياة إلى ضمير الأمة المفقود، أو بعضها. أن يكون هناك من تراه الأمة موحداً لا تشوب غايته شائبة من مذاهب فاشلة أو انتماءات باطلة أو تحزبات ساقطة. أن يكون التجمع على كلمة الله، التي تحمل رفع الظلم القائم وإعادة الحق السليب، عن طريق واحد هو التوحيد. لا تعددية في الرؤى والأيديولوجيات، فهذا طريق الفشل الذريع. وهذا الطريق لا تُحتمل فيه الشركة، ولا تعدد الهدف. بل تحقيقه يأتي بكل مصلحة، ويدرأ كلّ مفسدة، إذ هو باب المصالح وسدّ المفاسد في ذاته، لا في غيره. والإيمان بهذا هو الإيمان، والتسليم بهذا هو الإسلام، كلمة واحدة.

      نقول هذا، ولسنا شيوخاً معممين، لا نحسن إلا التجويد أو التفسير.لا، يا إخوة الإسلام، بل نقول هذا من واقع دراسة دقيقة للتاريخ، وللعلم الوضعيّ ولطرق تقلب الحضارات، ولمذاهب الناس من عهد طاليس وأبيقور، إلى عهد جون ستيوارت مل وجون ديوي. وقبل ذلك للشرع الحنيف، أصولاً وفروعاً، منذ بزغ فجر الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام، إلى عصر محمد رشيد رضا وسيد قطب والمودودي وأحمد ومحمود شاكر وبقية عمالقة العصر الحديث، ثم ممارسته عقودا وأعواماً، كتابة وتدريساً.فهذه الوسيلة، أو المرحلة الأولى منها، هي التي يجدر بالعاملين على التغيير دراسة طرق تفعيلها، وتسويقها، هدفاً وتطبيقاً، لا غيرها، حصرياً.

      والاتفاق على ذلك هو أول خطوة في طريق النصر بعون من الله وفضله.

      والله ولي التوفيق

      د طارق عبد الحليم

       14 فبراير 2016 – 4 جمادي الأولى 1437

      (1) تجد البيان الأول في رابط  http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-34129، كما يجد بقية البيانات مجتمعة على رابط http://tariq-abdelhaleem.net/new/ArticalList-114