فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الحكم بغير ما أنزل الله .. والتدليس السعودي

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه وبعد

      أسوأ أنواع العلماء المدلسون. والتدليس صفة العلماء المنتمين لمملكة آل سعود. أخره تدليس صالح الفوزان في تسجيل بعنوان "الحاكم بالقوانين الوضعية من غير اعتقاد لا يكفر"[1]! والقول في ذاته ليس بخطأ، لكنه قاصر يقصد إلى إظهار جزء من الحق بغرض طمس الجزء الذي هو مناط الواقع الحالي. فنقول باختصار:

      يجب التفريق بين "الحكم" و"التشريع"، فالحكم المقصود في آية المائدة هو إنشاء شرائع موازية تكليفية ووضعية. وهذا لا خلاف في كفره، إذ الترادف بين اللفظين يجعل التشريع مرادف لتكرار الحكم بالوضع والاصرار عليه وإجبار الغير عليه وعقابهم على مخالفته. أمّا المقصود بما أورد الفوزان تدليساً، فالمقصود به من حكم في قضية تغييرا لبينة أو ظلماً، لا تقنيناً وتشريعاً. فالتشريع، ومن ثم الحكم به، كفر صريح. وربط الحكم بالاعتقاد قادح في قاعدة العمل بالظاهر. فظاهر الحاكم بالاحكام الوضعية، على وجه الاستمرار والاصرار، وتكييفه قضائيا وقانونيا، وعقاب مخالفيه، بل وعقاب من يدعو للشرع ومخالفة القوانين الوضعية. فالأمر ليس أمر تنفيذ بل تشريع. والقاضي الذي حكم ببراءة متعاطي الخمر تلاعبا في البينه، رغم أن المادة القانونية تنص على جلده، ليس كالقاضي الذي حكم بغرامة مادية لأنها هي التي في قانونه الوضعي. فالتلاعب والظلم الذي كان في دول الإسلام القديمة كالموية والعباسية، ليس كدولة السيسي أو السبسي أو كافة دول المسلمين اليوم.

      كذلك، فإن الاستدلال بقول ابن عباس "كفر دون كفر" هو تدليس آخر، إذ إن ابن عباس كان يحاور الحرورية الذين يريدون ان يستخرجوا فتوى بكفر بني أمية. وكذلك القول عن أبي مجلز، فننقل هنا ما يفيد دون إطالة:

      (تحقيق مقالة "كفر دون كفر" : حين النظر في قول بن عباس الذي حكاه عنه أبا مجلز وعطاء : ، فإننا نرى أن هذا القول كان يقصد إلى الرد على فئة محددة من الخوارج الذين أرادوا أن يخرجوا على حكم بني أمية ويتذرعون بقول بن عباس وأبي مجلز أو من هم من علماء التابعين كعطاء ليبرروا هذا االخروج ، الذي نرى أنه لا مبرر له في حالة بنى أمية إذ أنهم لم يشرّعوا غير ما أنزل الله ولم يجعلوه قانونا يتحاكم إليه الناس ، وهو الفارق الذي عجز من دخلت عليهم شبه الإرجاء في هذا العصر من أن يستوعبوه سواء علمائهم كالألباني مع جلالته في الحديث ، أو عامتهم ممن أجلّوه ونزهوه عن الخطأ وقلدوه دون تحقيق أو نظر ، أو من اتبع مدعي العلم من قيادات الإخوان المسلمين . ونترك للمحدث العلامة – شيخ الألباني – الشيخ أحمد شاكر وأخيه العالم الجهبذ محمود شاكر في بيان ما نقصد إليه :

      يقول أحمد شاكر : ( وهذه الآثار – عن بن عباس – مما يلعب به المضللون في عصرنا هذا من المنتسبين للعلم ومن غيرهم من الجرآء على الدين يجعلونها عذرا أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة التي ضربت على بلاد الإسلام . وهناك أثر عن أبي مجلز في جدال الإباضية الخوارج إياه فيما يصنع بعض الأمراء من الجور فيحكمون في بعض قضائهم بما يخالف الشريعة عمدا إلى الهوى ، أو جهلا بالحكم . والخوارج من مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر فهم يجادلون يريدون من أبي مجلز أن يوافقهم على ما يرون من كفر هؤلاء الأمراء ليكون لهم عذراً فيما يرون من الخروج بالسيف . وهذان الأثران رواهما الطبري وكتب عليهما أخي السيد محمود شاكر تعليقا نفيسا جدا فرأيت أن أثبت هنا نص الرواية الأولى للطبري ثم تعليق أخي على الروايتين .

      " فروى الطبري عن عمران بن حيدر قال : أتى أبي مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس فقالوا : يا أبا مجلز أرأيت قول الله تعالى : ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون؟ أحق هو؟ قال :نعم ، قالوا : ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الظالمون ، أحق هو؟ قال :نعم ، قالوا : ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الفاسقون ، أحق هو؟ قال :نعم ، قالوا : يا أبا مجلز ، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله (يريدون الأمراء الظالمين من بني أمية) قال : هو دينهم الذي يدينون به وبه يقولون ، واليه يدعون ، فإن تركوا منه شيئا عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً ، فقالوا لا والله ولكنك تفرق ! قال : أنتم أولى بهذا مني (يعني أنهم هم الخارجين لا هو) لا أرى ، وأنتكم ترون هذا ولا تحرّجون" فكتب أخي السيد محمود بمناسبة هذين النصين :

      الله إني أبرأ إليك من الضلالة ، وبعد ، فإن أهل الريب والفتن ممن تصدوا للكلام في زماننا هذا ، قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله وفي القضاء في الدماء والأموال والأعراض بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام . فلما وقف على هذين الخبرين ، اتخذهما رأيا يرى به صواب القضاء في الدماء والأموال والأعراض بغير ما أنزل الله وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي بها والعامل عليها . والناظر في هذين الخبرين لا محيص له من معرفة السائل والمسئول ، فأبو مجلز (لاحق بن حميد الشيباني الدوسي) تابعي ثقة وكان يحب عليا وكان قوم أبي مجلز وهم بنو شيبان من شيعة علي يوم الجمل وصفين ، فلما كان أمر الحكمين يوم صفين ، واعتزلت الخوارج ، كان فيمن خرج على علي طائفة من بني شيبان ومن بني سدوس بن شيبان بن ذهل ، وهؤلاء الذين سألوا أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس وهم نفر من الإباضية . . . . . هم أتباع عبد الله بن إباض من الحروروية (الخوارج) الذي قال : إن من خالف الخوارج كافر ليس بمشرك ! فخالف أصحابه ...

      ومن البين أن الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية إنما كانوا يريدون أن يلزموه الحجة في تكفير الأمراء لأنهم في معسكر السلكان ، ولأنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عنه ، ولذلك قال في الأثر الأول : فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا ، وقال في الخبر الثاني : إنهم يعملون بما يعملون وهم يعلمون أنهم مذنبون "

      وإذن ، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعي زماننا من القضاء في الدماء والأموال والأعراض بقانون مخالف لغير شرع الإسلام ، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام ، بالإحتكام إلى حكم غير الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى ، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي له .

      والذي نحن فيه اليوم ، هو هجر لأحكام الله عامة دون استثناء وإيثار أحكام غير حكمه ، في كتابه وسنة نبيه ، وتعطيل لكل ما في شريعة الله ... .فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن سن حاكما حكما جعله شريعة ملزمة للقضاء بها .

      وأما أن يكون كان في زمان ابي مجلز أو قبله أو بعده حاكم حكم بقضاء في أمر جاحدا لحكم الله أو مؤثرا لأحكام أها الكفر على أهل الإسلام (وهي حال اليوم من آثر أحكام الكفر علىأحكام الإسلام) فذلك لم يكن قط ، فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضيين إليه ، فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في بابهما ، وصرفها عن معناها ، رغبة في نصرة السلطان ، أو احتيالا على تسويغ الحكم بما أنزل الله وفرض على عباده ، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله ، أن يستتاب ، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله ورضي بتبديل الأحكام ، فحكم الكافر المصر على كفره معروف لأهل هذا الدين ) .

      انتهى نص أحمد ومحمود شاكر جزاهما الله خيرا عميماً، والجاهل بقدرهما عليه أن يسأل عنهما فهما علمين من أعلام الحديث واللغة العربية والتفسير لا يجاريهما أحد من أهل هذا الزمان، لا الفوزان ولا غيره.

      وانظر رحمك الله فهو يقول باستتابة من يتخذ هذه الآثار لنصرة السلطان ممن يدعي العلم (من أمثال بعض الجماعات الإسلامية في كتاب "دعاة لا قضاة" وأدعياء السلفية الذين يتخذون من تكفير أمثال سيد قطب دينا لهم إذ استشهدوا بهذه الآثار على الوجه الذي ذكره محمود شاكر) لا باستتابة السلطان إذ لا محل لإستتابته وحكمه معروف لمن له عقل[2].

      فحديث الفوزان تدليس معيب، يدل على صدق ما ذكرنا من قبل، من أنّ علماء السلطان الخليجية، لا يؤخذ منهم إلا في فقه العبادات وبعض المعاملات والأحوال الشخصية. أمّا في أمور الأمة وأحوالها وتوجيهها للرشد، فهم ملوثون ببيئتهم، كلهم عبيد للملك، بما فيهم الفوزان.

      د طارق عبد الحليم

      24 ديسمبر 2015 – 13 ربيع الأول 1437       


      [1] https://www.youtube.com/watch?v=nedM5CoMqw0&feature=youtu.be

      [2]  http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-140