فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الوضع في مصر .. بين السلمية والجهاد

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وبعد

      توالت للمرة الثانية أو الثالثة، خلال الأسابيع الماضية، حوادث تفجيرات محدودة داخل القاهرة، خلاف الشيخ زايد وسيناء، بما فيها هلاك النائب، أعلن إسلاميون عن مسؤوليتهم عنها.

      وهذه الظاهرة تنبأ عن أن هناك من يتحرك على الساحة ممن لا ينتمى لدين السلمية الإخوانيّ، ويقوم بدور فاعل على الساحة. لكن من المفيد أن نقيّم الوضع ليكون ردّ الفعل على وفاق المنهجية الشرعية والواقعية.

      السيسي، وجيشه وشرطته وأمنه المركزيّ وغير المركزيّ، ومن ورائهم قضاته وإعلامييه وسائر أجهزته الداخلية والخارجية، هي في وضع تحكم كاملٍ بالبلاد، لا ينازع في هذا إلا أحول أو أخرق. ولا محل هنا لأحلام إخوان الهوان الذين يعيشون في حلم "الانقلاب يترنح"!

      وقد سبق أن أوضحنا أن "البديل في مصر معروف، لكنه غير مألوف. القوة لا يصدها إلا القوة. والحق لا يقوم بنفسه ولا بسلمية، فتلك خدعة كبرى تولى إثمها من أشاعها، بنية أو بغير نية. والتضحية واقعة، إما بدفع الصائل أو بدونه، والجهاد لدفع الصائل المجرم العسكري المعتد، ناشر الفسق، عدو الدين، وجنده، أوجب واجبات العصر، أوجب من الحج والعمرة والصدقات والتقربات كلها".

      فجهاد الدفع، بمعنى دفع الصائل المعتدي المجرم وردّ عدوانه، بالقوة، سواء من أفراد الجيش أو الشرطة أو غيرهم ممن يوالى هذا المرتد المأفون ويعينه هو الطريق الوحيد لاستعادة مصر من مغتصبيها.

      لكن ما هو شكل هذا الجهاد؟ ما هي القوة المطلوبة؟ هل هو ما نرى في الشام اليوم؟ أم هي شكل آخر، وإن حمل نفس المضمون.

      وسيلتين، نراهما على الساحة اليوم، إحداهما هي تلك النغمة الإخوانية التي تؤكد على السلمية، ولو ذبحوا أبناءنا واستحيوا نساءنا، وقتلونا جميعا شر قتله، فهم أولاً وأخيرا إخواننا بغوا علينا! وهذا المعنى  قد أصبح مركوزاً في الفطرة الإخوانية المنحرفة، وجزءا منها لا يمكن أن تؤصل لغيره، بدليل أو غير دليل، بمنطق أو غير منطق. ومن هنا فإن الكتلة الإخوانية، أو ما بقي منها على الأصح، لن تقود عملاً من أي نوع، بل قد تكون قوة تالية معينة بعد أن يبدأ العمل بواسطة الغير. وهو ما حدث في 25 يناير في حقيقة الأمر.

      فلنترك الإخوان إذن فيما هم فيه، ينتظرون تغيراً في مزاج سلمان، أو تحولاً في السياسة التركية، أو اقتناعاً أمريكياً مفاجئاً بظلم السيسي! ولنتركهم ومظاهراتهم المسائية وسلاسلهم البشرية، التي لا تتعدى العشرين نفرا!

      أما الوسيلة الثانية، فهي تلك التي بدأت تظهر على الساحة في شكل تفجيرات متناثرة، في القاهرة خاصة[1]، والتي يتولاها غير تلك العصببة المارقة من دين الله، حرورية بني عواد. ولا شك أن هذه الأعمال تسبب "ارتباكا" و "إحراجاً"، و"عصبية" للنظام، لكنها، أولاً وأخيراً، لا يمكن واقعيا أن تسقط نظاماً، إلا إن تحولت إلى عمل يجرى كلّ ساعة، متزامناً في جميع أنحاء الجمهورية. وهو ما لا أظن أن القدرات التي من وراء تلك التفجيرات قادرة على ذلك، حاليا أو في المستقبل القريب.

      كما أن السيناريو السوري لا يصلح البتة في مصر، تاريخيا وجغرافيا ونفسياً واجتماعيا. فإن هذا يحتاج، في الكم العددي المصري، إلى عشرات الآلاف من المسلحين، وإلى جيش يسلبونه أسلحته أو أغلبها، كما توفَر للمقاومة السورية من الجيش النصيري. وهو أمر بعيد المنال، كما أنه لا يوافق المزاج المصري العام. كما لا يتوفر له نفط يحقق له دخلاً كما في الساحة السورية. هذا إلى جانب أن الدعم الخليجي المرتد يقف وراء السيسي، سواء سراً  أو علانية، خوفا على عروشهم وكروشهم.

      فما الحلّ إذا؟ لا أود أن أكون متشائماً، لكن الحلّ لن يكون سريعا، ولا سهلاً ولا رخيصاً. السيسي حقيقة رابضة على صدور المسلمين اليوم، يقتّل أبناءهم ويسحي نساءهم، بقوة وجرأة غير مسبوقة. ففي عصرنا القريب لم نسمع عن مذبحة اغتالت أربعة ألاف في ساعات، في رابعة والنهضة، ثم لم يتحدث أحد عنها البتة! فمن ظنّ أن السيسي سيسقط قريياً، فقد وهم، كوهم ابن عواد الحروري في الخلافة. ولا يجب أن ننسى أن مبارك والقذافي وزين العابدين وغيرم ظلوا في الحكم عقودا، وهم أقلّ شراسة وإجراماً من السيسي بمراحل.

      الحلّ في مصر، كما نراه، لن يُعجب المتهورين ولا المتعجلين ولا السذج الحالمين. بل قد يعتبره منهم تخاذلاً وتراجعا عن "الجهاد"، أو تهوراً وتوريطاً للناس. وإلى هؤلاء وأولئك نقول، لا تقرا ما نكتب، فقط جِدْ من هم على مستوى فهمك، تلوك ما يكتبون لنصف القرن التالي!

      الحلّ هو في محاولة إعادة بناء الوعي الخلقي، ثم النفسي، ثم الاسلاميّ في نفوس مسلمي مصر. المصريون[2] اليوم عادوا أقرب للحالة التي وجدها عليهم عمرو بن العاص يوم أن فتح مصر، ولا أبالغ! عادوا إلى جاهلية جهلاء لا تعرف من الإسلام إلا اسمه، بل أصبح اسمه عن الكثير منهم عاراً يستخفون منه! وهذا الجاهلية فيها من تردى للكفر قولاً واحداً، وفيها من أشرف عليه، وفيها من رعى حول حماه، وهم الأغلب، مع شديد الأسف والحزن.

      الاسلام، كدين، قد فقد الحاضنة الشعبية في مصر بالتمام. وهو ما لا يمكن لحل في مصر، أو غيرها، أن يستمر حكم إسلاميّ بدونها. والحلّ يكمن في وقفة جماعية شعبية تعطّل النظام كلّه، وتضربه في كلّ مكان في وقت واحد. هذا يعنى إنه لا بد من استعادة تلك الحاضنة، مهما استغرق ذلك من وقت وجهد وتضحية.

      وهذه الوسيلة تعتمد على مبدأ واحد لا تحتمل غيره، هو فهم التوحيد كما أنزله الله سبحانه، وتطبيقه بلا عاطفة جاهلة تكفيرية، أو تميّع إخواني بدعيّ. ونتيجته ردة الحاكم السيسي وكافة معاونيه، وضباط جيشه وشرطته وقضاته وإعلامييه ومشايخه وممثليه في الداخل والخارج، ردة كاملة تامة شرعية حكمها معروف عند فقهاء المسلمين. وهذه، مرة أخرى، عقبة كؤود كنود تحتاج لعملية توعية هائلة، يقف النظام في وجهها بكل وسائله، فهي بالنسبة له مسألة حياة أو موت. ويا لله، قد وصلنا لمرحلة من الخراب العقديّ أن الكثير من "المسلمين" يقولون أن النصراني ليس بكافر، بل وإن مات على نصرانيته دخل الجنة! هذا ولا شك دين لم يأت به محمد صلى الله عليه وسلم. وهو أمر آخر سنفرد له مقالا إن شاء الله، هو كيف انسحق الشعب المصري "المسلم" عقيدة وخلقا إلى هذا المستوى، فجأة عقب 30 يونية؟ أيّ تحول حدث جعله يهبط هذا الهبوط، فيصبح أحط شعب في المنطقة العربية كلها خلقاَ وديناَ؟ إلا من رحم الله؟

      على كلّ حال، فإن هذه الوسيلة تحتاج إلى مجموعات ممن بقي على فهم دين الله، تتحرك خفية بالدعوة، إلى مكارم الأخلاق أولاً، سواء بنسبتها للإسلام أو الفطرة السوية، فهما سواء. ومن خلال ذلك، يكون تقديم التوحيد، وربطه بالواقع، خطوة خطوة، حتى تتكون الحاضنة الشعبية الكافية لحماية أية حركات تهدف لضرب النظام، بقوة وسرعة وكثافة لا يستفيق بعدها.

      قد يكون هذا الحلّ طويل الأمد، كثير التكلفة، يحتاج لصبر أنبياء أو أولياء، لكن لا أرى حلاً غيره يمكن أن يكون له أيّ أثر في تغيير الوضع بمصر.

      الصورة البديلة، هي أن يستمر السيسي في تخريب البلاد حتى يصبح المرء فلا يجد ماء ولا غذاء ولا دواء، بالمرة، ويصل الأمر إلى المجاعة العامة، التي سيعاني منها 70 مليونا، مقابل 15 مليون من أولياء الشيطان وجنده وأمنه وعائلاتهم، يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام، والنار مثوى لهم. ساعتها، تتحرك الكتلة الجائعة، لتدمر كلّ شئ. لكن خطورة هذا، أنّ من سيسيطر من جديد سيكون من فلول العسكر، أو العلمانية. فلا فائدة ترجى من مثل تلك الثورة، ثورة الجياع.

      د طارق عبد الحليم

      21 أغسطس 2015 – 7 ذو العقدة 1436


      [1] هذا إن ثبت أن أيّ منها ليس من عمل الأمن، إذ إن هؤلاء يعملون لتكريس فكرة الارهاب في عقول الدهماء من العوام.

      [2]  حين أقرر ذلك فلا أعنى بالطبع كل مصري مسلم، بل هناك منهم من يعي دينه ويعرفه، ويفهم سنته ويقيمها. لكنني أقصد الكمّ المؤثر الحقيقي، لا القلة المغلوبة على أمرها.