فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الحَوَل العقدي والسياسي ... رد على لؤي الزعبيّ

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد

      قبل أن نشرع في موضوع مقال اليوم، نود أن نشير إلى ظاهرة عامة بين كثير من "الكتاب" و "المفكرين" و"الباحثين"، إلى آخر تلك الألقاب، التي يسبغونها على أنفسهم أو يسبغها عليهم الدهماء. تلك الظاهرة هي ما أسميها ظاهرة "الحَوَل السياسيّ" تارة أو "الحَوَل العقدي" تارة أخرى. ذلك أن "الحول" العيني، هو أن لا يمكن للعين أن تنقل للمخ صورة واحدة منطبقة على نفسها متوازنة منضبطة، بل تنقل صورتين أو أكثر، لا يدرى "الأحول" أيها الواقع الثابت. فالحول العقدي، والسياسي كذلك، يجعل هؤلاء يرون عقائد منفصلة يحسبونها واحدة، ويتعاملون معها على أساس تعددية مخلطة متراكبة، وكذلك الواقع السياسي، يرونه أمام أعينهم، يأخذون من الصورة الأولى بعض مؤشرات، ثم يتحولون للثانية، التي خلفيتها مختلفة أشد الاختلاف، فيأخذون معطيات أخرى ... وهكذا. ولعل هناك من أطباء عيون البصيرة من يعين على إزالة هذا الحَوَل بإذن الله.

      كتب أحد كتاب السوريين، تحت اسم لؤي الزعبيّ[1]، مقالاً سأل فيه سؤالاً، قدم له بمقدمات، كأنها إملاءات على القارئ بردٍ معين، لا فكاك منه، هو ما يراه لؤي! وسنبين الخطأ في كلّ سطر وضعه هناك إن شاء الله.

      (الكلمة مرفقة في الصورة)

      انطلق السيد الزعبيّ في وصف كيان ما، لا ندرى والله أين هو حالياً على الأرض! فقد قرر أن هناك:

      • "دولة"، بتعريف ارتضاه لا نعلمه.
      • طبقت الحدود وشرع الله سبحانه!
      • تمردت على المفاهيم الاقتصادية العالمية وأوشكت على تداول عملاتها!
      • أنها صدمت مراكز صناعة القرار ..
      • أنها اتخذت استراتيجية الفتوحات، مما يجعل القضاء عليها مستحيلاً!
      • تسعى لإخضاع الأمصار المسلمة، ولاحقا غير المسلمة!!!

      هذا عن الكيان البغدادي.

      ثم التفت إلى المقابل، فقرر إنهم شتى متفرقون، وأن ما يدعوا اليه الاخوان والسروريون غير واضح ولا مستقيم.

      هذا ملخص ما طرحه الزغبيّ، في مقاله، مع التأكيد على إنه يسأل جادا لا معجزاً.

      ونبدأ بالاجابة عليه من الآخر إلى الأول، فنقول وبالله التوفيق:

      أن سؤالك ليس فيه أيّ تعجيز، بل هو بسيط ما كنا نتوقع من "كاتب" أن يسأله حقيقة!، لكن إذا كان الرد عليه تعجيزا تراه، فسنحقق معجزة الرد إن شاء الله، لعلكم وغيركم ترون بساطة الأمر.

      (1)

      أما عن أن الإخوان والسروريين ليس لهم أجندة أو رؤية، فهذا صحيح قد قررناه من قبل عشرات المرات، فهؤلاء لا يريون تغيير واقعٍ، بل إجراء تعديلات يرونها صالحة من وجهة نظرهم، مع إبقاء القرار في يد من مالكيه اليوم.

      لكن خراب هؤلاء العقدي والسياسي لا يعنى بالضرورة صواب مخالفيهم. هذا منطق الحَوَل الذي تحدثنا عنه. ولسنا بصدد الحديث عن هؤلاء، فقد أشبعناهم نقدا وفضحا في عشرات المقالات، فليرجع لها من شاء.

      (2)

      أما عن الكيان البغدادي، فنقرر أولا بعض ما غاب عن الزغبيّ، وكثير مثله، ثم نعود بالنقض على ما ادعى واحدا واحدا.

      الأمر، يا أخ زغبيّ، بالنسبة للمسلمين، ليس أمر نتائج نحصلها على الأرض، كما نوهت في آخر لفظاتك، بل الأمر أولا وثانيا وأخيرا، أمر عقيدة صحيحة تُتّبع لتصل إلى نتائج تتناسق مع السنن الكونية الالهية، التي ينشأ عنها الاصلاح الحقيقي، لا العَجِل ولا الموهوم. ومن هنا فإن العقيدة التي اختارها البغدادي وصحبه، والتي لم تشر اليها قط، وهي عقيدة تكفير كافة المخالفين وقتلهم للمسلمين على أنهم مرتدون، هو في حد ذاته إنهاء لقيمة ما يفعلون على الأرض أيا كان، وإبطال لعملهم واحباط له، لا من ناحية الآخرة فقط، بل من ناحية أن سنن الله لا تسمح لمثل هذا التوجه أن يستمر، وهو ما يفوت أمثالكم من محدودي الخلفية الشرعية. المصلحة مرتبطة واقعيا وعقيدة بالسنة المحكمة، لا تتحقق إلا بها، مهما تخيل أمثالكم. كما أن الغايات لا تبرر الوسائل في دين الاسلام إن كنت لا تزال لا تعلم هذه الحقيقة!

      ولو كان الأمر أمر أرض، لكانت دولة بني صهيون على الحق المبين، أقامت دولة متمكنة حقيقة لا حديثا، وجيوش ومستو معيشي راق، على الأرض منذ أكثر من 65 عاما! فلا عليك من هذا المقياس البائر فهو عليك لا لك.

      ثم إلى ما أثرت تفصيلاً:

      • أما عن تعبير "الدولة"، فإنك كباحث، لا يكفي أن تتبع ما يشيعه أتباع تنظيم ما عن أنفسهم، بل يجب أن تبيّن لنا ما هو التعريف الذي استندت اليه، أهو تعريف الدولة القطرية الحديثة، التي نراها في أنحاء العالم اليوم، أم هو تعريف "دولة" أخرى لا حدود لها ولا مواطنة لأهلها؟ الثابت أن أهل سوريا، في كافة مناطقها لا يزالون يستعملون الجواز السوريّ، فأي معنى للدولة التي تقصد؟ فإن كان أمر سيطرة عسرية بميليشيات، وحواجز، فإن عدد من الفصائل الأخرى لها أرض تحت سيطرتها، بحواجز وميليشيات، وأهلها يعيشون فيها آمنين إلا من براميل بشار التي يستوى فيها الكل. فهل الأمر أمر حجم قطعة الأرض ذاتها؟ أهذا ما يحدد "الدولة"؟ أيمكن أن تحدد لنا كم كيلومترا مربعا يجب أن يمون في حوزة فصيل ليكون دولة؟ مع العلم أن أرض البغدادي قد تقلصت الربع في الشهور الأخيرة!
      • أما عن تطبيق حدود الله والشرع، فيا رجل، اتق الله! هؤلاء يقتلون كلّ مخالف لهم ردة. فعن أي شرع تتحدث؟ هؤلاء أصحاب بدعة حرورية لا اعتبار لتطبيق بعض الحدود فيما تحت أيديهم. ألا تسمع عن البشائع التي يرتكبونها؟ أمن تكبيق الشرع اتخاذ السرارى من عمال إغاثة آمنين، واغتصابهن ثم قتلهن؟ هذه حيوانية لا شرع. الشرع ليس إقامة حد، بل الشرع إقامة أمة، فلا تنسى ذلك.
      • ثم أي تمرد على إقتصاد العالم؟ أبهذه السذاجة تروج لأخبار إعلامية، كأنها صادرة عن توفيق عكاشة! أي عملات يا رجل؟ انتظر ونحن منتظرون! هم يبيعون النفط للنصيرية والأتراك إلى اليوم بالدولار الأمريكي، وأنت تقول "أوشكوا"، عيب والله عليك.
      • "صدمت مراكز القرار في العالم"! سبحان الله! هل كنت واقفا بجانب أوباما وكاميرون يوم أعلن البغدادي مسخه، ورأيت الدهشة والعجب على وجوههما؟ من أين عرفت عن هذه "الصدمة"؟ من وسائل إعلام الغرب الموجهة، التي اعتادت أن تقول عن جيش صدام إنه خامس أقوى جيش في العالم، قبل أن تحطمه في أسبوع؟ ما هذه السذاجة اللامتناهية؟ أعطيك مؤشراً: يعلم صبيّ في الثالثة الابتدائي أن الغارات الجوية لا تجدي نفعا في القضاء على أي تنظيم على الأرض، فهل تعتقد أن أمريكا لا تعلم ذلك، ولهذا لا تزال تقوم "بغاراتها"، التي يدفع فاتورتها الخليج؟ مؤشر آخر، أنّ تركيا أعلنت أنها لن ترسل جنودا لى الأرض السورية، فكيف تتوقع أن يقضوا على التظيم الحروري؟ يا فاضل، هذا التنظيم، كما أشرنا من قبل عام، هو جزء من مسلسل التقسيم الجديد للعراق والشام، وهو أفضل من يتصدى لمجاهدي السنة من الفصائل الأخرى .. فأفق هداك الله.
      • أما عن استراتيجية الفتوحات، فلا أدرى والله ما تعنى بها؟ ما نعلم ويعلم الجميع أن حند هذا التنظيم لم يدخلوا في معركة حقيقية كبيرة قط مع النظام إلى اليوم. بل كانت حربهم العظمى ضد النصرة والسنة والشعيطات في الشرقية، مع تنسيق من قصف وحصار النظام لها في نفس الوقت، ولم يتمكنوا من السيطرة عليها بعد أشهر إلا بعد أن تخاذلت الفصائل في إرسال مدد، وبعد أن انسحب الجيش العراقي، بإيعاز من المالكي، من الموصل والأنبار صلاح الدين، حين شعر بالضغط الأمريكي لإزاحته، ليورطهم قبل أن يتنحى. ولذلك لم تكن هناك مواجهة قط في العراق، ولا بطلقة واحدة! أتراك كرتونا يضحكون عليك بإعلام وادعاءات، ثم تراها معجزات وكرامات ... أفق أخي ..
      • أما عن إنها تسعى لأخضاع الأمصار المسلمة، فهذا حلم يراودهم، يعلنون عن ولاية من أربعة أفراد كل شهرين، أما "لاحقا غير المسلمة"، فكفّ عن هذا الهراء، فقط كفّ عن هذا الهراء، فليس لعاقل أن يجيب عن هذا القول .. امبراطورية هارون الرشيد لم تسيطر على كافة أراضي غير المسلمين "لاحقاً" ولا نصفها" .. الحياء مطلوب يا رجل ...

      هذه عجالة، قصدت بها تنبيه من يمكن أن يضطرب في فهم الأمور حين يسمع مثل تلك الخزعبلات، ولعل فيها إجابة للزعبيّ إن أراد حقاً.

      د طارق عبد الحليم

      17 أغسطس 2015 – 3 ذو القعدة 1436


      [1]  ولا ندرى والله في أيامنا هذه من يكتب باسمه أو يتخفى من الخلق!