فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أسباب ضعف المسلمين وانحدارهم - الجزء الأول

      الحمد لله الذي لا يحمد سواه، المحمود على كل حال، وبكل لسان ومقال، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد

      لا يمكن أن يبدأ علاج بدون توصيف الداء. وكلما كان التوصيف أدق وأشمل كلما كان الدواء أنجع وأفضل. هذه سنة طبيعية واجتماعية ترى نتائجها في كلّ موضوعاتها.

      ودقة التوصيف لا تكون إلا بعينيّ خبير مطّلع، يرى الداء ويعرف ما أدى اليه، وانتشاره، وما سيحدثه من خراب. فماضى الداء، مرتبط بحاضره، موصول بمستقبل شفائه، إن كان منه شفاء.

      (1)  هل المسلمون اليوم أمة؟

      وحال المسلمين من ضعف وانحدار وتفكك وهوان، في كلّ بقعة يتواجدون فيها على الأرض اليوم، ليس بداءٍ موضعيّ يعالج في منطقة دون أخرى، بل هو داء أمة فقدت محورها. أمة فقدت مركز قوتها. أمة استهلكت واستنزفت بكل معاني الكلمة، أمة ما عادت تتوافر فيها صفة الأمم، إلا القليل مما لا يجعلها أمة بحق.

      تشابه الأمم الأفراد في كثير من صفاتها وردود أفعالها، إذ الأمة هي مجموع أفراد. الأفراد جزئيات من كليّة الأمة. فما هو من صفات تلك الأفراد لابد أن يكون من صفات الأمة، وممثلاً فيها بدرجة من الدرجات.

      ثم إنّ الأمم تتحد في بعض الصفات التي يجب أن تتوافر فيها، بجامع الإنسانية، لتكون منها جماعة اجتماعية تحيا وتعمل وتتوثق عرى الصلة بين أفرادها، ويقوم بهم "ثقافة" معينة، لها تفاصيل، تمثل الجزء الأكبر من "أمميتهم". وهذه التفاصيل منها اجتماعية وسياسية وخلقية.

      فمن تلك الصفات: الهمّ المشترك، والأمل المشترك، والتعاون في الصلاح، والإعانة في النكبات. ثم الأهم هو وجود دولة مركزية تمثل محور القوة في تلك الأمة، وتكون كالأب في البيت، أو الزعيم في العشيرة أو القائد في الجيش.

      ومن هذا المنطلق نرى الغرب "أمة" واحدة، رأسها اليوم هو الشيطان الأمريكيّ، بعد أن أسلم قياده لها بعد الحرب العالمية الثانية طوعاً وكرهاً. ومن هنا نراها مستعدة للتحرك لحماية أبناء "أمتها" الغربية الكبرى إن احتاجوا الحماية في أيّ بقعة في الأرض، تحت مسمى "حلف الأطلسي". وهو القوة الضاربة لأمة الغرب.

      لكن أين المسلمون اليوم من مفهوم الأمة وصفاتها؟

      لا شك أن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ستبقى حتى قيام الساعة، هذا ثابت متواتر. لكن الأمر يكمن في تعريف الأمة، واستمراريتها على تلك الصفة، ودرجة ارتباطها بصفات الأمة، فهم في وقت ما "طائفة" على الحق ثابتة، والبقية من الذين كانوا "أمة" على الباطل، بنصّ الحديث.

      هذا التصور الذي يجعل "أمة" الإسلام اليوم انكمشت إلى طائفة لا أمة، يوافق الواقع موافقة تامة، ويؤيده كلّ ما نراه من أحداثٍ في كلّ مكان لأفراد المسلمين فيه وجود.

      وهذا لا يعنى أن تلك الأمة زالت بالكلية، كما قلنا، لكنها بلا شك فقدت الكثير، بل الأهم الأغلب من الصفات التي تُبنى عليها أمة، سواء اجتماعيا أو ثقافيا أو سياسيا أو عسكرياً.

      ومن هنا نبدأ ...

      (2)  متى فقدت أمة الإسلام وجودها؟ 

       من السهل اليسير أن نعرف متى توقفت أمة المسلمين عن أن تبقى أمة حقيقية لها وجود حقيقيّ مؤثر. ذلك أنّ أول غصابتها هو سقوط الخلافة، إذ دمر صفة المركزية وشتتها إلى تجمعات دولية. ثم ما لبثت تلك التجمعات أن تتناحر، ثم ترتبط أفرادها يأعداء أمتها الأصلية، الذين تسببوا في تفكيكها ارتباط ولاء وخضوع وذلة وتبعية. وقل لي بالله عليك، كيف يرتبط تجمع دوليّ بالغرب الذي قضى على مركز أمته، تركيا، وحولها إلى دولة تعلن الإلحاد وتتبناه وتحميه بقوتها العسكرية؟ أيّ من "الهمّ المشترك، والأمل المشترك، والتعاون في الصلاح، والإعانة في النكبات" باقٍ إذا كان الولي هو العدو، وكان العدو هو "بضعة الأمة"؟

      نعم، يبقى هناك أفراد، هنا وهناك يعينون على النكبات الفردية، هنا وهناك، لكن ليس ثمة "أمة" تعين. بل إن التكتلات الدولية التي أوجدها الغرب أصبحت هي أصل البلاء ومصدر اغتيال "الأمة"، لصالح حكامها. وقد حدث هذا تدرجاً بعد سقوط الخلافة، وحتى قيام الكيان الصهيوني في الفترة بين 1921 و 1948.

      ولقائل أن يقول: لكن أليس قد تمّ هذا بمجرد سقوط الخلافة، قلنا: يجب التفرقة بين انهيار الامبراطورية الإسلامية، وبين تراجع وجود المسلمين كأمة، حتى لم تعد إلا شبحاً. فإن الغرب، كما اسلفنا، ليس إمبراطورية واحدة، لكنه، بلا شك أمة واحدة، وإن تمسك بقومياته الخاصة. وهذا ما ميّز الأمة الإسلامية في فترة وجودها، وسيميّزها حين عودتها للوجود، أن لا مكان للقوميات فيها. لكن الأمر اليوم أنها ليست قائمة أصلاً، والله المستعان.

      ومن أفضل مظاهر انتهاء الوجود الحقيقي لأمة المسلمين هو ما يحدث في أنحائها. بل إن خير ممثل لذلك الداء الذي أودى بها إلى غيبوبة وموت إكلينيكي هو ما يحدث في بورما من استئصال للوجود الإسلامي كافة على يد البوذيين. فقد عاش المسلمون هناك منذ القرن الثاث الهجريّ، فإذا بمسلمي الروهينجا اليوم يواجهون تنظيف عرقيّ تام، أسوأ بكثير مما شهدته البوسنا-هيرتسوفيجا في التسعينيات. وقد تدخلت أمريكا "أم الغرب" وقتها لقرب محل النزاع من حلفائها وأفراد أمتها. وإلا لتركت الصرب يقضون على المسلمين دون إشارة لما يحدث على الإطلاق كما هو الحال اليوم في بورما.

      ولو كان للمسلمين أمة، أو دولة مركزية راعية، مستقلة بقرارها، لها كرامة واستقلال، ولا أقول ديناً، فالإلحاد دين يجمع الغرب في أمتهم على مستوى الجماعة، والمسيحية تجمعهم على مستوى الأفراد، لا أقول يجمعهم دين لأنّ الدين قد ذهب مع ذهاب أمة المسلمين، إذ قد كتب الله سبحانه أن لا وجود للمسلمين عامة، وللعرب خاصة، دون دينهم. ومن هنا فإن أمتهم قد تشتت وضربت في تيه الكفر والتبعية منذ أن وُلد الكيان الصهيوني في عام 1948، ثم سلخت بقية "الأمة" منذ وقتها على يد عبد الناصر، وحافظ الأسد، وصدام حسين، والقذافي وبورقيبة وكروش العروش في ممالك الخليج، ويهود المغرب الحاكمين باسم أمير المؤمنين!

      يتبع إن شاء الله

      د طارق عبد الحليم

      19 مايو 2015 – 1 شعبان 1436