فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الموقف التركي السعودي .. إرهاصات بماذا؟

      الحمد لله الذي لا يُحمد سِواه، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد

      كان، ولا يزال، الموقف السعودي موقفاً محيراً، لا يمكن لأفضل خبراء الدنيا أن يتوقعوه ليحللوه. ذلك أنّ موقف تلك المملكة يتوقف على مزاج شخص واحدٍ لا غير، هو الملك. الواضح أن هناك انقلاب ناعم على سياسة الملك الهالك السابق، وهي ببساطة، التعامل مع الملف الإيراني من زاوية مختلفة.

      فقد ظهر أنّ التوجه الأمريكي يدعم الانتشار الصفويّ، على حساب الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، وهو ما ذكرناه من قبل في مقالنا " الشرق الأوسط الجديد .. في مرآه السياسة"[1] وفي مقالنا "الطوفان القادم على آل سعود .. وما بعد الطوفان"[2] وغيرهما. وقد ذكرنا أنّ الخطة الأمريكية تعمل لسحب البساط من تحت أقدام الدولة الخليجية المتأمركة، لأسباب ذكرناها في تلك المواضع.

      ولعل الملك الجديد قد رأي أنّ تلك السياسة التي تسلم زمامها لأمريكا وتثق بوعودها لم تؤدى إلا إلى زعزعة عرشه وإحاطته من كل جهة بأعداءٍ يتربصون، بعد أن رأي إيران تتربع في سوريا واليمن والعراق. فهي الدولة التي يصح أن يقال عنها إنها "تتمدد". ومن ثم، فقد اختار أن يجرب فترة انفصال في زواجه الكاثوليكي بأمريكا، مجرد فترة انفصال قصيرة، وفي ملف واحد، وهو الملف الإيراني، حيث لا يمكن أن تتحد المصلحتان، مصلحة أمريكا في إنهاء الملف النووي الإيراني، ومصلحة زعزعة عرش آل سعود وبقائهم في الملك.   

      ولا يظنن أحدٌ أنّ هذا يعنى تغيير وجه السياسة السعودية بشكل أساسي، إذ إن الزواج السعودي الأمريكي كاثوليكي لا يحتمل طلاقاً. وملف الإرهاب لن يتغير من وجهة النظر السعودية مثقال ذرة، بل ستظل ترعى "الإرهاب، والحرب على الإسلام ما دام آل سعود أحياء يتنفسون الدولارات الأمريكية.  

      لكن أمر الملف الصفويّ لا يمكن الوقوف بشأنه على الحياد، إلا لمن هم أغبى أهل الأرض قاطبة، ونعنى بهم الإمارات والكويت، فهؤلاء حمير تسعى على قدمين.

      والاسلام الأفضل للسعودية هو إسلام أردوغان التركي. إسلام علماني صوفي، يحترم الدين، والرسول صلى الله عليه سلم، ويوالى الناتو، ويتعامل بالربا، وينصر الحجاب،. إسلام "سمك لبن تمر هندي!" لكنه، أي أردوغان حليف قويّ لا شك. كما إنه لا مانع لديه من حرب مزدوجة ضد الإرهاب "الإسلامي" والصفوي والعواديّ الحروري.

      وقد رأت السعودية فشل السيسي في كلّ اتجاه. بل قد عرفت أمريكا فشله، وأبدت دلائل على أنها تحتفظ في الجيب الخلفي بورقة الإخوان، حيث صرحت أن الإخوان ليست بجماعة إرهابية. بل إن السعودية أقرت بأنها ليست ضد الإخوان كجماعة، بل ضد بعض أفرادها "المتطرفين"! لكن الأمريكان لا يتحركون إلا في الوقت المناسب، وسيتركون السيسي يعيث فساداً، ويضرب لهم ليبيا، ثم يسقطونه، بعد محاورات مع الإخوان! بل هم يريدونه هناك حتى يقيم المنطقة العازلة في سيناء لأمن إسرائيل، ويهجّر غالب سكانها ويشردهم، ربما توطئة لإعادة احتلال إسرائل لها، إن لم تفلح المنطقة العازلة.

      وفي ملف الإخوان تلتقى المصلحتان. فإن السيسي ورقة قد ظهر إنها ورقة خاسرة بكل المقاييس، والباقي هو إسقاطها. وهو ما قد ينقلب على القيادات الإخوانية في مصر بالقتل السريع، على طريقة داعش! وينقلب سحر الإخوان التفاوضي عليهم.

      إذن أمر السعودية أمر ملفات لا معاداة مع أمريكا. وقوفهم بصف أردوغان نوع من الإفاقة المتأخرة، على حقيقة أن أمريكا قد تسقطهم بطرفة عين، إن رأت مصلحة راجحة في ذلك. ولديها أوراق كثيرة تلعب بها، منها الروافض، معا الدواعش، فجلاهما نستعد للخيانة وضرب السنة في أي وقت، وأفضلها بالنسبة لها الإخوان في مصر، وبعض جماعات الجهاد الشامية التي لا تتورع عن "التعاون" مع السعودية.

      قراءة الأحداث تنبأ أن الأدوار تقسّم خلف الأستار. وكلها ليست لصالح الإسلام النبوي السنيّ بحال من الأحوال، لكن ما يحدث اليوم من تقارب سعودي تركي، وربما باكستانيّ قد يكون فيه بعض فسحة لأهل السنة. فسحة التقاط أنفاس، في فترة ترتيب أوراق الحلف الجديد، ولن تكون مهلة طويلة مهما كان الأمر. فهل تنتهزها فصائل السنة لتتوحد، وتنسى حب ذاتها ومغناطيس الكرسي لتعمل لصالح دينها؟ الله وحده أعلم!

      د طارق عبد الحليم

      23 فبراير 2015 – 5 جمادي أول 1436

      [1]  http://tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72798

      [2]  http://tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72787