فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حول حادثة شارلي أبيدو ودلالاتها

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد

      ليس المقصود من مقالنا هذا الحديث عن واقعة شارلي أبيدو في حد ذاتها، فإنّ الغرب الذي توجهت ضده تلك العملية راشدٌ قادرٌ على تحمل عبئ تصرفات أفراده في ظلّ الحرية المطلقة التي يؤمن بها، ويحافظ عليها، والتي تتيح لأي فرد أو جماعة أن يتعرض بالسب والاستهزاء لأي شخصية أو أيديولوجية كانت. ومن الطبيعي أن من دواعي الرَشَد تحمل مسؤولياته وعدم البكاء واللطم على ما يأتي به من تبعات.

      والحق أن طبيعة هذا الحادث تختلف عن غيره من حوادث الهجوم على مدنيين في الغرب، من حيث إن ما سبقها كان هجوماً يأتي من وراء فكرة تختلف تمام الاختلاف عن الفكرة التي نبع منها هذا الهجوم.

      فالأحداث السابقة، كانت تنبع من فكرة أنّ الغرب "الصليبي" يقتل أبناء المسلمين ويقصفهم بلا تفرقة، مدنيين وغير مدنيين، ولسنا بحاجة إلى أن نأتي بأمثلة على ذلك أبعد من "جهاد الطلب" الأمريكيّ في العراق، والذي أدى إلى قتل مليون نفس عراقية! فإن ما فعلته أمريكا هناك هو صورة مكتملة لجهاد الطلب، في سبيل النظام العلمانيّ الصليبي ولا شك. ولذلك، حسب التصور الذي يعرضه من قام بتلك الهجمات على المدنيين في الغرب، فإن من حق المسلمين أن يقتلوا المدنيين عشوائياً في بلادهم، كردٍ على هذا العدوان. وقد أوضحنا رأينا في هذه المسألة من قبل في مقال بعنوان "عن الجهاد والمقاومة... نظرة فقهية تطبيقية" نشرناه عام 2009[1]، من الناحية الفقهية والسياسة الشرعية. وملخصها إنه لا يحل قتل الأفراد الأبرياء من أي نوع أو دين أو مكان إلا المحارب الصائل المعتدي منهم ولا يصح مهاجمة الكنائس وغيرها من أماكن عبادتهم "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم"،وهو السنة.

      أما هذا الهجوم الأخير فلم يكن هجوماً عشوائياً، بل كان ردّاً مباشراً على تصرفات شخصية، تحمل أشد الإساءة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وتتكرر بلا مساءلة، بل بمباركة الدولة الفرنسية. فعنصر العشوائية مفقود في هذا الحدث. وهو ما يجعله لا يخضع للصورة التي ذكرنا من قبل. وأية محاولة لجعله من نفس طبيعة تلك الأحداث هي إهانة للعقل والمنطق، إن كان الضمير العالمي به بقية من عقل ومنطق.

      على هذا الأساس يجب أن ينظر الغرب إلى هذه الحادثة بالذات، لا أن يصنفها داخل تصنيفاته الإرهابية المعتادة. والحق إننا قد قرأنا الكثير جدا من التعليقات على الحدث من المواطن العادي، بل ومن بعض الكتاب والمفكرين، في القارة الأمريكية ما يذهب لنفس هذه النتيجة، ويحمّل فرنسا تبعة هذا الحدث من حيث إنها تبنت سياسة الحرية المطلقة، فعليها أن تتحمل تبعاتها.

      أما عن ردّ الفعل العربي، فهذا أمر آخر. فعل سبيل المثال، لمَ لمْ ينظّم الملك عبد اللات الثاني ملك الأردن، مع إخوانه من الحكام العرب، ولا أذكر محمد عباس فهو خرقة بالية في ثياب آدميّ، مسيرة يستنكرون فيها تلك السياسة الغربية التي تتيح الأفعال المشينة والرسومات المسيئة لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، الذي هو دين شعوبهم، وإن لم يكن دينهم بطريق اللزوم؟ ساعتها كان من الممكن أن يكون هناك توازن شكليّ، ولو بالمعايير الدولية لا الإسلامية، إن استنكروا قتل تلك المجموعة التي مارست تلك الحرية الطليقة من كلّ قيد. والحق أنّ النسب القرشي الهاشمي، الذي هو نسب تلك العائلة الخسيسة، ليتبرأ من هذا الدعيّ عبد اللات الثاني ومن آبائه وأجداده، فهم عملاء للغرب منذ نشأة مملكتهم. وكم من منتسب للهاشمية، بحق وباطل، ممن هم رؤوس في الإجرام، وما السامرائي بن عواد منا ببعيد.

      والمسلمون لا ينتظرون من هؤلاء الحكام نصرة لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم، ولا للمسلمين ولا للقرآن، فأولئك أبعد الخلق عن الإيمان بهذه الأمور كلها. لكن إن احتقر هؤلاء الحكام دين شعوبهم إلى هذه الدرجة، فكيف لا نتفهم احتقار الغرب النصراني لنا ولديننا؟ تماماً كما يقتل هؤلاء الحكام شعوبهم ويعذبوهم، ثم لا نتوقع أن يقتلهم الغرب ويعذبهم؟ وقد والله أضحكني تسمية بعض المسلمين لعملية التعذيب التي ثبتت في أمريكا مؤخراً لبعض المسلمين "فضيحة"! فهي والله عشر معشار معشار ما يفعله حكام العرب في العرب.

      إن استنكار ما حدث بهذا الشكل المُهين، دون استنكار سببه لهو أمرٌ يعكس هواننا على الناس، ولا علاقة له بمقتل أحد أو حياته.  وها هي الجريدة ذاتها تعلن استهزاءها بالمشاركين الملاحدة من العرب بنشر رسوم جديدة. فهل من مستنكر يا كلاب الصهاينة وعبيد الصليبيين؟ ثم يا عقلاء الغرب، ألا من حدّ لتلك الحرية الطليقة تمنع المصائب التي تنتظر الجميع؟

      د طارق عبد الحليم

      14 يناير 2015 – 24 ربيع أول 1436


      [1]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-384