فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ماذا يعنى فشل أحداث 28 نوفمبر؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد

      مبدأ أمنت به منذ فترة، يخص قيام الثورات الشعبية، وهو إنه لا يمكن أن يحدد لها وقت أو زمان أو مكان. فالثورة الجماهيرية الناجحة هي انفعال شعوري يعبر عن ألم مكتوم مشترك بين طبقات الجماهير، لم يعد يمكن السيطرة عليه، وكما لم يعد يمكن تحديد اتجاهه وآثاره، تماما كالفيضان العارم، أو العاصفة الزاحفة أو الزلزال المدمر. ومن ثم لا يمكن أن يحدد له موعد ولا مكان. تلك هي صفات الثورة الناجحة.

      من هنا، فقد تشككت كثيراً في نتائج ما سيكون من حراك في 28 نوفمبر، لكني حرّضت وشجّعت حتى لا أكون عاملا سلبياً في المعادلة. وكان أن فشلت الانتفاضة بكل المقاييس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      أسباب الفشل عديدة، ولكنها واضحة مفهومة.

      1. سيطرة السيسي التامة على الجيش والشرطة والإعلام والقضاء وكافة قطاعات الدولة بلا استثناء.
      2. انهيار الغالبية الجماهيرية وكفرها بالإسلام ديناً، وتبعيتها للسيسي، وهم من أطلق عليهم شعب السيسي.
      3. ضعف الأقلية المسلمة المتبقية في البلاد، عددا وعدة، فغالبها من العائلات المسكينة التي لا حول لها ولا قوة في تغيير.
      4. ضعف التصور الإسلامي عند الأقلية المسلمة ورضوخها للتصور الإخواني الباطل من حيث دعوتهم للديموقراطية والسلمية، وكلاهما يتناقضان مع منهج السيسي في الديكتاتورية الفاشية والقتل الجماعي، ومع المنهج الإسلامي في العدل والجهاد.
      5. تعدد الخيانات وكثرة المنافقين والمشركين بالله ورسالته، كما رأينا من سلفية برهامي المجرم المرتد، وخنوع بقية من كانوا يوماً جماعات إسلامية.

      وقد أتت براءة مبارك والعادلي لتكمل صورة الاستهزاء التام بأي حركة إسلامية تتحدث عن تغيير في مصر.

      ما العمل إذن؟ وما هو دور المسلم اليوم.

      الطرق الآن واضحة، والخيارات بيّنة، ولم يعد هناك جدل في إسلام من وكفر من. ولا اتحدث هنا عن شعب السيسي وحثالته، وإنما عمن بقي فيهم شعرة نسب للإسلام وذرة محبة لرسوله صلى الله عليه وسلم.

      إما أن يتبنى السلبية المطلقة، فلا يكون له في الأمر شيء، قولاً أو فعلاً أو إقراراً، كما قال لي أحدهم، ممن حسن إسلامه، بعد صلاة الجمعة أول أمس "أنا خلاص طلقت السياسة، مالي دعوة بالسيسي ولا بغيره"! وهؤلاء ما نراهم إلا من الهالكين.

      وإما أن يكون ممن غسل الإخوان عقولهم، فأرادوا إسلاما من غير طريقه، ونصراً بلا تكاليفه، وآثروا القتل على الجهاد التي يدفعونها على أية حال! وهؤلاء لا حيلة فيهم، إنما هم عون حينا وعائق أحياناً.

      وإما أن يكون ممن اتبع السنة وأخلص لمنهجها، وهؤلاء هم الأمل المعقود، وسنتحدث عنهم لاحقاً.

      وإما هم من الشباب المسلم المتحمس، ممن لا يعرف خريطة العمل الإسلامي، فهؤلاء بين طريقين لا ثالث لهما، أولهما، أن يدفعهم اليأس والإحباط في طريق الغلو، فيتابعوا الحرورية البغدادية، جاهلين إنها الوجه الآخر الفاسد من العملة الإخوانية. أو أن يلتحقوا بأهل السنة والجماعة.

      أما عن أهل السنة، فإن الطريق أمامهم اليوم واضح على صعوبته. لكننا يجب أن ندرك إننا، بفضل التصرفات الإخوانية العبيطة، وسياسة التفاوضات والمصالحات والمشاركات لا المغالبات، وكلّ هذا الهراء المزرى الذي تبنوه، فأودى بهم، بنا، قد عدنا القهقري ثلاثة أرباع قرن من الزمن، بل أسوأ. فإن القيم الخلقية لدى الشعب المصري، في الربع الأول من القرن الماضي كانت أفضل ألف ألف مرة منها اليوم، كما لم يكن التبجح بالفسق والنفاق علنيا كاليوم، ولم يكن هناك من أمثال برهامي وعلى جمعة والطيب من منافقي العصر ومرتدي المشايخ، إلا قليلا معروفين، كعلى عبد الرازق أو طه حسين اللذين طردهما الأزهر، بل كفرهما رسمياً!

      طريق أهل السنة اليوم، كطريقهم في كل جيل مضى. الثبات على العقيدة الصحيحة، والتمسّك بها، ورفض البدع بكل أشكالها وأنواعها، مهما ظهر لبادى الرأي إن لها ظهور أو مكاسب. ثم الدعوة لدين الله بحذر وسرية، وتكوين خلايا دعوية، تتحرك بين الأهل والمعارف، ممن يوثق بهم لا غير، وتوثيق عرى الأخوة بين تلك الخلايا، دون نظام هيكلي محدد، أو بيعات طفولية. فإن بيعة الإسلام تكفي في هذه المرحلة، كما كانت في العصر المكيّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أما اليوم فهؤلاء ولدوا وشبوا على الإسلام، ليسوا بحاجة لبيعة عليه ابتداءً، فلا يغرنهم أقوال جهالٍ مفتونين.

      وهي مرحلة أظنها ستطول، وسيعقبها، أو يتوازى معها، بعد نضجها، مراحل أخرى تقوم على أنواع أخرى من الجهاد ودفع الصائل، لكن لا نرى محلاً لها اليوم، بعد أن رأينا مدى ضعف وهوان المقاومة الإسلامية في 28 نوفمبر.

      والله ولي التوفيق.

      د طارق عبد الحليم

      29 نوفمبر 2014 – 7 صفر 1436