فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ماذا بعد المباحثات الغربية الصفوية النووية!

      الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد

      لا أشك في أنّ المباحثات التي نرى هذه الأيام بين الكيان الصفوي الإيرانيّ وبين الولايات المتحدة بشأن ملف إيران النووي، والتي يتوقع إنهاءها غدا الأحد نوفمبر 23 2014، ستكون نتائجها من أكبر عوامل تشكيل المنطقة العربية، على غرابة ذلك التلازم.

      ذلك أن الولايات المتحدة قد قررت، كما أشرنا من قبل في عدة مقالات[1]، أن تغيّر شرطيّها في المنطقة، وأن تعتمد على دولة أقوى أثبتت وجودها السياسي والعسكريّ، بدلا من الاعتماد على بعض مخانيث الخليج، الذي أدركت مؤخراً أن ضعفهم أمامها هو ضعفٌ عام أمام أيّ تحدٍ لسيطرتها. وقد جاء هذا نتيجة ما حدث في "الربيع العربي" المهزوم، وتقدم إيران في تجاربها النووية، وطموحاتها للسيطرة على المنطقة بأسرها، وإذلال الكيان "السني" الأكبر المتمثل في دولة السعوديين.

      ويُشاع أنّ المباحثات في تعسّر شديد، وأنه لا يظهر في الأفق حلّ للمشاكل القائمة، ومثل هذا الحديث. والحق، إنني لا أرى الصورة بهذا الشكل الذي تعكسه الصحف الغربية، وتتابعه عليها صحفنا العربية، ذات الأجندات الخاصة.

      وذلك لأن النتائج المترتبة على الفشل أكبر من أن يتحملها أيّ من الفريقين المتباحثين. فإيران لا تريد، ولا تستطيع أن تدخل في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، أو إسرائيل في الحقيقة، بشأن مفاعلاتها. والولايات المتحدة لا تريد أن تفتح جبهة إيرانية عسكرية خاصة في هذه الأيام التي بدأت تعود فيها عسكريا للمنطقة. وكلاهما له مصلحة كبرى في التعاون ضد مسلمي السنة في المنطقة، من حيث أن الرافضة لم يكونوا إلا حلفاء للصليبية من قبل على مدى التاريخ.

      إذن، فإن التوقع الأكبر أن تنفرج هذه الأزمة بالتنازل من أحد الطرفين أو من كليهما، والوصول لاتفاق ولو مؤقت ينقذ العملية السياسية، ويكرس الجهود للقضاء على السنة.

      والخاسر الأكبر في كل الأحوال هم شعوب المنطقة العربية "السنية"، ثم حكامها الذين ستأتي عليهم رياح التغيير، إن لم يضعوا أيديهم في يد العدو الصفويّ، كما وضعوها في يد العدو الصهيوني من قبل. وهو ما رأينا معالمه في الأشهر الماضية واضحة جلية من تبدل الموقف السعودي الرسمي من إيران، ومن مواقفها تجاه انتفاضة الفلسطينيين. وما الخليج برمته إلا ذيل للغرب.

      الخطة الأمريكية هي أن يوضع الملف الفلسطيني على الرف، بكامله، وأن تُسحق حماس بأي شكل كان، بالحرب أو الحصار. وأن تأذن الولايات المتحدة لإيران أن تمدد عونها العسكريّ لحكومة العراق الرافضية لضرب السنة، في العراق.

      وتبقى الشام المعضلة. إذ ليس من المصلحة أن تُبقى الولايات المتحدة على بشار، وإن أرادت إيران ذلك. كما أنه من الصعب عليها أن تعين القوى المحلية مثل حزب اللات لضرب التنظيمات المقاتلة في الشام، من حيث إنه قد يمثل تحدياً لإسرائيل على المدى البعيد. كما أنّ قوة المعارضة العلمانية قد أثبتت فشلها وعجزها التام عن أن تحقق أي تقدم على الأرض، بأي شكلٍ من الأشكال.

      ولا نرى إلا إنّ الولايات المتحدة سوف تتبنى حلا للأزمة، يتمثل في بقائها قائمة، أقصد بقاء الأزمة قائمة في الشام، وإدارة جوانبها من بعيد، مع ضبط تصاعدها وحدودها. وذلك الحلّ يمثل وضعا مقبولا لها، يأتي كثاني أكثر الحلول قبولا، من حيث عجزت عن تحقيق الحلّ الأفضل، وهو إقامة حكومة شامية علمانية، بديلة لبشار، تعمل لحسابها بدعمٍ من السعوديين على سبيل المثال.

      وتبقى لدى الولايات المتحدة جبهتان، أولهما جبهة تركيا التي لا تزال ترفض أي تعاون ضد المقاتلين في الشام حتى تُستجاب شروطها. والثاني تمكين الحكومة العراقية الرافضية من القضاء على المسلحين في الأنبار وديالي وصلاح الدين، دون أن يتم ذلك باحتلال إيراني كامل للعراق.

      هذه الأبعاد كلها تتبع ما سيكون من نتائج في تلك المباحثات، التي تُعنى حقيقة بتشكيل المنطقة العربية أكثر منها عناية بأمر البرنامج النووي الإيراني.

      وتبقى العملية الجهادية ضد الرافضة والنصيرية متعثرة، لا ترى إلا بمنظار ضيق محدود. وتبقى خرافة السامرائي حجر عثرة في سبيل تقدم هذه العملية، من حيث هم طرف معاد للسنة، مثلهم مثل الرافضة والنصيرية سواء بسواء.

      والله من ورائهم محيط.

      د طارق عبد الحليم

      23 نوفمبر 2014 – 29 محرم 1436


      [1]  راجع علي سبيل المثال مقالنا "الطوفان القادم على آل سعود - وما بعد الطوفان!" http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72787