فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الرد على بحث - بحث في الخوارج ... حسين بن محمود

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      أرسل الينا أحد المتابعين الأحباء على تويتر رابط هذا "البحث"[1]، طالباً التعليق عليه. ورغم ضيق الوقت، فقد وجدت أن بعض كلمات سريعة هن هذا الخلط الوارد فيه، سيكون له أثر في تقليل أثره الضار على عامة القراء إن شاء الله.

      وما نودّ أن نشير اليه أولاً، هو تحذير القارئ من مثل هذا اللون من البحث، حيث يحشد الناشر كثيراً من النقولات، عن أئمة أعلام، ثم يضع بعدها نتيجة بحثه وخلاصته، بما لا يتفق حقيقة مع ما أورد، إلا من باب الشبه أو العموم، لضعف القدرة على الاستنباط، وللهوى المسبق. والقارئ العادي، عادة ما "يمسح" بعينه الصفحات التي فيها النقولات الكثيرة، ثم يخرج منها بنتيجة أن "ما شاء الله، لقد حشد هذا الباحث كثيراً من الأدلة التي تثبت صحة نتيجته!"، ثم يقفز إلى النتيجة فقد يقرأها كلها، أو سطور منها، فيقع في قلبه تصديقها، لما رأي من قبل من كثرة نقول وشواهد! وهذا أصل البلاء ومصدر الداء في التخبط والعمى الذي تعيشه "العوام" عادة، فليس هناك قدرة على تمييز الغث من السمين، ولا الصحيح من السقيم.

      وغالب ما جاء في البحث صحيح من الناحية الأكاديمية، فالمقدمات التاريخية والقول في تكفير الخوارج من عدمه لا مشاحة فيه، فهي مجرد سرد معلومات موجودة في كتب الفقه والعقائد والحديث. لكنه آية في السذاجة وضعف النظر الفقهي والأصولي والتحيز، حين أتي الأمر إلى تحقيق مناط الحديث وإسقاط النقولات على الحوادث الواقعات. فقد بدت الظاهرية واضحة فيه، وقلة المعرفة بأصول الأشباه والنظائر وفن المقارنة بين المتشابهات والتفرقة بين المختلفات وقواعد ذلك. فالمشكلة تأتي عادة عند تحقيق المناط وتحليل السياقات، ففي هذا يتميز أهل العلم من طلابه، من مدّعيه.

      وقد قرر الناشر أمراً أولاً ثم نقضه ثانيا، قال "ولا يستقيم عقلاً أن تكون فرقة "خارجية" إلا أن تعتقد بهذا الحد الأدنى"، وهو أولاً لم يحدد الحدّ الأدنى هذا في حالة الخوارج، بل ذهب يعدد ما كان من الأوصاف الخارجية لهم، كحلق الرؤوس، أو أوصاف عامة يجتمع عليها كلّ أهل البدع، مثل "يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم" و"قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل"، وهي صفات، على عمومها، متحققة في العوّادية بلا شك. ثم ذكر صفات نصيّة، متحققة فيهم على وجه القطع "حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم"، وأنهم "يقتلون أهل اإسلام، ويدعون أهل الأوثان". وهذا في غاية الظهور في العواديّة الحرورية اليوم. والحديث لم يذكر أنهم يتركون أهل الأوثان بإطلاق، فهذا فهم قاصر للنصوص. بل هو يعنى أنهم في موقف قتال، تراهم يحبذون قتل أهل الإسلام ويسبقون اليه، قبل قتل أهل الأوثان، وقد يقاتلون أهل الأوثان بعد، فليس في الحديث ما يمنع هذا بإطلاق. وهذا بالضبط ما يفعله العواديّة الحرورية، والدير شاهد على ذلك، والحوادث تواترت على تركهم فرق الرافضة والنصيرية، بل وتسهيل بعض مهامهم، لقتل أهل السنة.

      والأصل الجامع بين كلّ من يصح أن يوصف بالحرورية، بعد النظر فيما جاء فيهم، وإعمال القواعد العامة وتنقيح مناطات تلك الأوصاف، هو أنهم "كل من كفّر المسلمين بما ليس بمكفر عند أهل السنة بإطلاق، ثم خرج يقاتلهم واستحل دماءهم بناءً على ذلك التكفير" وهو الحدّ الأدنى الذي اشتركت فيه فرق الخوارج، إلا من أدخل فيها بخطأ، إذ هي الصفة التي بنيت عليها أصل الفرقة الخارجة على عليّ رضى الله عنه، ليس حلق رؤوسهم ولا كثرة تعبدهمن بل ولا خروجهم على عليّ، فالخروج على إمام ليس "خروجا" بدعياً بالضرورة، كما قرر الناشر نفسه، ثم اضطرب عليه الأمر. فقد سمّوا خوارج لخروجهم على عليّ، لكن ليس هذا الفعل هو أصل الفرقة، بل هو تسمية بنتيجة أصلها. والتفرقة بين هذه الأمور عزيز إلا عند من تمهدت له أصول العلم فصارت له طبعاً، لا عند من تسوّر عليه بجمع معلومات وترتيبها.

      أما بقية الأوصاف فكلها قرائن ترتبط بوصف قد يتحقق أو لا يتحقق، مثل حلق الرؤوس، فهو مثل إطلاق اللحية، فكل أحبار اليهود وقساوسة النصارى يطلقون لحاهم. فهذه أوصاف لا يمكن الإعتماد عليها لتحديد فرقة من الفرق إلا عند من لم يحسن صناعة الاستنباط.

      كذلك ثبوت أوصاف في الحرورية العوادية، يشتركون فيها مع الرافضة، كالكذب والتقية، وهو متواتر عنهم، من رأسهم العدناني إلى أصغر جنودهم. وهذا لا يعنى أنهم رافضة، كما لا يعنى عدم حلق رؤوسهم أنهم ليسوا حرورية.

      ثم إعتماده على ما كان من أوصاف للحرورية قبلا، وحديث بن تيمية وأمثاله في خوارج عصره ومن قبله، ولا مانع من ظهور خوارج أسوأ أو مثل، الرافضة، كاستحلال الكذب والتقية

      ودعنا بعد هذا التمهيد ننظر فيما قرر هذا الناشر، تفصيلا، خاصة في نتيجته النهائية، التي نصر فيها تنظيم بن عوّاد!

      قال "مما لا شك فيه أنها ليست جماعة خارجية لأنها لم تخرج على الخليفة الراشد عليّ رضي الله عنه في قول من قال بذلك ، ولم تقاتل إماماً مسلماً حقاً كما هو قول بعض العلماء ، ولا تؤمن بأصول الخوارج المتفق عليها بينهم ، فتسميتها بالخارجية كدعوى النصرانية لمن لا يؤمن بعيسى عليه السلام ، أو إسلام من لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فلا بد من الإيمان بأصول الفرقة أو الجماعة لينتمي إليها الإنسان ، وهذا أمر بدهي لا يختلف عليه العقلاء .. ولا يجوز وصفها بالخارجية لأنه ظهر للبعض أنها وافقت الخوارج في بعض الأمور ، فهذا ليس من التصنيف العلمي ، فالنصارى يُعظّمون عيسى ، واليهود يُعظّمون موسى ، فهل المسلم الذي يعظمهما يكون يهودياً أو نصرانيا!!"اهـ

      وهذا تضليل في النظر، إذ من العبث الحديث عن الخروج على عليّ! ومن المعلوم أنّ مشكلة العصر هي عدم وجود إمام حق، وهو ما يشترك فيه مع كافة من نسب نفسه للإسلام. وقد خرج الناشر على ما ذكر من وجوب تحديد الحدّ الأدنى للإنتساب للفرقة، وهو ما قررنا، فقوله "فلا بد من الإيمان بأصول الفرقة أو الجماعة لينتمي إليها الإنسان ، وهذا أمر بدهي لا يختلف عليه العقلاء .. ولا يجوز وصفها بالخارجية لأنه ظهر للبعض أنها وافقت الخوارج في بعض الأمور" هو محض هراء بناء على ما قرره بنفسه حيث قال في مبدأ حديثه "ولا بد أن تكون هذه الجماعة تؤمن أو تعتقد بالحد الأدنى المتفق عليه بين الخوارج ، ولا يستقيم عقلاً أن تكون فرقة "خارجية" إلا أن تعتقد بهذا الحد الأدنى"، ثم لم يأت بهذا الحدّ الأدنى، بل راح يتحدث بعمومية مموّهة عن "أنها وافقت الخوارج في بعض الأمور". وهذا إن أقصينا عدم الأمانة في البحث، هو دليل ضعف في تتبع النتائج لمقدماتها.

      ثم يقول "النصوص التي جاءت في الخوارج تصدّق بعضها بعض ، وتشرح بعضها بعض ، وتعضد بعضها بعض ، ولقد رأينا ليّاً لأعناق النصوص في محاولة مستميتة لإنزالها على "الدولة الإسلامية" اليوم ما كنا نراه في شأن "قاعدة الجهاد" قبل سنوات ، فهي نفس المحاولات اليائسة البائسة من أناس جهلوا خطورة عملهم ، ولم يراعوا حرمة حديث نبيّهم صلى الله عليه سلم ، ولو نقلنا مقالاتنا التي كانت للدفاع عن قاعدة الجهاد كما هي بطريقة القص واللصق لم نحتج إلا إلى تغيير الأسماء لإنزال هذه المقالات على الدولة الإسلامية اليوم لنفي هذه التهم"، وهذا، مرة أخرى تبسيط مخلّ للأمور، فقد يتشابه موقف الحكومات من كافة الجماعات المناوئة لها، حتى الإخوان، رافعي شعار السلمية، يمكن أن يحتجوا بهذا الذي وصف، فهو ليس بدليل خاص يلدأ اليه لنفي صفة الحرورية عن أتباع بن عوّاد. ثم إن قاعدة الجهاد، وطبعا ولا اإخوان كانوا يقتلون المسلمين كما حدث في دير الزور والشعيطات وحلب، ولم يغتالوا من أمثال أبي خالد السوري وأبي محمد وأبي سعيد الحضرمي، وعشرات غيرهم، فما وجه المقارنة بقاعدة الجهاد يا هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين؟  

      ثم قوله "إن من أظهر صفات الخوارج التي جاءت في الأحاديث النبوية : "التحليق" ، و"حداثة الأسنان وسفاهة الأحلام" ، و"قتل أهل الإسلام وترك قتال أهل الأوثان" ، و"يحسنون القيل ويسيؤون الفعل" ، و"يقرأون القرآن يحسبونه لهم وهو عليهم" ، و"أشداء أحدّاء" ، و"يحقر الصحابي صلاته إلى صلاتهم" .. فإذا اجتمعت هذه الصفات – وغيرها من صفات الخوارج وأصولهم - في جماعة بعينها لزم من ذلك كونهم : "شر قتلى تحت أديم السماء" ، و"خير قتلى من قَتلوهم" ، وكونهم من "أبغض خلق الله إليه" ، و"في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة" ، فهل يستطيع من عنده ذرّة تقوى وخوف من الله أن يحكم على جماعة بعينها بالخارجية فيكون لازم قوله ما جاء في الأحاديث النبوية" ما هذا الذي يقول؟ والله ما ندري أي دليل فيما ساق يخرج بهذه النتيجة؟ ولو كان من التقوى عدم وصف أهل البدع بأوصافهم لحكمنا على كلّ من صنّف في الفرق بالفسق والعدوان، بما فيهم بن تيمية، فإن الصفات الي ذكرها أهل السنة في مرتكبي البدعة عامة، أشد من ذلك، فقد وصفوهم بأنهم "أشد فسقاً من قاتل النفس"، و"أنهم كلما ازدادوا في تقربهم إلى الله بالبدعة ازدادوا بعدا عنه"، وأنهم "لا ترجى لهم توبة"، وأنهم "معاندون للشرع مشاقّون له"، وأنهم "لا تُقبل صلاتهم ولا صومهم ولا عبادتهم ولا صدقتهم"، ولو شئنا لملأنا صحائف فيما قال الإئمة عن أهل البدع عامة، صوفية وخوارج ومعتزلة وجهمية ومرجئة[2]. فهل يعنى هذا أن نقول أن هؤلاء الأئمة ليس لديهم "ذرّة تقوى وخوف من الله أن يحكم على جماعة بعينها بالخارجية"، لأن لازم قولهم أن تكون هذه الجماعة فيها هذه الصفات؟ أم يقول هذا الباحث أن نكتفي بذكر الصفات دون الحديث عن تعيين جماعة، فيكون قد ارتدّ عن قولهم في الحكم على المعين، الذي قد يكون فرداً أو جماعة؟

      ثم قوله "الحقيقة أن أكثر هذه الصفات – وأشد منها - نجدها واضحة جليّة في الجيوش العربية : فهم حليقوا الرؤوس ، وحدثاء أسنان بلا أحلام ، يقتلون أهل الإيمان ويتركون أهل الأوثان ، وأشداء أحداء مع المسلمين ، يحسنون القيل ويسيؤون الفعل ، والخوارج أفضل منهم في كونهم أهل صدق وعبادة وإخلاص ، أما هذه الجيوش فالغالب عليهم الغدر والخيانة والفجور ، أليس هذا ما رأيناه في ليبيا ومصر وسوريا والعراق وغيرها من البلاد ، فهل هذه الجيوش خارجية !! هل رأينا جيشاً عربياً يقاتل الكفار في زماننا هذا !! الخوارج يتركون الكفار ، ولكن هؤلاء يوالون الكفار ويقاتلون المسلمين في صفوفهم في أفغانستان وغيرها ، ويحاصرون المسلمين في غزة لصالح اليهود ويتولون المرتدين (العلمانيين) ضد المسلمين في بلاد العرب وغيرها ، فمن أولى بوصف الخارجية ؟ بل أشد من الخارجية !"اهـ خبط آخر وتلبيس آخر، فهذه الجيوش العربية هي أصلاً علمانية صفتها العامة صفة الردة، وإن لم تنطبق على أعيانها، فما له يتحدث بهذه المقارنة التي لا فائدة منها؟

      ثم يستمر الرجل في الخبط واللا-علمية في حديثه، يجره جراً، عن أن ذاك التنظيم يحارب "النصارى الأمريكان والفرنسيين والبريطانيين، وتقاتل الرافضة الفرس والعرب ، وتقاتل النصيرية والعلمانيين من الأكراد وغيرهم، وهؤلاء أعداء للإسلام والمسلمين، وفعلهم هذا يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج ، فلا يستقيم قول النبي صلى الله عليه وسلم "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان" وهو كما ذكرنا ليس مناقضا لحديث رسول الله ، فإن الحديث عن ترك أهل الأوثان هو مقيد بحين قتل أهل الإسلام، لا تركهم بالكلية، فإن قاتلوهم فإن من يقاتل هؤلاء كثيرٌ وقد قاتلهم الكوريين والفيتناميين والروس والصينيين، وكافة أهل الأرض. وقد حاربت فرق من الخوارج الروم من قبل، فلم يخرجها هذا من صفة الحرورية، طبقا لما ورد في التاريخ، فهذا أمرٌ وذاك أمرٌ آخر.

      ثم الأضحوكة التي تبين أن هذا الناشر متحيزٌ لا يؤخذ منه رأي علميّ، قوله "الدولة عندها علماء ترجع إليهم وتستفيتهم ، وهي ترجع إلى أقوال أهل العلم من السلف والخلف كما رأينا في إصداراتهم ، وهذا لم يكن في الخوارج" فإن الخوارج كان لهم علماء، وكانوا أعلم من هؤلاء الذين ينسبهم تنظيم العوّادية للعلم، فوالله ما زلنا نطلب ونسأل عن علمائهم دون أن نعرف منهم واحداً معتبراً في اوساط أهل العلم.

      ثم يعود الرجل إلى الأوصاف الجسدية، كما بيّنا خطأ ذلك "وجنود الدولة ليسوا حليقي الرؤوس ، وهذه صفة بارزة في الخوارج " وهي سذاجة مخجلة. ثم يقول "والدولة لا تفسّر القرآن وفق هواها بل ترجع إلى كتب التفسير المعتبرة ، والدولة لم تخرج على إمام حق – وأين هو في زماننا هذا - بل خرجت على الرافضة والنصيرية في العراق والشام ، والدولة لا يُؤمن جنودها بأصول الخوارج: من تكفير مرتكب الكبيرة، وتكفير علي ومعاوية وعمرو بن العاص وأهل التحكيم وأهل صفّين ، ولا تقول بخلق القرآن ، ولا تنفي السنّة الصحيحة، ولا تنكر الشفاعة، ولا تعطّل الصفات، ولا تقول بتعذيب أهل الكبائر تعذيباً دائماً في الآخرة ، ولا تقول بعدم حجّيّة خبر الآحاد ، ولا تقول بجواز الإمامة العظمى في غير قريش ، ولم تقل بوجوب الخروج على الإمام الجائر ، بل قالت بوجب الخروج على الحاكم الكافر – المُشرّع بغير شرع الله ، الموالي لأعداء الله - وهذا هو مذهب أهل السنة، ولا تُنكر الشفاعة لأهل الكبائر ، ولا تُنكر عذاب القبر ، ولم تكفّر عموم المسلمين كما يدّعي البعض ، بل تكفّر قلّة قليلة من أعيانهم لاجتهادات قد نوافقهم أو نخالفهم عليها ، وجنود الدولة يُصلّون خلف المسلمين من غير جماعتهم ، ويعاملون عوام المسلمين من غير جماعتهم معاملة حسنة ، فبأي شيء يصيرون خوارج وهم لا يتّفقون مع الخوارج في الأصول المتفق عليها بينهم ولا في الفروع ولا في الوصف ." قلنا، قد رددنا على هذا من قبل، من أنهم يتفقون مع الحرورية في الأصل الذي هو " كل من كفّر المسلمين بما ليس بمكفر عند أهل السنة بإطلاق، ثم خرج يقاتلهم واستحل دماءهم بناءً على ذلك التكفير"، أما كل ما ذكره غير ذلك فقد تباينت فيه فرق الخوارج بين بعضها البعض، منهم من قال بها أو ببعضها، ومنهم من أنكر بعضها. وهي كلها صفات حادثة بعد الحرورية الأوَل، الذين أسسوا المذهب على الأصل الذي قلنا، وهو تكفير عليّ ومعاوية ومن معهم، ثم استحلال دمهم على ذلك، لا أكثر ولا أقل. أما إنكار الشفاعة وعذاب القبر ةأحاديث الآحاد، فهي كلها حادثة لا تدخل في الحدّ الأدني الذي ذكره الناشر، ثم تنكر له.

      ثم قال: "إن القول بأن "الدولة الإسلامية" خارجية ، ووصف جنودها بأنهم "كلاب أهل النار" مجازفة كبيرة لا يأمن صاحبها أن يكون ممن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم "متعمداً" أن زعم بأن أمثال هؤلاء هم الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بكلامه ، فإنزال النصوص على واقعنا يحتاج إلى علم بهذه النصوص ، ويحتاج إلى علم بطريقة الجمع بينها بشكل علمي ، ويحتاج إلى معرفة الواقع معرفة حقيقية ، ويحتاج إلى تجرّد للحق ، وقد تتبعت من أنزل هذه الأحاديث على "الدولة" فوجدت أكثرهم ليسوا من أهل العلم ، ومن كان منهم من أهل العلم : إما أن يكونوا من علماء السلطان ، وهم الغالبية ، وإما أنهم لم يجمعوا بين النصوص ، ومن جمع منهم لم يعرف حال "الدولة الإسلامية" معرفة حقيقية لأنه يسمع من طرف واحد ، وإن وُجد من عرف فإنه لا يحكم بتجرّد ، وإنما الحكم في الغالب سياسي أو حزبي وليس شرعي ، أو يكون الحكم من باب العداء أو عدم الرضى ، وعين السخط تُبدي المساويا." اهـ ووالله لقد وصف الرجل عينه التي يرى بها، في بعض ما قال، وجاوز قدره في وضع نفسه في أوساط العلماء، بل حاكماً عليهم، بأنهم لم يفهموا فهمه، ولم يعرفوا معرفته! عجيب والله، لكنها صفة محدثة كذلك من صفات الحرورية العوّادية، من خالفهم كان إما عالما من علماء السلطان، أو جاهلاً!

      ثم نقطة أخيرة، فحين نتحدث عن الأسوأ في الفرق، فيجب اعتبار أنّ الأمر أمر خطرٍ حالٍ واقعٍ، لا موضوع نظري أيهما أسوأ وأيهما أفضل. فإن من هجم على بيت وقتل من فيه من المسلمين، لن يتوقف أحد ساعتها ليرى هل هو من الخوارج، فيقول "الحمد لله قتلت عائلتي على يد الأفضل"! ولهذا جاء قول بن تيمية "الخوارج أجرأ على السيف والقتال منهم [أي الرافضة] ، فلإظهار القول ومقاتلة المسلمين عليه جاء فيهم ما لا يجيء فيمن هم من جنس المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم"اهـ

      هذه سطورٌ كتبناها في عجالة، لدرء مفسدة مثل هذا المنشور على كثيرٍ من العوام، والله ولي التوفيق

      د طارق عبد الحليم

      19 شوال 1435 – 15 أغسطس 2014


      [1]  http://justpaste.it/kaoarij

      [2]  ارجع إلى الاعتصام للشاطبي ج1