فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      قيام دولة الإسلام .. بين الواقع والأوهام – دراسة سياسية تحليلية 6

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      وقفنا في المقال السابق على إشكالية توفر أهل الحل والعقد "المُمَكِّنون" واختيار "الإمام" في "الدولة الإسلامية"، من وجهة نظر التمكين. وخلاصة القول فيها أنه يجب ان يكون أهل الحل والعقد ممن يحصل باختيارهم الوئام والاتفاق، لا الخلاف والقتال، وهي ذات الصفة التي يجب توفرها في الإمام المختار كذلك، عدا غيرها مما نراه أقل أهمية منها خاصة في عصرنا هذا. إذ إن "الإمامة" قصدها جمع الشمل والكلمة، لمواجهة العدو، لا لمواجهة بين المسلمين بعضهم البعض، فإن لم تتوفر أدت النتيجة إلى فوات القصد، وهو عكس مقصود الشارع.

      "الدولة الإسلامية" في مواجهة الخارج:

      وهذه إشكالية كبيرة في الفكر الجهادي عامة، والحروري خاصة. فإن تحرير مفهوم "الولاء" وعلاقته بالاتفاقات الدولية، ومدى توافق محدثاته مع الشريعة، سيكون محتاجاً إلى إجتهاد عظيم، وفهم تام لمقاصد الشرع، ولمدلولات أحداث السيرة ومفاهيم الحديث الشريف. كذلك يحتاج إلى دراية كاملة بالخريطة السياسية، ثوابتها ومتغيراتها، والقدرة على التأثير فيها. فإن البندقية لا تقدم حلاً في كلّ وقت ولكل مشكلة. السلاح يشكِّل بداية الحلِّ ونهايته. أما في خضم الحياة، فلا دور له إلا إرهاب العدو المتربص، أو دفع الصائل المعتدى.

      إشكالية العوائق:

      العوائق السياسية التي تواجه قيام "دولة إسلامية"، للناظر من باب الأسباب الدنيوية البحتة، لا يكاد يحصرها العدّ. فقد تكالبت القوى العالمية، على اختلاف مذاهبها وأديانها وتوجهاتها، على أن لا تقوم للإسلام دولة مركزية، تخلف الخلافة العثمانية، سواءّ كانت دولة أو خلافة، سمها ما شئت. اجتمع عل ذلك الغرب الصليبي الصهيوني متمثلاً في أمريكا وأوروبا، والشرق الشيوعيّ، متمثلاً في روسيا والصين، والشعوب اللادينية التي تعبد الأحجار والأبقار، في الهند وجنوب شرق آسيا. لم يختلفوا على هذا القدر، ثم اختلفوا على كلّ شئ من ورائه.

      بل، قد اتفق حكام العرب، من العلمانيين المرتدين، بلا استثناء، سواء كانوا رؤساء جمهوريات أو تياجان ملكيات، على ألا تقوم مثل هذه الدولة، بأيّ حالٍ من الأحوال، إذ في المركزية فقدان لكلّ منهم ما يمتمتع به من ميّزات.

      ومن ثم، فإن فكرة قيام "دولة إسلامية سنية على النهج النبويّ" هي فكرة أسهل ما تكون تمنياً، وأصعب ما تكون تحقيقاً على الأرض.

      وقد رأينا مِصداق ذلك في مصر، حيث تحركت قوى الخليج العميلة، لتضرب الإخوان، على ما في دولتهم التي صمدت عاماً يتيماً واحداً، من كلّ بلاء واستسلام، يجعلها أسوأ مثال لدولة سنية. لكن هذا لم يشفع لها عند الشرق، ولا الغرب، ولا العرب!

      كما رأينا كيف استطاعت تلك القوى الصهيو-صليبية، بالتعاون مع عملاء الخليج، أن يحوّلوا ما كان صحوة للشعوب ضد قاهريها، إلى حكومات علمانية في تونس وليبيا واليمن، ومصر علي رأسهم بطبيعة الحال.

      ثم، لا يجب أن ننسى في معادلة "الدولة الإسلامية" أنّ الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بقوة ضاربة هائلة في غرب جزيرة العرب، وفي قطر والبحرين والكويت. وهي قوى مستعدة للتدخل إن هُدّدت مصالحها النفطية بأي شكلٍ، أو بأي كيان. فأمريكا لا يهمّها من يقود، وبأي عقيدة يقود، وأي شعب يقتل، رافضة أو سنية أو حرورية، كلهم سواء، طالما أن مصادر النفط وقواعدها العسكرية محفوظة. هؤلاء لا يتحركون بوازع دينيّ، بل بوازع اقتصاديّ تحميه القوة، لا غير.

      ثم، العامل الأهم في هذه المعادلة، هو القوة الصهيونية، النووية، التي تقبع في قلب الرقعة المسلمة، تهددها كلها، إن تعرضت لأي تهديد كان. بل قد تحالفت معها بقية عملاء العرب، كفاحاً، كمصر والخليج بعامة، تحالفاً ذليلاً، حين شعروا بالخوف من القوى الصفوية المتعاظمة، ومن الخلاف مع تركيا، ومن الخطر الجهاديّ القادم من العراق والشام، والذي قد ينتج عنه "دولة" لا يعلمون ما يفعوا إزاءها!

      كذلك، فإننا رأينا أنّ "الحصار" الاقتصاديّ عامل مؤثرٌ في الدول التي يقف منها العالم كله موقف عداءٍ، مثلما حدث مع الراق قبلاً، مع كوريا الشمالية ومع غزة الحبيبة اليوم. ومع علنا بأن الحصار لا يهزم الأمم، ولا يكسر الهمم، إلا إنه مؤثر هام قوي يعين على إضعاف الكيانات القائمة إضعافا شديداً، خاصة إن كانت مخترقة من الداخل بالروافض، أو كانت حكوماتها غير مقبولة قبولاً واسعاً كما لو تحكم الحرورية في العراق.

      أما العوائق العقدية، فتتمثل في وجود ذلك الانشقاق الأخير، الذي ظهر في صفوف المجاهدين، بظهور تنظيم البغداديّ الحروريّ، في مقابل غالب الجبهات الأخرى التي انقسمت إلى سنة عامة، كجبهة النصرة وعدد من الكتئب المستقلة، وإرجائية إخوانية ظهرت في الجبهة الإسلامية. هذا الاختلاف، هو ضربة قوية لإمكانية قيام دولة سنية موعودة. إذ إن الحرورية، لو قامت لهم دولة، ولا نظنها قائمة، فلن تكون تلك الدولة التي بشؤ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا هي التي تقيم الإسلام على نهج النبوة. وإن ظفرت الجبهة الإسلامية بهذا النصيب، فإنها لن تكون إلا تابعاً، في غالب أمرها للخليج، ماديا ومعنوياً. أما عن مجاهدي السنة، وهم قليل، فهم مُحاصرون بين كافة الجبهات "الجهادية" الأخرى، منهم من يكفّرها ويقاتلها كالحرورية، ومنهم من يحرجها باتفاقيات ومواثيق تجعل التقارب والتعاون بينهم مستحيلاً دون خيانة الله ورسوله.

      و"الدولة الإسلامية"، حين قيامها، ستكون مطالبة بالتعامل مع جوار. وهذا الجوار، في أيامنا هذه عَفنٌ خرب، لا دين له. لكنه مرتبط بقوى عالمية لن تسمح بأن تتحطم مصالحها كلها في المنطقة، وأن تخسر كلّ رصيدها، خاصة والكيان الصهيونيّ في وسط هذه المعمعة. وهو كيانٌ متسلحٌ بقوى نووية، وأحدث أنواع الأسلحة في العالم، بل ويقوم بتصنيعها وتطويرها بنفسه على أرض فلسطين المحتلة.

      لكن، لغرض هذا الجزء من الدراسة الذي يتعامل مع الإشكاليات،علينا أن نفترض إمكانية قيام مثل تلك الدولة، حتى نكمل دراستنا، فننظر في الأطروحات التي يمكن أن يتبناها العمل الإسلامي، الجهاديّ أو السياسيّ، ليصل إلى غرض قيام تلك الدولة، إن شاء الله.

      يتبع إن شاء الله

      الأطروحات 7

      د طارق عبد الحليم

      18 يونيو 2014 – 20 شعبان 1435