فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الجهاد الشامي ومسارات الفتنة - 6

      الافتراق

         خلال المعاينات والتفحص بدا أن المشكلات داخل ما يفترض أنه « البيت الواحد» أبعد ما تكون عن خلافات تنظيمية، وأقرب ما تكون إلى افتراقات في المنهج والتصورات العقدية. وكنا نتعجب حقا من بعض الكتابات المناصرة لـ « الدولة» وهي تنكر أو تسخر أو تستغرب من استعمال لفظة « الأمة»؛ أو حين تتساءل: « عن ماهية الأمة التي نؤمن بها أو نتحدث عنها»؟ وكأن المفهوم بدعة استوطنت في الفكر الإسلامي المعاصر ليس لها أية أصول عقدية أو شرعية منذ عهد النبوة وإلى يومنا هذا!!! وكنا نتعجب أيضا من خطابات « الدولة» بعد عودتها إعلاميا عبر المتحدث الرسمي، أبو محمد العدناني، عن غياب أي تعاطف لـ « الدولة» مع « الثورات» العربية منذ انطلاقتها! بل وكنا نتساءل عن الأسباب التي تخلو فيها خطابات « الدولة» من أي ذكر لـ « الثورات» إلا سلبا؟

       حقيقة؛ لم تكن المواد الإعلامية التي توفرت لدينا بكافية لملاحظة أن الأمر يتعلق فعلا بموقف جذري لـ « الدولة» من « الثورات» الشعبية، فكان من المدهش أن نكتشف أن ما درجنا على اعتباره، لأكثر من عام مضى، سببا في الفرقة لم يكن في واقع الأمر إلا قمة جبل الجليد، وما خفي أعظم. فقد كانت وقائع الفتنة تستعر تحت الرماد منذ ما قبل انطلاقة « الثورات»، وليس غداة انطلاقتها فحسب أو مع « إعلان التمدد» باتجاه الشام!

         أما عجب العجاب، فكان في تزامن خطاب العدناني: « ما كان هذا منهجنا ولن يكون – 18/4/2014»، وكذا ما تناقلته وسائل الإعلام من مقابلة بعنوان: « الواقع بين الأمل والألم» أجرتها مؤسسة « سحاب - 19/4/2014» التابعة لـ « القاعدة» مع د. أيمن الظواهري. ففي النصين كشف الفريقان عن حقيقة الصراع!!! الأمر الذي اضطر « المراقب» إلى إعادة النظر في جهد استغرق شهورا خلت بحثا عن جواهر الصراع، عبر الخطابات الرسمية لـ « الدولة» و « القاعدة»؛ رغم أن النص الذي كان جاهزا للنشر توصل إلى نتيجة تؤكد أن الخلاف هو خلاف منهجي في المبدأ والمنتهى، ولا شيء آخر!!! تماما كما عبر عنه الجانبان.

      سيكون لدينا نصا طويلا وعميقا يبحث في:

      أولا: مظاهر الصراع

      ثانيا: حيثيات الصراع

      ثالثا: جواهر الصراع، وفيه:

      (1) الأمة:

      أولا: « الأمة» في خطابات « القاعدة»

      ثانيا: « الأمة» في خطابات « الدولة»

      (2) الثورات:

      أولا: « الثورات» في خطابات « القاعدة»

      ثانيا: « الثورات» في خطابات « الدولة »

      (3) المكانة:

      أولا: مكانة « القاعدة» في « الأمة»

      ثانيا: مكانة « الدولة» في « الأمة»

      مفارقات وافتراق

         لكن قبل معاينة مواضع الخلاف الجوهرية طبقا لخطابات « القاعدة» و « الدولة» خاصة فيما يتعلق بموقف الجانبين من مفاهيم (1) « الأمة» و (2) « الثورة» و (3) « المكانة»؛ سنتوقف قليلا عند بعض تداعيات الخلاف، والتساؤلات التي يثيرها أنصار « الدولة» حول « البيعة» حتى بعد صدور خطابي الحسم من الجانبين.

      أولا: مظاهر الصراع

      1)   تداعيات الخلاف

       

         لا يخفى على مراقب أن مواقف « القاعدة»، ممثلة بخطابات الظواهري وعزام الأمريكي، تشي بأنها تمتلك من الأدلة والمعلومات وربما الوثائق التي توفر لها ما يكفي من السلطة الأدبية والولاية التنظيمية والشرعية التي تسمح لها بإصدار ردود غاضبة على « الدولة» وصلت إلى حد قطع العلاقة معها وتوجيه اتهامات مبطنة لها تحملها مسؤولية مقتل أبو خالد السوري وتخريب الساحة الشامية. ومع ذلك فلم تذهب « القاعدة» بعيدا في قطع الشك باليقين ولا « الدولة» كانت مقنعة في ردودها تجاه الاتهامات الموجهة إليها أو تجاه سياساتها أو تمسكها بأفكارها وعقائدها التي ذهبت بالجولاني إلى حد التهديد بنقل الصراع إلى العراق. ولا شك أنه سلوك أشد خطورة، وهو ما دفع ببعض رموز الجهاد كأبي محمد المقدسي وأبي قتادة إلى التحذير من هكذا سياسات حتى لو بدت مهلة الخمسة أيام التي منحها الجولاني لـ « الدولة»، بالنسبة للبعض، أقرب إلى ممارسة الردع على حافة الهاوية من إعلان الحرب على « الدولة في الشام والعراق».

           واقع الأمر أن الفتنة غير المسبوقة، التي تجري وقائعها المباشرة في الشام قد ألقت بظلالها على الساحات الجهادية في العالم الإسلامي وبين أنصار التيار الجهادي في العالم. وفي المحصلة انتهت بدايةً بمخالفة « الدولة» فيما ذهبت إليه من: (1) إعلان تمدد « الدولة»، و (2) رفضها لمداخلات شرعية وتنظيمية لاحتواء الموقف، و (3) الإصرار على استنساخ تجربة العراق بما فيها التمسك بذات التأصيلات الشرعية وإسقاطها على الساحة الشامية حتى في مسألة المحاكم الشرعية، و(4) الرعونة والعناد في التعامل مع القوى الجهادية والمسلحة، و (5) عدم قبول أية صيغة تحاكم شرعي ما لم تكن « الدولة» جزء منها.

           كما انتهت، على الأقل، إلى تباين في المواقف وافتراقات وقعت ما بين: (1) التحذير، و (2) توجيه اللوم لـ « الدولة»، أو (3) إبداء أقصى درجات الحذر تجاهها وحتى الريبة منها، أو (4) رفع الغطاء الشرعي عنها، وحتى (5) إدانتها، .. مواقف وتباينات عبر عنها بعض من أشهر الرموز الجهادية كالشيخ سليمان العلوان والشيخ أبو محمد المقدسي والشيخ أبو قتادة والشيخ د. هاني السباعي، والشيخ د. طارق عبد الحليم، ود. يوسف الأحمد، فضلا عن (6) الصمت الذي ضرب الغالبية الساحقة من المشايخ، وكذا (7) فروع « القاعدة» في العالم، و (8) التيارات الجهادية و (9) المجموعات العقدية التي نأت بنفسها، كما تقول، عن مواطن الخلاف قبل أن يستفحل.

         الأسوأ في هذه الفتنة أنها دفعت أقرب المناصرين للتيار الجهادي و « الدولة» كالشيخ د. طارق عبد الحليم والشيخ د. هاني السباعي إلى التدخل، بعد تريث طويل، وإبداء الرأي بدرجة عالية من المسؤولية دون أن يخلو التدخل من لحظات غاضبة في بعض الأحايين.

           لكن، وبقطع النظر عن وقائع الفتنة فضلا عن الخلاف مع « النصرة»، فمما ينبغي قوله أنه إذا كانت « القاعدة»، أو « الدولة» بالأخص، تقدم كل منها نفسها بوصفها « أطروحة عقدية» وليس « أطروحة أيديولوجية»؛ وإذا كان من واجب « الأمة» وحقها أن تكون شريكة في الجهاد؛ فمن المفترض أن تحصل على ردود عقدية وشرعية صريحة. ولأن فتنة الشام ليست بوزن فتنة الجزائر التي بقيت محصورة في الإطار المحلي؛ ولأنها مهوى أفئدة « الأمة»، فإن تداعياتها بالغة الخطورة. ففي كل بقاع الأرض ثمة مجاهدون ومناصرون وتيارات مدنية ذات طابع عقدي، صارت معرضة لانقسامات طاحنة. وفي السياق يمكن معاينة قسم واقع في حيرة قاتلة، وقسم ينزوي بعيدا، وقسم يَغْرُز عميقا في الغلو، وقسم ضل الطريق، وقسم مخترق يلعب دور الوزغ في الشبكات الإسلامية ومواقع التواصل الاجتماعي ... وغدا الجهاد يتعرض لأذى شديد، فيما القوى الجهادية ورموزها يتعاملون مع « الأمة» بما يشبه الطلاسم أو كما تتعامل القوى الإسلامية التقليدية معها بمنطق القمة والقاع .. فإذا كان الجهاد مكشوفا للأمة فينبغي أن يبقى كذلك شريكا لها وليس تابعا. إذ من الجريمة بحق الأمة والدين أن يغدو الولاء والبراء بين الناس يُحدَّد على قاعدة مع « القاعدة» و « النصرة» أم مع « الدولة»؟ بدلا من أن يبقى مع الله!!!

      2) تساؤلات حول البيعة والولاية الشرعية

           وردت في حيثيات الحكم الذي أصدره الظواهري حول الخلاف الناشب بين « دولة العراق الإسلامية» و « النصرة» عبارات تقطع بأن إمارة الظواهري تمتلك ولاية شرعية وتنظيمية تامة على « الدولة». ففي النقطة الثانية من وثيقة التحكيم وردت العبارة التالية: « وما حدث من كلا الطرفين لم نستأمر فيه ولم نستشر، بل ولم نخطر به»! ثم استخدمت العبارة مرتين في سياق تخطئة الفريقين. وغني عن البيان القول بأن الظواهري ما كان له حق إصدار أية أوامر أو إبداء الرأي أو تلقي إخطارات ما لم يكن صاحب ولاية. كما وردت عبارات آمرة في « البند السادس – ج، جاء فيها: « تلغى دولة الشام والعراق الإسلامية، ويستمر العمل باسم دولة العراق الإسلامية»! وفي « الفقرة – ز« قالت الوثيقة: « يُقّرّ الشيخ أبو بكر البغدادي أميرا على دولة العراق الإسلامية لمدة عام من تاريخ هذا الحكم! يرفع بعدها مجلس شورى دولة العراق الإسلامية تقريرا للقيادة العامة لجماعة قاعدة الجهاد عن سير العمل، تقرر بعده القيادة العامة استمرار الشيخ أبي بكر البغدادي الحسيني في الإمارة أو تولية أمير جديد». ونفس العبارة وردت في « الفقرة - ح» بحق الشيخ أبو محمد الجولاني، بل وزاد عليها في « الفقرة - ط»: « توفر دولة العراق الإسلامية لجبهة النصرة لأهل الشام – على قدر استطاعتها – ما تطلبه جبهة النصرة لأهل الشام من إمداد بالرجال والسلاح والمال ومن مأوى وتأمين».

         من السهولة بمكان ملاحظة أن الكلمات التالية: « تُلغى .. ويَستمر .. يُقّرّ .. يُرفع .. تُقرر .. تُوفر« وردت جميعها بصيغة الأمر لطرفين يرجعان إلى « القيادة العامة» التي بيدها أن « تقرر استمرار» أي من الفريقين على رأس عمله أو « تولية أمير جديد». فبأية صفة تبعث « الدولة» و « النصرة» تقارير عن سير العمل لـ « القيادة العامة» لـ « القاعدة»؟ وبأية صفة تقرر « القاعدة»، بعد عام، استمرار أو عزل الأميرين؟

         في شهادة عمر القحطاني، شرعي تنظيم « الدولة»، ما يؤكد رواية « وثيقة التأسيس» عن عزم البغدادي الالتزام بما يقرره الظواهري حول « الدولة»، ومع بعض التصرف اللغوي للإيضاح، جاء في الشهادة: « يجب على كل مجاهد كان في جبهة النصرة أن يبايع الدولة بمقتضى هذه البيعة وأن يجدد التزامه بها، فإذا أتى فصل الشيخ أيمن الظواهري ( فإن ما قاله) أبو بكر البغدادي نصا: أقسم بالله أن كل من بايع الدولة وبمقتضى أمر الشيخ الظواهري محلول البيعة». أما عن بيعة البغدادي للقاعدة فقد وردت إحداها في شهادة مشفوعة بالقسم لأبي مارية القحطاني، شرعي « جبهة النصرة»، خلال لقائه بالبغدادي « بحضور الشيخ الجولاني وأكثر الأخوة في مجلس الشورى»، ومع بعض التصرف اللغوي أيضا يقول أبو مارية: « ... والله سألت الشيخ أبو بكر البغدادي، فقلت له: الأحرار .. بعض من الأحرار والناس يقولون بأن الشيخ لم يبايع القاعدة؟ فقال لي الشيخ: والله إني بايعته .. ومن باب الإنصاف (فقد) كان الشيخ البغدادي يقول لا نعمل أي عمل حتى نعود لأمرائنا في خراسان .. والله هذا الكلام مستعد أباهل عليه».   

          حاول د. هاني السباعي، من جهته، حسم الجدل حول البيعة عبر سلسلة من التساؤلات الوجيهة وجهها، عبر إذاعة المقريزي، في 15/3/2014 إلى د. أيمن الظواهري. فـ « الدولة» لا تعترف بوجود بيعة لـ « القاعدة»، وهذه لم تؤكد أو تنفي الأمر، وبالتالي فالجواب كما يقول د. السباعي في خراسان. لكن بعد بضعة أيام رد عزام الأمريكي والظواهري بخطابين غاضبين يرثيان فيهما مقتل أبي خالد السوري. ومع أنهما لم يتهما « الدولة» صراحة إلا أن لغة الإدانة كانت تتجه بوضوح نحو « الدولة». وهو ما دفع أنصارها إلى شن حملة إسقاط طاحنة ضد الرجلين، الأمر الذي دفع د. السباعي إلى الرد بقسوة على من وصفهم بـ « السفهاء» معتبرا مفردات الحملة بمثابة « فجور في الخصومة فاق كل اعتبار». لكن بعيدا عن الدخول في « إعلام الفتنة»، لنطرح التساؤلات التالية:

      • لم يبايع الجولاني « الدولة» ليس لأنه « غدر» أو « خان» بحسب توصيفات « الدولة» بل لأن له مشروع يوافق مشروع « القاعدة»، وفي نفس الوقت صار يتعارض مع مشروع « الدولة». والسؤال: إذا كان لـ « الدولة» مشروعها الخاص الذي تطبقه فكيف سيكون ردها إزاء الجماعات الأخرى إذا ما طبقت مشاريعها وفق صيغة « كل ما سيقال»؟ وماذا لو أن جماعة أخرى لديها مشروع إمارة وأعلنته، وفق ذات الصيغة، قبل أن تعلن « الدولة» تمددها أو بعد ذلك، ثم بدأت تمارس سلطة كما تفعل « الدولة»؟ فكيف سيكون رد الفعل الشرعي والتنظيمي لـ « الدولة»!!!؟
      • هل « دولة العراق الإسلامية» ومن بعدها « الدولة الإسلامية في العراق والشام» هي دولة لكل المسلمين أم لجزء منهم؟ وإذا كانت لكل المسلمين فهل يتوجب على « القاعدة» وقيادتها وجماعاتها في الساحات الأخرى مبايعتها؟ وما هي ولايتها الشرعية على بقية الإمارات في أفغانستان والقوقاز ناهيك عن الإمارات التي اختفت في « أبين» و « أزواد»؟ وماذا لو رفضت هذه الإمارات الاعتراف بأية ولاية شرعية لـ « الدولة» خارج العراق أو خارج العراق والشام؟ فهل ستكون إمارات منحرفة منهجيا وعقديا؟
      • إذا كانت « الدولة» صيغة أرقى من صيغة التنظيم أو الجماعة، وهو ما استند إليه البغدادي في خطاب التمدد، فلماذا لم يبايع أبو عمر البغدادي ومن بعده أبو بكر الملا عمر أمير إمارة أفغانستان بوصفها دولة إسلامية وصيغة أرقى من « القاعدة» و « مجلس شورى المجاهدين»، وأسبق في الإعلان؟
      • يحتج مناصرو « الدولة»، وربما قيادتها، بأنها لم تبايع الشيخ أسامة بن لادن ولا الظواهري من بعده، وأنه ما من إعلان يؤكد وجود أية بيعة لأي منهما سوى بيعة الزرقاوي حين كان أميرا لتنظيم « قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، وهذا التنظيم ذاب في « الدولة». لكن هل ثمة ما يؤكد أن أبا حمزة المهاجر الذي خلف الزرقاوي في إمارة التنظيم قد سحب بيعة التنظيم من « القاعدة» الأم  قبل أن يبايع « الدولة»؟ وهل ثمة ما يؤكد أن قادة « الدولة» أيضا سحبوا بيعتهم للشيخين بعد إعلان « دولة العراق الإسلامية»؟

      ثانيا: خطابي الصراع

         تساؤلات لم تعد ذات جدوى. صحيح أن جواهر الصراع كانت تملأ صفحات التواصل الاجتماعي والشبكات الإسلامية وغرف الدردشة فضلا عن النشريات والمقالات وما وصف بالدراسات الشرعية طوال السنة الماضية! لكن أحدا لم يتوقع أن تكون هذه المنشورات المكتوبة والمرئية والسمعية تعبر حقيقة عن مواقف الجانبين نظرا لعدم صدورها عن مؤسسات معتمدة أو شخصيات قيادية. ظل الأمر كذلك إلى أن جاهر العدناني بحقيقة المشكلة في عنوان خطابه: « ما كان هذا منهجنا ولن يكون». أما د. الظواهري فقد سئل في مقابلته الحاسمة مع « سحاب»: « الواقع بين الأمل والألم» عن « حيثيات قرار القيادة العامة لتنظيم القاعدة بقطع العلاقة مع الدولة الإسلامية في العراق والشام»، فأجاب: « هو الاختلاف بين منهجين». ومع أن النصين السمعيين حددا جواهر الصراع بكل صراحة إلا أن أصحاب الهوى والمغرضين والمخترقين وصناع الفتن أصروا على التحدث بمنطق « ولو طارت»!!  

         في العموم، وفي مقابلته، أرجع الظواهري القطيعة مع « الدولة» إلى خلاف منهجي يتعلق بـ (1) رؤية « القاعدة» للصراع. و (2) « عدم الالتزام بأصول العمل الجماعي»، و (3) الحفاظ على « القاعدة» كـ: « رسالةٌ قبل أن تكون تنظيم».

       

         ففي البند الأول ( رؤية « القاعدة» للصراع) ترى « القاعدة» أن منهجها يقضي بـ:

       (1) « التركيز على هُبل العصر أمريكا وحلفائها الصليبيين والصهيونيين وعملائهم الخونة وحشد الأمة وتحريضها على جهادهم وترك المعارك الجانبية». وهو ما التزمت به وشددت عليه حتى بعد سقوط بغداد في 10/4/2003، بل أن تأخر بيعة الزرقاوي لـ « القاعدة» كان على خلفية الموقف من قتال الشيعة. فـ « القاعدة» كانت ترى تركيز الصراع ضد الأمريكيين وقوى الغزو وتحييد القوى الأخرى، في حين كان الزرقاوي يرى أنه لا بد من قتال الشيعة خاصة وأنهم تحولوا إلى طابور خامس في قتال السنة. أما بيعة الزرقاوي لـ « القاعدة» فتمت على أساس التحييد مع إعطائه حق تقييم الوضع في الساحة والعمل بما يراه ضروريا دون إسقاط فرضية التحييد ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

       

           فالدخول في صراع مع القوى الخصيمة سيؤدي إلى انزلاق الصراع بحيث يشمل القوى المخالفة. ونظرا لسيل الاتهامات التي لاحقت « القاعدة» فقد اضطرت إلى الدفاع عن نفسها بسلسلة من المرئيات التي صدرت عن قياداتها البارزة بدءً من الشيخ أسامة بن لادن والظواهري بما في ذلك مصطفى أبو اليزيد وأبو يحيى الليبي وعطية الله.

       

       وضمن البند الأول فإن من منهج « القاعدة» أيضا: (2) « الاحتياط بالدماء وتجنب العمليات التي قد تسفك فيها دماء بغير حق في الأسواق والمساجد والأحياء السكنية بل وبين الجماعات المجاهدة».

       

           في سياق البند الأول أيضا، ووفقا لمقابلة الظواهري إياها، أكدت « القاعدة» « منهجيا» على: (3) « الحرص على تجميع الأمة وتوحيدها حول كلمة التوحيد والعمل على عودة الخلافة الراشدة التي تقوم على الشورى والرضى من المسلمين». وتبعا لذلك، يقول الظواهري: « أصدرنا وثيقة نصرة الإسلام ( رمضان 1433 هـ - 2012) لجميع العاملين في الإسلام لجمعهم على كلمة سواء، ولذلك لا يمكن أن نجمّع الأمة إذا كانت صورتنا هي صورة المتسلط عليها، المغتصب حقوقها، أو المعتدي عليها، أو القاهر لها».

       

         لكن المشكلة مع « الدولة»، بحسب الظواهري، في « عدم الالتزام بأصول العمل الجماعي». يسأل المذيع: مثل ماذا؟ فيحدد الظواهري نقظتين بالغتي الأهمية، لم يسبق لـ « القاعدة» أن أفصحت عنهما، وهما:

       

      (1)  « إعلان دولٍ دون استئذانٍ بل ولا إخطار». هنا يكشف الظواهري عما بدا تفاهمات مسبقة حول الساحة الشامية بين « القاعدة» و « الدولة» عشية تأسيس « النصرة»، فيقول: « كان التوجيه من القيادة العامة أن لا نعلن أي وجود علني للقاعدة في الشام وكان هذا الأمر محِل اتفاق حتى مع الأخوة في العراق»! لكننا ( والكلام لمّا يزل للظواهري): « فوجئنا بالإعلان الذي وفّر للنظام السوري ولأمريكا فرصة كانوا يتمنونها»، فضلا عن: « جعل عوام أهل الشام يتساءلون ما لهذه القاعدة تجلب الكوارث علينا؟ ألا يكفينا بشار؟ هل يريدون أن يجلبوا علينا أمريكا أيضا؟ ».

       

      (2)  « عدم الالتزام بقرارات القيادة في تقسيم الصلاحيات أو في إيقاف القتال في الفتنة. وكان من أهم أسباب صدور الفصل المعروف في مشكلة الشام هو تخوّفنا من تلك الفتنة الدامية التي تعصف بأرواح الآلاف من المجاهدين اليوم. ولعل الجميع يدرك أن هذا الفصل لو كان الجميع قد التزم به لكانت آلاف الدماء قد حُقنت، وتفرقت الجهود لقتال أعداء المسلمين بدلاً من أن تنشغل عنهم بقتال المسلمين».

       

          في رثائه لأبي خالد السوري وجه الظواهري في 4/4/2014، ومن قبله بيومين عزام الأمريكي، خطابا غاضبا يتهم فيه الغلاة وأحفاد ابن ملجم بجريمة الاغتيال. ومع أن الخطابين لم يتهما « الدولة» صراحة بالمسؤولية عن الجريمة إلا أنهما بديا أقرب إلى اتهامها من أية جهة أخرى لاسيما وأن عزام الأمريكي دعا إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للوصول إلى الجناة ومعاقبتهم.

        في المقابل رد العدناني بخطاب هجومي حاد أعلن فيه رسميا وصراحة، وللمرة الأولى، أن « القاعدة» انحرفت. فقد: « صبرنا وصبرنا؛ ننشر المحاسن، ونستر العيوب، حتى بدأنا نرى انحرافًا، فصبرنا ورحنا نتأول لأهل السبق والفضل، إلا أن الأمر استفحل، وبات الانحراف واضحًا .. لقد انحرفت قيادة تنظيم القاعدة عن منهج الصواب» .. وتكررت العبارة بعدة صيغ مثل: « إن القاعدة اليوم: لم تعد قاعدة الجهاد .. ليست بقاعدة الجهاد .. إن القاعدة اليوم لم تعد قاعدة الجهاد .. القاعدة انحرفت وتبدّلت وتغيّرت».

       

         في الخطاب يمكن ملاحظة « مظاهر الانحراف» في كون « القاعدة» اليوم: (1) « يمدحها الأراذل، ويغازلها الطغاة، ويناغيها المنحرفون والضالّون»؛ و (2) « يتخندق بصفها الصحوات والعلمانيون، الذين كانوا بالأمس ضدها، فيرضون عنها اليوم، ويقتلون المجاهدين بفتاويها»؛ وأن: (3) « قيادتها باتت معولاً لهدم مشروع الدولة الإسلامية والخلافة القادمة بإذن الله». كما يمكن ملاحظة « حيثيات الانحراف» في أن قيادة « القاعدة»: « (1) حرفوا المنهج، و (2) أساؤوا الظن، و (3) قبلوا بيعة المنشقين، و (4) شقوا صف المجاهدين، و (5) بدؤوا بحرب دولة للإسلام». لكن جواهر الخلاف كانت على النقيض من كل ما قيل خلال السنة الماضية. وهو ما سنفصل به لاحقا.

         بعض الملاحظات الفارقة على الخطابين:

      • لم تكن « القاعدة» راضية كل الرضا عن « دولة العراق الإسلامية» ، وبلسان الظواهري: « كنت وإخواني نمدحها على الخير الذي فيها ونحاول إصلاح غير ذلك من نصح والتوجيه والأوامر ما استطعنا». وهو هنا يتحدث عن قيادة « القاعدة» قبل اغتيال أبرز قياداتها.
      • تحدث الظواهري عن أن وثيقة « توجيهات عامة للعمل الجهادي – 16/9/2013» صدرت: « بعدما أرسلناها للتشاور لجميع الإخوة»، ولا ندري ما إذا كانت « الدولة» ممن جرى التشاور معهم. أما سبب الإصدار فهو: « التخوّف مما يقع الآن، ولعل الجميع يدرك الآن بعد أن اصطلى بنار هذه الفتنة ما هي المخاطر التي كانت تسعى تلك الوثيقة لتجنبها». ومن جهته قرأ العدناني البند الخامس فيها في ضوء ما اعتبره الانحراف المنهجي لـ « القاعدة»، بعيدا عن الولاء والبراء، حين قال: « وأصبح النصارى المحاربون، وأهل الأوثان من الهندوس والسيخ وغيرهم: شركاء الوطن؛ يجب العيش فيه معهم بسلام واستقرار ودعَة». في حين يقول البند، كما ورد في الوثيقة،: « عدم التعرض للنصارى والسيخ والهندوس في البلاد الإسلامية، وإذا حدث عدوان منهم فيكتفي بالرد على قدر العدوان، مع بيان أننا لا نسعى في أن نبدأهم بقتال، لأننا منشغلون بقتال رأس الكفر العالمي، وأننا حريصون على أن نعيش معهم في سلام ودعة إذا قامت دولة الإسلام قريبًا إن شاء الله».

           وذات الأمر حصل فيما يتعلق بالشيعة. ففي حين رأى العدناني أن « القاعدة» صارت ترى في: « الرافضة المشركين الأنجاس: فيهم أقوال»، بينما: « هم موطن دعوة لا قتال»، دعا البند الرابع من الوثيقة إلى: « عدم مقاتلة الفرق المنحرفة مثل الروافض والإسماعيلية والقاديانية والصوفية المنحرفة ما لم تقاتل أهل السنة، وإذا قاتلتهم فيقتصر الرد على الجهات المقاتلة منها، مع بيان أننا ندافع عن أنفسنا، ويتجنب ضرب غير مقاتليهم وأهاليهم في مساكنهم وأماكن عبادتهم ومواسمهم وتجمعاتهم الدينية. مع الاستمرار في كشف باطلهم وانحرافهم العقدي والسلوكي. أما في الأماكن التي تقع تحت سيطرة المجاهدين وسلطتهم فيُتعامل مع هذه الفرق بالحكمة بعد الدعوة والتوعية وكشف الشبهات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما لا يسبب ضررًا أكبر منه، كأن يؤدي لطرد المجاهدين من تلك المناطق، أو لثورة الجماهير ضدهم، أو لإثارة فتنة يستغلها أعداؤهم في احتلال تلك المناطق».

      • تحدث الظواهري أيضا عن اتفاق مسبق بين « القاعدة» و « الدولة» يقضي بتجنب أي ظهور علني لـ « القاعدة» في الشام، إلا أن « الدولة» خالفت « التوجيه». ولعل في هذا ما يفسر تخطئة الظواهري للجولاني الذي كشف عن علاقة « النصرة» بـ « القاعدة»، وفي نفس الوقت ينقض أطروحة العدناني عن أن التمدد وقع لمنع الانشقاق.
      • تحدث العدناني في موضع من خطابه عن أن قيادة « القاعدة» انحرفت بدليل أنهم: « قبلوا بيعة المنشقين»، لكنه في موضع آخر أكد على أن: « الخلاف بين الدولة والقاعدة ليس على قتل فلان، أو على بيعة فلان، ولا على قتال صحوات أيدونا عليه سابقًا في العراق! القضية قضية دين اعوج، ومنهج انحرف»!!
      • تطرق العدناني إلى مقتل الشيخ أبي عبد العزيز القطري في بداية الفتنة، متسائلا عن « صمت» الخصوم، بمن فيهم « القاعدة»، الذين، بحسبه،: « لم يبكوه ولم يحرّضوا على قاتله أو يطالبوا بدمه، رغم أنه أفنى عمره متنقلاً بين الساحات وفي السجون» كحال الشيخ أبو خالد السوري، متسائلا: « ألأنه ثابت أن الدولة لم تقتله؟ وهل كانوا سيسكتون لو لم يُعرَف قاتله؟!، أم يتّهمون الدولة؟! »، وهو في ذلك يلمح إلى الحملة الضارية التي شنها الخصوم ضد « الدولة» متهمين إياها بمقتل السوري. لكنه في بيان النفي قال: « لم نستأمر ولم نأمر» ولم يتساءل بذات العبارة: « ألأنه ثابت أن الدولة لم تقتله»؟

      ثالثا: جواهر الصراع

          لا ريب أن « القاعدة» و « الدولة» وقعا ضحية الأيديولوجيا في مواضع عقدية كمسألة « الخلافة و « تطبيق الشريعة»، مثلما وقعا في خلافات منهجية في مستوى العقيدة وأخرى في مستوى السياسة الشرعية. ومن المفترض أن كلا الجانبين ينطلقان من ذات العقيدة التي تؤمن بوجوب هدم النظام الدولي القائم أو إعادة هيكلته من جديد، وبصورة مغايرة تماما لمنطق الهيمنة السائد، الذي اغتصبت سلطان « الأمة» ممثلا بالخلافة، وفرض نظام الوصاية والرقابة والتحكم والسيطرة على العالم الإسلامي، وحرمانه من حريته وحقه في العيش بمقتضى شرائعه وثقافاته وتاريخياته. لكن حين يتحدث كل طرف عن انحرافات منهجية عند الطرف الآخر فلا شك أنه ثمة أطروحات بعينها تسببت بهذا الخلاف الذي انتهى إلى مواجهات دموية في ساحة الجهاد الشامي على وجه التحديد، وانقسامات في صفوف أنصار التيار الجهادي في الساحات الأخرى. وسنحاول تقصي الخلاف عبر ثلاثة مفاهيم يختلف عليها الجانبين هي « الأمة» و « الثورة» و « المكانة».

      (1)     « الأمة»

       

      أولا: « الأمة» في خطابات « القاعدة»

          هو أكثر المفاهيم المثيرة للجدل بين « القاعدة» و « الدولة»، خاصة من جهة « الدولة». والثابت أن الخلاف حول ماهيته لم يتضمنه أي خطاب لـ « الدولة». ولم يظهر الخلاف بالصورة التي سنتحدث عنها تاليا إلا في أعقاب الانقسام الذي وقع بين « النصرة» و « الدولة». ولا يعني هذا أن الجانبين كانا متوافقين على المفهوم بقدر ما بدا أن الظروف لم  تسمح للخلاف حول المفهوم بالظهور قبل الانقسام.

           منذ نشأتها وتبلورها في صيغة « الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين - فبراير 1998» لم يغب مفهوم « الأمة» عن « القاعدة» في الغالبية الساحقة من خطاباتها. وفي مقابلة له مع قناة « الجزيرة - 20/9/2001» تحدث الشيخ أسامة بن لادن عن تحرير بيت المقدس ومقاتلة اليهود والأمريكيين قائلا: « نحن واجبنا ... أن نحرض الأمة على الجهاد في سبيل الله ضد أميركا وإسرائيل وأعوانهم، وما زلنا في هذا الخط نحرض الناس، وما حصل بفضل الله – سبحانه وتعالى- من تحرك شعبي في هذه الشهور الأخيرة مبشر في الاتجاه الصحيح لإخراج الأميركان من بلاد المسلمين .. »، وأضاف: « أنا حرَّضت الأمة على الجهاد مع كثير من إخواني ومن علماء المسلمين .. الشيخ عبد الله عزام – عليه رحمة الله- هو رجل بأمة حرَّض الأمة من أقصى المشرق لأقصى المغرب .. نحن على يقين أن الأمة اليوم تستطيع – بإذن الله سبحانه وتعالى- أن تجاهد ضد أعداء الإسلام، وبخاصة ضد العدو الأكبر الخارجي التحالف الصليبي اليهودي ... ».

          وحين أشار المذيع إلى مرضه قال: « الصواب أن الأمر ليس متعلق بأسامة، هذه أمة من 1200 مليون مسلم لا يمكن قطعاً حتماً أن تدع بيت الله العتيق لهؤلاء المناجيس المناكيد من اليهود والنصارى، فالأمة – بإذن الله- مواصلة ونحن مطمئنون إلى أنهم سيواصلون الجهاد والضرب المؤلم لأميركا وأعوانها بإذن الله».


         « نحن جزء من أمة واحدة» .. عبارة لخص بها الشيخ أسامة موقع « القاعدة» من « الأمة»، وهويتها ومكانتها باعتبارها « جزءً» من كلية مترامية الأطراف وليست « كلاً» ممثلا للأمة أو بديلا عنها أو وصيا عليها أو خارجا عنها. وفي 23/10/2007 أصدر الشيخ أسامة خطابا بعنوان: « إلى أهلنا في العراق» دعا فيه إلى « عام الجماعة»، وفاضل في المصلحة بين ثلاثي «الفرد» و « الدولة» و « الجماعة» (الأمة)، فقال: « أخوة الإيمان هي الرابطة بين المسلمين وليس الانتساب إلى القبيلة أو إلى الوطن أو إلى التنظيم فمصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد. ومصلحة الدولة المسلمة مقدمة على مصلحة الجماعة. ومصلحة الأمة مقدمة على مصلحة الدولة. فيجب أن تكون هذه المعاني واقعاً عملياً في حياتنا».

          إلى هذا الحد لدينا نموذجين من خطابات الشيخ أسامة في موقفه من « الأمة». لكن ثمة عديد النماذج. ولولا أننا سنعالج مفهوم « الثورة» لاحقا لرأينا كيف هي النظرة العميقة للشيخ أسامة تجاه « الأمة» في خطابه الأخير: « كلمة إلى الأمة المسلمة – 21/5/2011»، الذي تحدث فيه بإسهاب عن « الثورات» و « الأمة».

         في « لقاء مع أعضاء منتديات شبكة الحسبة - 1428 هـ» حدد الشيخ عطية الله، من جهته، الدور الوظيفي الذي تلعبه« القاعدة»، باعتبارها « جزء من أمة واحدة». فأكد على أن المجاهدين: « هم أشفق الأمة على الأمة وأحرصهم على هدايتها وتكميلها وإصلاحها وتحصيل كل خير لها». ووصل به الوصف إلى حد القول بأن: « مصلحة المجاهدين بالضرورة تقتضي تألّـف واصطناع عموم الأمة، حتى المنحرفين منهم وفجارهم أحيانا على تفاصيل تعرَف في موضعها».

           حتى « المنحرفين منهم وفجارهم» كانوا حاضرين أيضا في أول حوار مرئي أجرته معه مؤسسة « سحاب»: « حصاد 7 سنوات من الحروب الصليبية - 21 رمضان 1429 هـ»، وتبعا لذلك لم يستثن من « الأمة» اهتمام المجاهدين حتى بأصحاب الأيديولوجيات القومية والإلحادية الذين نالهم النصح: « أود أن أذكر الذين انحرفوا عن الإسلام فانزلقوا في المناهج اليسارية والاشتراكية والقومية والناصرية وأشباهها. فأقول لهم لقد انهارت الشيوعية ولا زلتم تنشدون أناشيدها، وباع أساطين القومية فِلسطين ولا زلتم تتغنون بقوميتكم، وتنازل عبد الناصر، وقبِل القرار 242، وتنازل القذافي عن كل العروبة والعرب».

         حتى في أسوأ مكوناتها وأحوالها، لم تتنكر « القاعدة» لـ « الأمة». وفي تقييمه لظواهر الصحوات والمجالس السياسية للمقاومة وجبهات التوافق القومية الوطنية التي ظهرت في العراق بعد احتلاله لاحظ الشيخ عطية الله في ذات اللقاء المرئي أن ما أسماه بـ: « ظواهر مرضيّة تعكس حالة الخلخلة الدينية والانحطاط الذي تعيشه الأمة للأسف .. »، هي في الواقع ظواهر طبيعية لـ: « بلد يعيش حالة تراكم أخطاء تاريخية وإرثاً ثقيلاً وعجيباً أيضاً من الفساد الديني والاجتماعي وتناقضات كبيرة جداً، فطبيعيّ أن تكون هناك مشاريع مختلفة وإرادات وأهواء، وهي تبقى دائما منحصرة في مشروعين لا غير: (1) مشروع الجهاد في سبيل الله، و (2) مشاريع أخرى متعددة مهما تعددت أسماؤها وشعاراتها ولافتاتها ... وهي كلها نبتات على حافة السيل .. ».

       

         وتبعا لذلك فإن الصراع هو: « صراع الحق والباطل». لكن، وبحسب عطية الله، فإن: « (1) المسألة في تطور الفهم عند جماهير الأمة وعند نخبها الصالحة وأجيالها وقواها الفاعلة .. (2) المسألة مسألة نضج،     وهذا يحتاج إلى شيء من الوقت، وفي ضمن ذلك معاناة ومكابدة .. سنةَ الله. والمجاهدون إن شاء الله هم أهل الصبر والمصابرة والعزم، وفقهم الله».

        وفي سياق الرد على الاتهامات الموجهة لـ « القاعدة» بخصوص العمليات التفجيرية، أكد عطية الله في كلمته الشهيرة: « تعظيم حرمة الدماء - 2013-10-09، على واقع « الأمة» وحرمة دمائها بالقول: « شعوبَ أمّتنا .. هي شعوبٌ مسلمةٌ يجبُ علينا كما يجبُ على كل فردٍ قادرٍ مِن أفرادِ هذه الشعوبِ أن يسعى في إنقاذِها وتخليصِها وهدايتِها والرقيِّ بها في مدارجِ الصلاحِ والعزةِ والكرامةِ, لا إعمال التقتيلِ فيها والنهبِ لأملاكها وزيادةِ معاناتها وبؤسها ومآسيها. و: « نحن بريئونَ مِن أيِّ عملٍ مِن هذا النوعِ تقومُ بهِ أيةُ جهةٍ كانت وفي أيِّ مكانٍ كان, سواءٌ كانت عصاباتٍ مجرمةً تنتسبُ إلى العدوِّ, أو شركاتٍ أمنيةً كافرةً مرتزقةً أخزاها اللهُ, أو كانت تنتسبُ إلى المسلمينَ وإلى المجاهدينَ وتهاونتْ وفرّطت» .. وقدم حرمة الدماء على كل ما عداها على وجه الأرض: « فلتزُل الدنيا ولنفنَ ولتفنَ تنظيماتُنا وجماعاتُنا ومشاريعُنا ولا يُراقُ على أيدينا دمُ مسلمٍ بغيرِ حقِّ, إنها مسألةٌ حاسمةٌ في غايةِ الوضوح».


         أما المسؤول العام لـ « القاعدة» في أفغانستان، مصطفى أبو اليزيد، فقد تلقى سؤالا من مراسل قناة « جيو – 22/7/2008» الباكستانية يقول: « هل القاعدة نفذت العملية على السفارة الدنماركية؟ »، فأجاب: « نحن نقاتل من أجل الدفاع عن الأمة وليس من أعمالنا قتل أبنائها». وفي كلمته « الآن جاء القتال – 11/9/2007» قدم عرضا وافيا عما تعرضت له « الأمة» من تخريب وتضييق وأذى منذ تأسيس النظام الدولي غداة الحرب العالمية الأولى. ولاحظ أن: « أجيالا نبتت على هذا الحال المضطربة استمرأت الذل والهوان حتى كادت أن تندرس معالم الإسلام لولا أن الله سبحانه وتعالى .. قيض من يجدد لهذه الأمة دينها فكانت ساحات الجهاد ومعاركه وملامحه .. مدارسه ومعسكراته في أفغانستان وغيرها, ثم كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر فقلبت صفحة التاريخ وغيرت معالم الأحداث».

        وعن أثر مشاركة المجاهدين في « الأمة» على مقاتلي الشعب الأفغاني في محنته قال أبو اليزيد في لقاء مع قناة « الجزيرة – 21/6/2009» أن الأفغان: « إخواننا في أكثر الجبهات وأكثر المدن الأفغانية وهم يقاتلون جنباً إلى جنب مع إخوانهم من مجاهدي الإمارة الإسلامية، وهذا كان له تأثير إيجابي معنوي كبير على معنويات المجاهدين في أفغانستان؛ حيث شعروا أن هذا الجهاد جهاد الأمة الإسلامية كلها»، وإن: « عقيدة الولاء والبراء التي يسميها الأعداء فكر القاعدة، هي في الحقيقة فكر الإسل