فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الرد على الشيخ أحمد بن عمر الحازمي 5

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،

      27)   ونود أن نقرر هنا أن الأمر في هذا الخلاف كان من الممكن أن يبقى في الحيز الأكاديميّ، لكن المشكلة أنّ قد بلغنا أن الكثير من الإخوة من عوام المسلمين، خاصة في تونس، قد تأثّروا بكلام الشيخ. ثمّ إنه قد ذهب منهم إلى جبهة الجهاد في الشام عددٌ، فدافعوا ونافحوا عن هذا النظر وتعَصّبوا له، سواءً في الدولة أو في النصرة أو غيرهما، مما أدّى إلى حدوث تطرفٍ مقيتٍ، وتكفير بتعميم وتعيين، ممن ليس له قدرة على النظر ابتداءً، إلا اعتماداً على قول الشيخ فيها، أو اعتبار بعض الأقوال نقلاً دون التمكن من آلة النظر. وأدى إلى الطامة الكبرى التي سنذكرها بعدُ من إطلاقه القول بأن العوام يمكنهم أن يكفِّروا من ثبت كفره "عندهم أو عنده!". وقد أدى ذلك كما قلنا إلى تكفيرات متبادلة بين الفصائل، وإلى قتل أنفسٍ حرّم الله قتلها إلا بالحق. وما أرى إلا أنّ بعضا من وزر ذلك التكفير وتلك الدماء يقع على من أعطى هؤلاء السمّ الزعاف ليكون شفاءً ودواءً في رأيه، فإذا بهم يستخدمونه حراباً وسهاماً ضد إخوة لهم في الدين، وضد عوامٍ لا يحل دمهم إلا بالحق. وقد رأينا وسمعنا عن "شرعيين" يحكمون بردة على فصائل، من كل الأطراف.

      28)   أما عن مسألة أن العوام لهم، بل يجب عليهم، الحكم بالتكفير في هذه الأمور الشّركية، فهذه طامّة كبرى وضلالة عظمى تؤدى إلى هرجٍ عظيم وبلاء مقيم. فإنه قد أجمع العلماء على أنه ليس للعاميّ أن يفتى غيره ولو في الاستنجاء من الخراءة بلا علم[1]، فهل تكون نجاسة دُبر أحدهم أهمّ من إعلانه كفر معيّن، وما يترتب على ذلك من تصرفات تقع بين الناس، من عدم صلاة خلفه، ومنع دفنه في مقابر المسلمين، وعدم صحة إرثه ومنع زواجه من المسلمات، وغير ذلك؟ أيكون هذا منطقاً صواباً؟ ووالله لئن كان منع هذا من باب سدّ الذريعة إلى هذا الهرج، أو درء مفسدته لكفى به دليلاً. وقد أمر الله سبحانه كلّ من ليس لديه أداة العلم لمعرفة حكمٍ شرعي أن يرجع إلى من عنده الأداة قال تعالى في موضعين من كتابه الحكيم "فَسْـَٔلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" الأنبياء 17&النحل 43. قال الإمام السعديّ "وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل. فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة" تفسير السعديّ، أي تبعة الاجتهاد بنفسه.

      29)   وما على العاميّ إلا أنْ ينكر هذا الفعل، ويردّه ويوضح لمن يراه واقع في عمل شركٍ أنّ هذا شرك مناقض للإسلام. أمّا أن يقرر ما إذا كانت هذه الصورة حقاً من الشرك الأكبر، دون أن يعرف إن وُجد مانع أو تخلف شرط أو خلاف ذلك، خاصة عند من يقول بضرورة التأكد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع كما صرح بن تيمية بذلك، ويكفّر الفاعل عيناً مباشرة، فإنّ ذلك لا يصح على وجه الإطلاق.

      30)   وقد وردت بعض ردود على هذا البحث، منها ما هوسبٌ وقذف، وهو ما نوكل أمر قائليه من الأصاغر إلى الله، ومنها ما هو محاولات ممن هو جديد في مضمار العلم، وممن تكلم قبل أن يتعلم. لكن لم أرى في أيّها ما يحمل على رفع القلم، إلا تعليقاً ورد عن تكفير الإمام أحمد لمن قال بخلق القرآن وتكفير من لم يكفره. وهذا قولٌ مردود عليه. فأولاً لم يسمع أحدٌ أنّ أحمداً قد كفر المأمون ولا الواثق ولا المعتصم، ولا حتى أحمد بن أبي دؤواد، لا قبل المحنة ولا بعدها، بل ثبت عنه هذا القول العام لاغير. ثم ثانياً، فإن مسألة خلق القرآن أصلاً كانت مما يُمتحن بها العلماء لا العوام الجهلة، وهم ممن بلغتهم الحجة وهم على علم بها. وثالثاً فإن تكفير القائل بخلق القرآن يعنى إنكار علم الله الأزليّ، وهذا القول، من عالمٍ يعلم الحجة، كفر لا شك فيه، وليس للعاميّ دخلٌ بهذا. وهذا غير الموضع الذي نتحدث فيه بالكلية، فالاستشهاد به ساقط.

      31)   وأخيراً، فإني أبرأ الله من الهوى والتعصب، فوالله قد دوّنت في ذمّهما كتاباً كاملاً، ولا يُفلح صاحبهما في الدنيا ولا في الآخرة. وقد كتبت هذا المبحث لبيان أنّ القول بتكفير العاذر بإطلاق في مسألة العذر بالجهل كافر، كما ورد في حديث بعض الفضلاء، خطأ وتأوّل على الله وغلوٌ وخروج عن حدّ الإنصاف، وعلى قول جماهير علماء السلف، ومن تبعهم بإحسانٍ من الخلف، وأنّ إطلاق الأمر للعامة في التكفير، هو خطرٌ من أكبر المخاطر على الأمة، خاصة إن كانت مناطاته في مواطن اقتتال بين المسلمين، كما هو في الشام اليوم.

      اللهم إنّا نُشهِدك أننا لا نحمل شنآنا لأحد من أهل التوحيد، لكننا، يشهد الله، قد آلينا على أنفسنا منذ عقود أن نذبّ عن السنة وعمّا أجمع عليه علماء أهلها وجماعتهم، فيما نرى فيه انحرافاً عنها.

      اللهم اجعل هذا البحث مقبولاً لديك خالصاً لوجهك، صواباً على سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، واغفر لي تقصيرى إن قصّرت، وخطئي إن أخطأت، إنك وليّ ذلك والقادر عليه.

      د طارق عبد الحليم

      15 جمادى أول 1435 - 16 مارس 2014

      [1]  ونرى أنه من العبث نقل أدلة ذلك فهو من المعلوم الثابت عند أقل الناس علماً، وهذا الإطناب البارد في كثرة النقول، إلا ما يكفي لإثبات المقصود إن لزم، هو مظهرٌ من مظاهر طريقة متكلمي السلفية السعودية، سرورييها وإخوانها ومتطرفيها جميعاً. وقد أثر هذا بشكلٍ عظيم على ذوق العامة من المسلمين، فالعالم عند هؤلاء هو من وضع في كلامه عددا من النقول أكثر من غيره، والله المستعان، وهذا لعدم استقامة الفهم وانحراف الفطرة.