فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الرد على الشيخ أحمد بن عمر الحازمي 4

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،

      11)   نودّ أن نذكر القارئ الكريم أنّ الأصل الذي يقوم عليه دين الحنيفية لا خلاف عليه فيما نتحاور فيه، فقد قال تعالى "إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَـٰمُ"آل عمران 19، وقال "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلْإِسْلَـٰمِ دِينًۭا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآَاخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ" آل عمران 85. ودين الإسلام يقوم على التوحيد، ربوبية وألوهية، لا يعنى أحدهما عن الآخر. وأن الأنبياء قد جاءوا بتوحيد العبادة، وأنّ "وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌۭ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ"الأنفال 39. وأنّ كلمة التوحيد هي عنوانه لا حقيقته، إثباتاً ونفياً، وهي حقيقة الإيمان بالله والكفر بالطاغةت. وأنه على من جاء بها أن يعرفها حق المعرفة، ويصدّق بها ويلتزمها ظاهراً وباطنا، التزام طاعة وقبول. وأن توحيد الطاعة يكون بالتزام التحاكم له تشريعاً، "أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا "الأنعام 144،  "وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ"المائدة 44، وولاءً "قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّۭا"الأنعام 14، "وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمْ"المائدة 51، ونسكاً وشعائراً لا تُصرف إلا له سبحانه "لَهُۥ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ ۖ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ "الرعد14، "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَـٰفِلُونَ"الأحقاف 5.  

      12)   والمسألة التي نحن بصددها هي بشأن عارضً من العوارض الأهليه[1] التي تُلمّ بالمسلم، فتغير من الحكم المماثل في العادة، وهو عارض الجهل. والحق أنّ النزاع هنا يختصّ بحكم العاذر في عارض الجهل.

      13)   نقلنا من قبل قول بن تيمية "والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، وإما مخطيء ضال، و أما بالمعنى الذي نفاه الرسول - صلى الله عليه وسلم-: فهو أيضاً مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضاً كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها"[2] . ومربط الفرس في قوله " إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها". وهو عين ما ذكره في موضع آخر عند حديثه عن جماعة الشيخ يونس وهو من العامة الذين يجهلون حقيقة قولهم.

      14)   ويؤكد بن تيمية هذا المذهب فيقول في الجزء الأول من الفتاوى "وأما الداخلون في الإسلام إذا لم يحققوا التوحيد واتباع الرسول، بل دعوا الشيوخ الغائبين واستغاثوا بهم، فلهم من الأحوال الشيطانية نصيب بحسب ما فيهم مما يرضى الشيطان. ومن هؤلاء قوم فيهم عبادة ودين مع نوع جهل، يحمل أحدهم فيوقف بعرفات مع الحجاج من غير أن يحرم إذا حاذى المواقيت ولا يبيت بمزدلفة، ولا يطوف طواف الإفاضة، ويظن أنه حصل له بذلك عمل صالح وكرامة عظيمة من كرامات الأولياء، ولا يعلم أن هذا من تلاعب الشيطان به"ج1. وهو قولٌ مُحكمٌ في المسألة.

      15)   أما عن التأويل فيقول رحمه الله "فالمتأول والجاهل المعذور ليس حكمه حكم المعاند والفاجر بل قد جعل الله لكل شيء قدرا"مجموع الفتاوى ج3، كما يقول "وإذا كان المسلم متأولا في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك، كما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي : «إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدل فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وهذا في الصحيحين. وفيها أيضا من حديث الإفك أن أسيد بن الحضير قال لسعد بن عبادة: أنك منافق تجادل عن المنافقين، واختصم الفريقان، فأصلح النبي بينهم. فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم إنك منافق، ولم يكفر النبي لا هذا ولا هذا بل شهد للجميع بالجنة" مجموع الفتاوى ج3. فها هو ينكر تكفير المتأول، الذي جزم الحازميّ بكفره.

      16)   ثم يقول بن تيمية رحمه الله، وهو قولٌ فصلٌ ندعو القارئ الحصيف أن يتأمله جيداً، إذ يمسّ عين المسألة التي أُتي منها الشيخ الحازميّ هداه الله، وهي الإطلاقات والتعميمات، دون النظر إلى التخصيصات والمقيدات، أو الأحوال والمناطات. قال بن تيمية "فهذا الكلام يمهد أصلين عظيمين : " أحدهما "أن العلم والإيمان والهدى فيما جاء به الرسول وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق فنفي الصفات كفر والتكذيب بأن الله يرى في الآخرة أو أنه على العرش أو أن القرآن كلامه أو أنه كلم موسى أو أنه اتخذ إبراهيم خليلا كفر وكذلك ما كان في معنى ذلك وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث. و" الأصل الثاني " أن التكفير العام - كالوعيد العام - يجب القول بإطلاقه وعمومه. وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار: فهذا يقف على الدليل المعين فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه". وهو كلامٌ يُحفر في مآقي العيون، إذ يشير فيه بوضوح إلى منشأ الخلل عند الكثير من الفضلاء ممن تجاوزا إلى الغلو. فالتكفير العام كالوعيد العام، يجب إعتبار شروطه وانتفاء موانعه، وهو يتحدث في أمور العقيدة هنا حتى لا يموّه أحد أنّ ذلك في مجارى الأحكام! وهذا الكلام يتسق مع مذهب بن تيمية رحمه الله. ونحن نحمله هنا على العاذر في هذه المسألة، أو على من تلبس بهيئة شركٍ لم نتحقق من مناطه.

      17)   ويقول الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، في كلام واضحٍ مُحكم "وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم :إنا نكفّر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان، الضي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله. وإذا كنا: لا نكفر من عبد الصنم، الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفّر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر الينا؟ أو لم يكفر ويقاتل (سبحانك هذا بهتان عظيم)النور16"[3]. أفبعد هذا البيان بيان؟ أنحتاج إلى الإطناب في سرد الأدلة بعد ما ذكر شيخ الإسلام في هذا الموضع. وشيخ الإسلام يتحدث هنا عن الفاعل للشرك، فكيف بمن عذره؟ نعم والله، هذا بهتانٌ عظيم. ولو طردنا مذهب الحازميّ لكفرنا شيخيّ الإسلام بن تيمية وبن عبد الوهاب! وما أحسبه يقول بذلك.

      18)   قد احترز الشيخ الحازميّ من مثل هذا القول، فكرّر، عشرات المرات، أنه يجب الاعتصام بالكتاب والسنة، وأنه لا يجب أن يبالى أحدٌ بقول غيرهما، ومثل هذا مما أطلقه كثير ممن قال ببدع شنيعة من قبل، وإن كنا لا نخفض الحازميّ لمصاف المبتدعة، إلى ساعتنا هذه، إلا أن يبيّن ويرجع إلى الانصاف. وهو كلامٌ يخيّلُ على الأتباع ممن هم من الدهماء، فيظهره كأنه قوة في الدليل وهو في حقيقته خلاف ذلك. وشيخيّ الإسلام يتبعان الكتاب والسنة، ولكن يعرفان خطأ التعميم في التكفير، الذي هو مذهب الحازميّ، حتى لو أنكره الحازميّ عن نفسه، أو أنكره عنه مقلدوه. كما أنّ شيخيّ الإسلام يعرفان مقام إقامة الحجة، والبيان، من عدمهما، وضرورة الاستتابة ومعناها، والفرق بين الجاهل والمخالف المعاند، هذا كله ونحن نرى رأينا الذي قدمناه من قبل في كفر من ارتكب شركاً بيّنا لا شكّ فيه، لكنّا لا ننزع إلى مثل هذا الغلو الذي يكفّر من يرى عذراً بجهل، سواءً لعدم إقامة الحجة، كما قال بن عبد الوهاب رحمه الله"عدم من يُنبّههم"، أو لأن المناط الشركيّ لم يتحقق من دعاء العبادة والمسألة، لا الدعاء عند القبر، أو غير ذلك، مما يمكن أن يقوم كعذرٍ ولو مرجوحا.

      19)   وقد قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله "فنقول: إذا كان يعمل بالكفر والشرك، لجهله، أو عدم من ينبهه، لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة؛ ولكن لا نحكم بأنه مسلم، بل نقول عمله هذا كفر، يبيح المال والدم، وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص، لعدم قيام الحجة عليه؛ لا يقال: إن لم يكن كافرا، فهو مسلم، بل نقول عمله عمل الكفار، وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه، متوقف على بلوغ الحجة الرسالية"[4]. وهذا يعنى عدم تكفيره بلا شك. وقد يُشتمّ في هذا القول "التوقف" فيمن هذا حاله، وهو ما لا نرى أنّ شيخ الإسلام يقول به، فإن المرء يدور بين حالتين ولا ثالث لهما، إمّا إسلام وإما كفر، كما قرر الحازميّ نفسه مرات عديدة، إذ لا نقول بقول المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين.

      20)   ومن هنا فإننا نرى الجمع بين أقوال شيخ الإسلام بأنّ قصده أنّْ لا نصرح بالحكم بإسلام هذا الفاعل، وإن كان مسلماً باستصحاب الأصل، حتى تقوم عليه الحجة، وذلك لوقوع الشكّ الذي لا يرتفع إلا باليقين. وفرقٌ بين وقوع الشكّ، وبين إثبات حالة ليست بإسلامٍ ولا بكفر. بل ما نصرّح به أنّ فعله فعل كفرٍ لا غير. أمّا ما ذكره الحازميّ من التفرقة بين الاسم والحكم فلا أظنه يقوم على ساق، بل إن مذهبه هو أنّ "الحكم" هو صفة" أو "إسم"، يقال: حكمُ فلانٍ الاسلامُ، وحكم فلانٍ الكفر. فهذا مصطلحه، والتفرقة بينهما تناقض معيب. والأسماء ليست مقصودة لذاتها، بل هي دالة على معنى أو صفة قائمة في المسمى أو الموصوف، ويجب أن يتصف كلّ امرئ بصفة أو مسمى في كلّ حال وإلا وقعنا في التوقف والتبيّن، ونحن نقول إن "الحكم" أليق أن يُفهم على أنه من ناحية التنفيذ، أي تطبيق الحدّ بعد ثبوت الاسم أو الصفة، وإلحاق الفرد بأيهما يقيناً، أيّ لا يقام حداً إلا بعد ذلك. فهو مسلمٌ، في إسلامه شكّ لا يرفع الصفة، إذ يجب استصحاب الأصل فيه، لكن لا يثبت الكفر اسماً ولا صفة ولا حكماً إلا بعد إقامة الحجة وردّها.

      21)   وهذا أقرب تأويلاً (أي تفسيراً) لمذهب الإمامين بن تيمية وبن عبد الوهاب، لرفع التناقض في النقول، فإن التعامل مع كلام الإئمة يجب أن يكون بالجمع بين أطرافها والتوفيق بينها، لا أن نضرب بعضها ببعضٍ، أو أن نتركها على تناقضها ونحكيها بلا تدقيق. وقد قلت سابقاً في بيان هذه الجزئية ما نصّه "والأخرى .. أنه إذا جاءت نصوص للفقيه أو الإمام توافق أصلا ً مقررًا، ثم جاءت، لنفس الفقيه أو الإمام في مواضع أخرى، نصوص تشتبه علينا، أو تبدو بظاهرها مخالفة لنفس الأصل، وجب علينا حمل المتشابه من هذه الأقوال على الوجه الذي يوائم الأصل، والذي شهدت له أقوال الإمام نفسه في مواضع أخرى؛ وإلا كان ذلك اتهامًا منا لهذا الإمام بالتناقض والتضارب في أقواله، وليس ثمة ما يدعو إلى ذلك طالما اتسق المنهج، واستقام للنظر"[5] .

      22)   فإن كان هذا يقال في فاعل الشرك ذاته، ولا يُجزم بكفره إلا بعد قيام الحجة عند الإمامين، فما بالك بمن عذره لسبب رآه، إلا أن يكون بلا سبب، مع تيقنه من وقوع الرجل في الشرك الأكبر عيناً مع بيان إقامة الحجة عليه؟ وهذا القول في العاذر لم يأت به أيّ من الإمامين بهذا القطع الجازم إلا الشيخ الحازميّ، هداه الله. فإن التزم الشيخ الحازميّ بنص كلام شيخ الإسلام محمد بن هبد الوهاب في موضع ما، وإن كان يمكن الجمع بينه وبين غيره من نصوصه الأخرى والقاعدة الصحيحة التي ارتضاها الحازميّ لنفسه، فلا أدرى فيما كان كلّ حديثه هذا عن التزام الحقّ ولو خالف الأئمة.

      تنبيـــه 

      23)   والفرق بين هذا وبين ما قرره الشوكاني "وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها وهو كذلك ، لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلماً؟ الراجح لا ، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه"[6]، واضحٌ بيّن، إذ هذا الناطق بالشهادة كان مرتداّ أصلاً ثم طرأ عليه ظاهر إسلامٍ، وهذا الذي نتحدث عنه، مسلمٌ أصلاً قائمٌ بالفروض، لكن طرأ عليه كفرٌ.وحديث أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلى الْحُرَقَةِ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمّا غَشِينَاهُ قَالَ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، فَكَفَّ الأَنْصارِيُّ عَنْهُ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحي حَتّى قَتَلْتُهُ؛ فَلَمّا قَدِمْنَا، بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: يا أُسامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَما قَالَ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا؛ فَما زَالَ يُكَرِّرُها حَتّى تَمَنَّيْتُ أَنّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ"رواه مسلم. ويدلّ هذا الحديث على قوة أثر العارض الذي طرأ على كفر هذا الرجل بنطقه بالشهادة، لكنه يدلّ كذلك على استصحاب الأصل فيه، فلم يقل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسلم، ولذلك لم يُقتل أسامة به، لأن الأصل فيه الكفر رغم العارض. وهكذا في موضع بحثنا، فيمكن القول بأنّ الأصل أن هذا الفاعل للشرك أصله على الإسلام، وطرأ عليه عارضُ الكفر، فلا يكفّر إلا بقد إقامة الحجة، وهو مذهب شيخي الآسلام كما قلنا. وإن سلّمنا بكفره لأثر الاستمرار، فكيف بمن رأي هذا عذراً موقوتاً له؟! أيكفُر هذا العاذر؟!

      24)   وحتى نبيّن الفروق التي ذكرنا في موضوع العذر بالجهل، نقول، إن الناس في الإعذار على أربعة أقوال:

      1. أولها قول من من قال فعلهم فعل الكفر ويعتبرهم لذلك كفاراً عموماً وأعياناً، وهؤلاء لا يعذرون بجهل ولا بتأويل لا في العموم ولا في الأعيان. ومن ثم يقتلون من يقتلون منهم على أنهم مرتدون أصلاً ولا يلزم إقامة حجة عليهم. وهذا القسم لا يكفره الحازميّ.
      2. والثاني منهم من يقول فعلهم فعل كفرٍ وشرك، لكنهم مسلمون عموماً وأعياناً، حتى تقوم الحجة الرسالية التي يكفر مخالفها عيناً. وظاهؤ قول الحازميّ أنّ هؤلاء كفار. لكنه قد وقع في تناقض في هذا القسم، فتارة جزم بأن هذا العاذر كافر، وتارة استثنى في الحادثة الفردية، على استحياء! فيقول في موضع أن العاذر الكافر عنده من قال "أن من وقع في الشرك الأكبر باق على  الإسلام، ومن يتوقف بكونهم مشركين، بل مسلمين أنه ملحق بهم يعنى أنه كافر مرتد عن الإسلام"[7]. ثم يقول في آخر "وأما من كفّر المشركين وجعله أصلا مطردا لكنه توقف في شخص لشبهة عنده مع عدم الحكم عليه بالإسلام فهذا يختلف حكمه عن السابق .. الأصل لا يقع فيه الشبهة بخلاف الجزئيات"[8]. فالشبهة في قوله هنا أصلاً مضطرداً، إذ لا نرى أصلاً مضطرداً إلا والمقصود به تكفير الأعيان إلا من اشتبه في اسلامه. فكلّ الأعيان مشركون إلا من اشتُبه فيه. لكنّ أصل مذهبه كفر هؤلاء.
      3. والثالث من قال فعلهم فعل كفر وشرك، ثم تردّد بعد ذلك، فلم يسمهم كفارا ولا مسلمين! ولا يقول بقول المعتزلة في المنزلة بين المنزلتين، وهذا قول فيه تناقض، والحازميّ يتابع فيه ما ورد عن محمد بن عبد الوهاب، لكنى بينت طريق الجمع بين نصوص بن عبد الوهاب في هذا الأمر أعلاه، وأظنّ أن الحازميّ لم يهتم بالجمع بينها، بل أخذها على علاتها. ولازم قوله في هذا هو كفر هؤلاء كذلك.

      25)   أما عن تنويهي في المقال السلبق، بشأن من حكم على فاعل الشرك الأكبر الذي يتفق عليه أصحاب المذاهب الثلاثة السابقة بأنه مشرك كالنصرانيّ، أو من قيل له لا تدعو الولي الفلاني وتسأله من دون الله ولا تطوف بقبره كالكعبة، لأن ذلك شرك وبينت له الآيات، فقال، لا ديني أني أدعو غير الله، فهذا كافرٌ لا شكّ فيه. أما موقفنا من الأقساك الثلاثة السابقة، فنحن لا نكفّر أيّ قائلٍ بها. لكن نرى الغلوّ في القسم الأول، ونرى أن الثالث، إن رفعنا التناقض فيه، من ناحية أنهم لا مسلمين لا كفار، هو أقرب للحق.

      26)   ويجب هنا النظر في دلالة كلمة "العذر"، فاستعمال كلمة العذر قد يحمل معنى امتداد الإعذار، وأنه مهما حدث من الفاعل، فهو معذورٌ، والقائل بهذا جاهلٌ مبتدعٌ يجب أن يبيّن له، فالعذر عندنا، والذي لا نرى كفر القائل به، هو العذر المّقيد بإقامة الحجة الرسالية، لا المطلق دون قيد.

      ويتبع إن شاء الله تعالى تفصيلا وأدلة.

      د طارق عبد الحليم

      13 جمادى أول 1435 - 14 مارس 2014


      [1]  " الجواب المفيد ي حكم جاهل التوحيد"، ص16

      [2]  مجموع الفتاوي 1/112

      [3]  الدرر السنية في الأجوبة النجدية ج1 ص104

      [4]  الدرر السنية في الأجوبة النجدية ج10ص163

      [5]  "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد" ص58

      ([6]) "نيل الأوطار" للشوكاني في جـ 8 ص 12.

      [7]  بداية الشريط الثالث، في الردّ على الفتوى التونسية

      [8]  http://ask.fm/Ahmad_alhazme