فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مفاهيم في طريق التمكين ..2

      • التمكين
      • 2689 قراءة
      • 0 تعليق
      • 15:59 - 03 ديسمبر, 2013

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      يجب أن يكون مفهوماً أن الغرض من الحركة في طريق التمكين هو بالأساس تحرير هذه الحركة من الإنحراف العقديّ أولاً وتحرير التوحيد في عقول وقلوب المسلمين، بلا غَبشٍ ولا شركية.

      (3)

      الأمر الذي يجب أن يكون مفهوماً هو أنّ التمكين "لن" يمر من خلال جماعة الإخوان، أو من هم على طريقها ونهجها من جبهة دعم الشرعية. وهذا التأكيد يأتي أولاً من الرؤية الشرعية البحتة، التي ترى أنّ الحقَ لا ينشأ من باطلٍ "إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ" يونس81.  ويأتي التأكيد ثانياً من الواقع المشهود والتّجربة المحسوسة، التي رأيناها بأعيننا وعشنا فصولها على مدى الخمسين عاماً الماضية، حيث أثبتت بما لا يدع مجالاً لشكٍ عند عاقلٍ أن النهج الإخوانيّ الإنتهازيّ التفاوضيّ، خاصة ممن لا علم لهم بسياسة أصلاً، لا يمكن إلا أن يصل ببلادنا إلى ما وصل بها اليه اليوم من تحكّم الكفر، واستشراء الإلحاد وتسلط العسكر. ولا عليك ممن يدّعى العلم ويغفل عن السنن، ويرى أنّ الإخوان هم سادة هذا الزمان ومنقذيه!!

      لقد وقع الإخوان في أخطاءٍ قاتلة، يسمونها اليوم إجتهاداً، وهي والله جَهلٌ مَحضٌ بسنن الله تعالى وبقواعد السياسة، بل وأصول المنطق البسيط البدائي. وهم اليوم يسيرون، بكل غطرسة على نفس الطريق، أو من بقي منهم خارج السجون، طريق التفاهم والتفاوض والمشاركة مع "القوى الثورية" التي تمثل عشر معشار القوة الإسلامية على الأرض، من خارج التجمع الإخوانيّ.

      إن التبريرات التي لا يزال يقدّمها هؤلاء، ومن هم على شاكلتهم، في أنّه يجب أن يكون هناك حلاً وسطاً، وأن يكون هناك تعاونٌ مع قوى "ثورية"، لا علاقة لها بالإسلام ابتداءً، فهي كلها تبريرات قد استُهلكت في الثلاثين شهراً التي سبقت انقلاب كفّار السيسي، سواء في أيام حكم المجلس العسكريّ أو حكم محمد مرسى، فكّ الله أسره.

      إن الخطوة الأولى في الطريق إلى التمكين، يجب أن تتجاوز جماعة الإخوان بالكُليّة، فكّ الله أسر المأسورين[1] منهم ومن بقية المسلمين. إنّ الجَماعة، قادة وشَباباً هم، بشكلٍ عامٍ، عائق في سبيل التحرّك في طريق التمكين، لا مُعين عليه. ومن ثم، وجب على المخلصين أن يتحركوا في سبيل غير سبيل هؤلاء، وأن يدعوهم لحكم الله فيهم، فمن وعى الحكمة رجع وتاب، ومن ظلّ قلبه غُلفٌ فهو وشأنه منهم.

      ونودّ أن نذكّر إخواننا من أهل العلم والإخلاص بما قال الشاطبيّ رحمه الله في الموافقات، في معرض حديثه عن الحرج والمشقة، ننقلها بتمامها لما فيها من فائدة، يقول رحمه الله "فصلٌ: فإذا نظرت في كلية شرعية فتأملها تجدها حاملة على التوسط فإن رأيت ميلاً إلى جهة طرف من الأطراف فذلك في مقابلة واقع أو متوقع في االطرف الآخر . فطرف التشديد وعامة ما يكون في التخويف والترهيب والزجر يؤتي به في مقابلة من غلب عليه الإنحلال في الدين. وطرف التخفيف وعامة ما يكون في الترجية والترغيب والترخيص يؤتي به في مقابلة من غلب عليه الحرج في التشديد فإذا لم يكن هذا ولا ذاك رأيت التوسط لائحا ومسلك الاعتدال واضحا وهو الأصل الذي يرجع إليه والمعقل الذي يلجأ إليه. وعلى هذا إذا رأيت في النقل من المعتبرين في الدين من مال عن التوسط فاعلم أن ذلك مراعاة منه لطرف واقع أو متوقع في الجهة الأخرى وعليه يجري النظر في الورع والزهد وأشباههما وما قابلها، والتوسط يعرف بالشرع وقد يعرف بالعوائد وما يشهد به معظم العقلاء كما في الإسراف والإقتار في النفقات"[2].

      هذه الكلمات تلخّص مجمل القول في موقفنا من هؤلاء، ومن طريقة التعامل مع الواقع الحاليّ، بل وتتعدى إلى رأينا في الواقع الشاميّ كذلك، كما سنبيّن في مقالٍ آخر. وخلاصة ما ورد أن الأحكام الشرعية، والفتاوى القائمة عليها، تقوم على التوسط، لكن في الأحوال العامة حيث تجرى الأحوال على منوال الشريعة. أمّا إن مالت الأحوال عن ذلك إلى أحد من الطرفين الغائيين، الإفراط أو التفريط، تجد الأحكام، والفتاوى المبنية عليها، تميل بالمفتى إلى الجانب الآخر، ليقوم بها ميزان الإعتدال، فتعود الأمور إلى التوسط. ومن هنا، فإن وجدت فتوى معينة في واقعٍ ملئ بالتسيّب والخِيانة والعِمالة، تدعو إلى التقارب والتعاون، فاعلم أنها لا تجرى على مَهيع الشّرع الحنيف، بل هي حاملة بذور إفسادٍ تميل بالواقع إلى الطرف الفاسد، ولا تُصلح ولا تعود إلى التوسط. ومن هنا، فإنّ هذا المنظق الأعوج الذي تتعامل به تلك الجماعات والجبهات، لا يعكس إلا جهلاً بالشرع الحنيف، وقواعده وأسسه وبينانه الأحكم.

      فإذا قلنا هذا، وجب أن ننبه إلى ضرورة قيام جماعة جديدة، ولا أقول حزباً بالمعنى السياسي الحاليّ، تحمل الفكر التوحيديّ الصحيح، وأُسس الحركة الصائبة التي تبنى آراءها وتوجهاتها العلمية والعملية على أسس شرعية صحيحة، وتقديراتٍ واقعية سديدة، لا تعبأ بماضٍ منحرفٍ، ولا تتعلق بتاريخٍ ملوّثٍ بأخطاء منهجية وعقدية لا حصر لها. ولتكن حركة "إخوان الإسلام"، فالإخوان المسلمون ليسوا بأولى باسم الإخوان منّا، وليسوا أولى بصفة الإسلام منّا. لكننا نهدم تلك القاعدة الفاسدة البدعية التي قامت عليها، ونقيم جماعة تتّبع الشرع، ولا تجرى وراء أسماء دعاة يصيبون ويخطئون.

      ولعلنا نشرح أسس هذه الجماعة في موضعٍ آخر بإذن الله.

      (4)

      كما ذكرت سابقاً، عدة مرات، أنّ الباطل قد كسب هذه الجولة، وأنه كسبها من كسبها من طريق فئة الشعب المرتدّة في مصر، وهي أكثر من نصفه، وعن طريق القوة التي يحوزها جيش احتلال وعدوان وشرطة بَغْي وطغيان، ومناصرة قضاء نجسٍ مرتشٍ ملحد، وإعلام فاجرٍ خسيس، ثم دعم دويلات النفط من المثليين ذوى الغتر والجلاليب.

      هذا أمرٌ واضحٌ وحقيقة مؤكدة، لا يمارى فيها إلا جاهلٌ أو ذاهلٌ. وهؤلاء الذين يرون تقدماً في وضع المقاومة المسلمة، ويخرجون على الناس في التلفاز على الجزيرة يؤكدون أنّ الكفة ترجح لصالح الإسلام، هؤلاء يهديهم الله، ولا أزيد.

      الحلّ الحقيقيّ لن يكون إلا إن قرع السلاح السلاح. هكذا دون مواربة ولا تحفّظ.

      قد تكون المصلحة الصهيو-صليبية اليوم أن يُستبدل وجه السيسي بوجهٍ آخر علمانيّ، وأن تختفي الدبابات وامصفحات من الشوارع، بعد أن يُعتمد دستور الإفك الإلحاد، وتتأسس دولة لادينية ملحدة، وتُرسم صُور ديموقراطية وتقام برلمانات علمانية، لكنّ هذا لن يغّير من حقيقة أنّ الباطل قد كسب هذه الجولة بالضربة القاضية.

      إن الغرب لا يقصد أن يظل السيسي اللعين على رأس المنظومة المصرية، أبداً. بل يقصد إلى إزاحة أي توجّه إسلاميّ قد يخرج بمصر من المستنقع الوحِل التي هي فيه، وأنْ يرر قرارها، ول بعض الشئ، حتى ولو على المذهب "الإخواني-الإسلامي-العلماني".

      من هنا، فإننا نطرر أنّ القوى الإسلامية التي لا تزال تعيش بالإسلام، وللإسلام في مصر، على ضعفها وهوانها على الناس وقلة حيلتها، يجب أن تنتبه أنّ الطريق ليس طريق مفاوضة أو حلول وسط، لم يكن، ولن يكون. إذ نحن نتحدث هنا عن إسلامٍ وكفر، وهما لا يلتقيان في طريقٍ وسط بحالٍ من الأحوال. وليخجل أولئك الذين يتحدثون عن الحديبية وكفاهم هذراً وجهلاً وبروداً. إنما الطريق هو طريق المقاومة المسلحة لجيش الإحتلال وجند فرعون، سواء السيسيّ أو صباحيّ أو غيرهما. فالكفر هو الكفر، سواءً كان عسكرياً أو مدنياً، إنما يُمهد الكفر العسكريّ للكفر المدنيّ، ليستقر ويبقى، إلى حين.

      الأمر ليس أمر السيسي، يا أبناء الإسلام، الأمرُ أمر إقامة دين الله في الأرض، أرضنا، مصرنا وشامنا وعراقنا. فإن لم يتحقق هذا، وتلاعب الكفار بتغيير أوجه الباطل، فاحذروا أن يخدَعكم الخِبّ اللئيم، فالمسلم كيّس فطنٌ لا يُخدع، إنما يُخدع من دخلت دينه البدعة أو تشوّه فهمه للواقع جهلاً أو سذاجة وغفلة.

      السؤال اليوم، هل يقدر شعبنا على مواجهة مسلحة مع جيش الإحتلال؟ هل شعبنا المسلم مهيأ أصلاً لمثل هذه المواجهة؟

      يتبع إن شاء الله تعالى.

      [1]  لا أدرى والله عن عصام العريان وسعد الكتاتنيّ، فقد أوغلا في العلمانية الإسلامية وكانوا أكثر القوم تغفيلاً وتمييعاً للحق وذلة نفس أمام العدو، فليجزِهم الله بما يستحقا.

      [2]  الموافقات ج2 ص 167.