فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بعد أن انقشع الغبار ..! 12

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الجزء الثاني عشر:

      انتهينا في الحلقة السابقة إلى أنه "يجب أن تتكون هيئة علمية سُنّية، لا على نسق هيئة علماء المسلمين القرضاوية، بل هيئة مستقلة لا ترتبط بدول أو تجمعات حالية، وتتسع عضويتها لمن يحمل الكفاءة والخبرة للتصدى لهذا الدور".

      (17)

      والحق، أن كثيراً من الهيئات والإئتلافات والتجمّعات قد نشأت ثم ذهبت أدراج الرياح دون نتيجة تُذكر على أرض الواقع، وذلك لأسباب عدة، منها عدم وضوع الفكرة واختلاط التصورات وضعف الإرادة والعوامل الشخصية من أنانية وهوى والتبعية المادّية أو المعنوية لنظمٍ بعينها، وغير ذلك مما يُفْشل أيّ تجمع علميّ أو حركيّ ويجعله، وإن عاش، عديم الجدوى سليب الإرادة.

      ومن ثمّ، فإننا لا نعنى بتجمّعنا هذا الذي نقترحه، سواءً كان هيئة أو إئتلافاً أو غير ذلك مما شِئت من تسميات، أن يكون صورة مكرورة لمثل هذه التجارب الساقطة. بل نحن نعنى هنا أن يأخذ هذا التجمع بكل أساليب النجاح، علمياً ومعنوياً ومادياً وأمنياً.

      وهذا، بلا شك، يمثل أول تحدٍ للجهد المطلوب على الساحة المسلمة، بل هو أكثرها خطراً وأعظمها أثراً، نجاحا أو فشلا. أود كذلك أن أؤكد على معنى هام، وهو الفارق بين العالم المُتخصص والداعية والخطيب، مهما ذاع صيته وعظم عدد مستمعيه. ربّ عالمٍ بداعية، أعطاه الله الحسنيين من علم حقيق، وقوة بيان وخطابة وأثر في العامة، وهؤلاء هم القلة النادرة.

      وربّ عالمٍ ليس بداعية، فهو يكتب ويبحث ويُخَرّج ما شاء الله له، لكنه لا يتمتع بقدرة على التأثير في الناس خطابةً كالدعاة الأصلاء. وقد كان ذلك ميزة حتى بين الأنبياء، كما قال موسى عليه السلام "واحلل عقدة من لساني"، بينما أوتي محمد صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم.

      ثم إنّ الداعية يجب أن يتمتع بقدر من العلم حتى لا ينطلق بين الناس، يتحدث بما لا أصل له. لكنه، في ذات الوقت، يجب أن يعلم أنه ليس بعالمٍ ولا بمفتٍ، فليس كل من اعتلى المنبر بعالم، وفرقٌ كبيرٌ بين العالم والداعية والخطيب. والأخير هذا لا يشترط فيه ما يُشترط في الداعية من صفاتٍ، إذ جُلّ دوره هو الخطابة، وهي جزء من الدعوة لا كلّ الدعوة. فالداعية يتحلى فوق الخطابة بالقدرة على التفاعل مع الناس على الأرض تَحاوراً ونقاشاً وصبراً على الناس وجَدلاً بالحق، وهو ما لا يُشترط في الخطيب أو العالم.

      ولا أريد، بل ولا أستطيع هنا أن أرسم لهذه الجمهرة خطواتها، إذ هذا شأنها وحدها، لكننا أردنا هنا أن نضع الحصان أمام العربة، كما يقال في المثل، أو السلاح في يد المقاتل، ثم هو أدرى بكيفية استخدامه على الوجه الأمثل.  

      (18)

      قيادة الحركة وصفّها الأول:

      وهذا هو المُركبّ الثاني من مركبات الحركة المسلمة، كما نتصورها.

      والحركة المسلمة هي الناتج الأساس للحركة العلمية، الذي ترعاه وتقوم على نشأته وتغذى عقله وتوجّه قوته. فإن الدعوة لا تقوم بدورها بدون حركة على الأرض، تتحرك بالتصورات وتجسد المبادئ في أعمال ومواقف. والحركة المسلمة تتمثل في قادتها بكل ما فيهم من صَلابة أو رخاوة، من إقدامٍ أو إحجام، من سنيةٍ أو بدعية. والإخوان، كانت ولا تزال، أصدق دليل على ذلك.

      ولعل أهم ما يجب لأن يتوفر في قادة تلك الحركة:

      • عدم الإنتماء إلى أية جماعةٍ في سابق تجربته، إذ كلّ تلك الجماعات اليوم مشوبة إما بخللٍ في تصور الحركة أو انحرافٍ في فهم العقيدة، فهذا الإنتماء، خاصة في حالة الإخوان، كالفيروس الذي يستقر في خلايا الجسد لا يشفيه مضادٌ حيويّ. وقد رأينا بالفعل أنه ما من إخوانيّ سابقٍ، حتى وإن ترك الجماعة، إلا وتعلقت بعض أدبياتها بفكره، سواء ديموقراطياً أو سلمية أو وطنية، أو أي من انحرافاتها، وقل مثل ذلك في منتمي الجماعة الإسلامية وغيرها، لا يسلم من بلواهم أحدٌ تلوث بها في مسار حياته يوماً . وهو ما ينعكس سلباً على طريقة تناوله للأمور وتصوراته للأحداث. والشباب النقي الذي لا ينتمي لمثل تلك التجمعات كثيرٌ والحمد لله، وقد رأيت وقابلت كثيراً منهم مما يجعلنى آمل خيراً في القادم ولا أعوّل على الماضى.
      • صواب المنطق وصحة النظر، فإن الخلل في المنطق الإنسانيّ الذي تعكسه الفطرة السوِّية، لا يأتي بخيرٍ مهما بلغت درجة العلم. قوة الشخصية والقدرة على التأثير والتحكم، لا من واقع المركز القياديّ بل من الصفة القيادية ذاتها. والقدرة القِيادية منها ما هو من الفِطرة الخَلْقِية والطبع الأصيل، ومنها ما يمكن تَنميته بالعلم والدرس والتدريب[1]. القوة في الحق، بعيداً عن التعصب، وقد شرحنا الفرق بينهما بتوسعٍ في كتابنا "مقدمة في اختلاف المسلمين وتفرقهم" فارجع اليه على موقعنا[2].
      • أن يكون القادة ممن فيهم قوة مع لين، فالقائد القويّ كالمؤمن القويّ، أحب إلى الله من المؤمن الضعيف. والفارق أن المؤمن الضعيف لا يزال فيه خير، لكنّ القائد الضعيف، من حيث مهمته في القيادة، كارثة على نفسه وعلى جماعته وعلى أمته. وقد رأينا مثال ذلك في حكم د محمد مرسى، فكّ الله أسره، أعاده إلى أهله سالماً، فقد كان مومناً قوياً، على انحراف في التصور العقديّ، ولكنه كان قائداً ضعيفاً و شك.
      • أن يكون للقائد إماماً وشيخاً، من علماء أهل السنة والجماعة، يرجع اليه عند الحاجة ويتصل به اتصالاً مباشراً،  وأن يكون مُوقراً لكلّ علماء السنة عامة، دون أن يكون تابعا ذليلاً، أو مقلداً عتيداً. وقد انقسم المسلمون في عصرنا هذا بين غايتين كلتاهما باطلٌ محض، أحدهما التقليد الأعمى والإتباع الذليل، ففعلهم كفعل الصوفية وأنْ ادعوا السنيّة[3]. والآخر هو الإنفلات التام من قيود الإتّباع، وإدعاء العلم مع قصورهم عنه قصوراً كلياً، والإفتاء برأيهم وهم من جهلة الناس وعوامهم[4]. وهذه الفوضى العلمية قد تسببت فيها عوامل عدة ليس هنا موضع الإستطراد فيها. وقد كتبنا فيها بعض المقالات على صفحات موقعنا فليرجع اليها من شاء.
      • أن تكون العلوم الإنسانية، وخاصة الإدارية والإجتماعية والتاريخية هي الأساس الأصيل في حصيلة القادة، إذ إنّ دورهم، كما نتصوّره، هو التوجيه والتأثير، لا الإفتاء والتنظير، وذا يتأتي من العلم بالتاريخ والسير والأصول النفسية والسيكلوجية للأفراد والجماعات.
      • أن يتمتع القادة بقدر مناسبٍ من العلم الشرعي، وإن لم يَستلزم ذلك أن يكون متخصّصاً فيه، لِما أشرنا اليه من فرقٍ بين العالم والقائد. فعلى سبيل المثال، يجب أن يكون دارساً للعقيدة عارفاً بالبدعة وحدودها، حتى لا يقع وأتباعه فيها، إن لم يتمكّن من الرجوع لشيخه للسؤال، وأن يكون على معرفة بدرجات صِحة الحَديث، وأنواعه، قارئاً للسيرة النبوية الشريفة، حافظاً لأجزاءٍ من القرآن، عارفا بتفسيرها قدر الطاقة، لتكون موضع استشهاد واستدلال وقت الحاجة.

      ويتبع في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

      [1]  ولعل القارئ أن يرجع إلى مقدمة رسالة الدكتوراه التي حصلنا عليها في علم القيادة والإدارة "Leadership"، والتي سننشرها على هذا الموقع في خلال الأسبوع القادم.

      [2]  http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-4

      [3]  راجع http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-7

      [4]  ارجع إلى كتابنا السابق ذكره أعلاه في هذا الصدد.