فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بعد أن انقشع الغبار ..! 10

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

       الجزء العاشر: المنطلقات

      انتهينا في الحلقة السابقة إلى أنّ: المنطلق يجب أن يكون من حقيقة أنّ الشعب قد انقسم إلى طائفة مرتدة ردّة حقيقية، بالولاء للكفار والرضى والدعم والتفويض للكفر العسكريّ السيسي البواح، وطائفة، وهي الأقلية، قد حافظت على دينها وأخلصت لربها، على خللٍ في تصوراتها.

      المنطلق يجب أن يكون من حقيقة أنّ العسكر لن يتنازل عن السلطة طوعاً واختياراً، بل كرهاً وإضطراراً. وأضيف إلى ذلك أنّ:

      المنطلق يجب أن ينبنى على فهٍمٍ صحيح متكاملٍ للإسلام، يشمل كل جوانبه، بلا إفراطٍ ولا تفريط، كما سنبيّن إن شاء الله.

      المنطلق يجب أن يبدأ من أنّ النهج الإخوانيّ قد استنفذ رصيده في الشارع المصريّ، ويجب ألا يعود إلى السطح الإسىلاميّ لا في السياسة ولا في الدعوة، منعاً من اجترار الأخطاء مرات بعد مرات، وأنه يجب أن يبنى المسلمون حركتهم القادمة على أنقاضه ويستفيدون من دروس فشله في السياسة والدعوة، وأن يكون الهدف هو بناء حركة مسلمة[1] لتبدأ من حيث بدأ حسن البنا دعوته، لا من حيث انتهى الأمر بحركة الإخوان إلى ما هم فيه اليوم.

      المنطلق يجب أن يبدأ بالإيمان بأن المواجهة المسلحة مع قوى الكفر هي النتيجة الحتمية لأية دعوة مسلمة، لا وسيلة غيرها، وإن تأخر موعد انطلاقها إلى حين.

      (14)

      وسيكون تناولنا في النظر إلى استشراف المستقبل للحركة المسلمة مبنيٌّ على تحليل مركبات الحركة، ثم النظر في كيفية تطوير هذه المركبات. وهو منطلقٌ نحسب أنه جديد في بابه، من حيث يتناول مركبات الحركة، ثم ينسب لها ما يُنتَظَر من فعلها، بدلاً من أن يرسم للحركة خطواتها، كما هو سائدٌ في هذا اللون من الدراسات. ومركبات الحركة المسلمة، كما نراها، تنحصر في التالي:

      1. منظّرى الحركة ودعاتها 
      2. قيادة الحركة وصفها الأول
      3. الصف الثاني من القيادات الحركية
      4. أبناء الحركة المسلمة وقاعدتها العريضة
      5. الدعوة والإعلام المسلم
      6. الإنتشار الحركيّ ومراكزه.

      هذه هي المُرَكّبات التي نرى أنه يجب أن يتناولها البحث والنّظر، والتحليل والتوجيه لبناء الحركة المسلمة في المرحلة المقبلة.

      (15)

      القيادة الفكرية للدعوة

      لا شك أن الموجّه والمُحرك الرئيس للدعوة هم علماء الشريعة وفقهاء الأمة من أصحاب المنهج السنيّ الصحيح والعقيدة الصافية والنظر الدقيق والمنطق الصائب، لا أولئك الذين يأخذون من العلم قسطاً يسيرون به بين الناس كأنهم من هؤلاء، ولا من يتعلمون العلم ليجنّدونه في سبيل نصر الباطل ودعم الإفساد.

      فهذه الجمهرة من المُوجّهين هي التي ترسم للحركة المسلمة طريقها، وترسى بنيّانها على لبنات ثابتة من الشرع الصحيح، الذي يوافق الفطرة السوية والعقل الراجح. ودون أن يكون هناك قيادة للأمة المسلمة تخطّ القواعد وترسم الحدود، فلا أمل من تقدم أو نصر. إذ هو مقتضى النهج الإلهي الذي اعتمد مسيرة الأنبياء كقادة ودعاة، ليقيموا دين الله في الأرض.

      ويجب هنا أن نبين الفرّق بين العلم والدعوة ومن ثم بين العالم والداعية. فالعالم قد لا يكون داعية بطبعه، ويقتصر مجاله على البحث والإفتاء، ومن الدعاة من لا يكون عالماً، فيجب أن يقتدي بعالم ربانيّ، ولا ينطلق في الدعوة على هواه. إذ هذا مكمن الخطر وأصلٌ من أصول البلاء.

      وقد انهارت المنظومة العلمية في مصر، والعالم الإسلاميّ أجمع، في العقود الأخيرة، نظراً لأمرين أساسين،

      أولهما: غياب القدرة العلمية الحقيقة بالإحترام والإتباع، وظهور جيل من طالبي العلم، المتلبسين لباسه، واتباع العامة والدهماء لهم.

      وثانيهما، الإنحطاط العنيف في القدرة العقلية لدى العامة والدهماء، وتدهور منظومة القيم لمستوى الصفر.

      هذان الأمران، قد أديا لظهور جيلٍ ساقطٍ، منهم من انخدع بأمثال العَاهر البرهاميّ ومحمد حسان وخونة حزب الزور، ثم عرف حقيقة هؤلاء فانضم إلى الأقلية المسلمة الباقية، ومنهم من كان بعيداً أصلاً عن دين الله، وأعانته البيئة العلمانية على ممارسة الإنحطاط الديني والخلقيّ فاستمر على الإنخداع، وتابع ورضى ودَعَم الكفر السيسيّ.

      الجمهرة التي يجب أن تتصدى للتوجيه والتعليم اليوم يجب أن تكون صفوة علماء اليوم وخيرة دعاته.

      وإن نظرنا بمقياس دقيق إلى الزمرة المتاحة، والتي تعي تلك المنطلقات التي أثبتناها قبلاً، وجدناها قلّة نادرة لا تتعدى أصابع اليدين. فإنّ "علماء" اليوم، المحسوبين على "العلم" هم إما:

      • منافقون مداهنون من أتباع السلطان، وحاشية الظلم ومشرعى الكفر، مثل على جمعة والطيب والعاهر البرهامي ومخيون، وأمثالهم ممن اتبع أعلام الكفر ودخل تحت لوائه.
      • أصحاب مصالح، يبيعون أنفسهم وأعراضهم من أجلها، مثل محمد حسان.
      • مغيبون عن فقه الواقع، لا يعلمون موضع ما يقولون في دنيانا هذه وأشهرهم الحوينيّ.
      • مبتدعة، أما بدع كفر أو بدع في أصول كلية، وهم من يسمونهم "المفكرين" الإسلاميين، فهم ليسوا علماء بالمعنى الشرعيّ، ولكنهم ألبسوا هذا اللباس عنوة، مثل فهمى هويدي ومحمد عمارة وسليم العوا وسائر هذه الطبقة من "المفكرين".
      • أفاضل سنيون، من العلماء والدعاة، ، تتراوح درجات علمهم الشرعيّ بين العلم وطلب العلم، كما تتراوح تجربتهم بين سنين قليلة وعقوداً عدة. منهم من استقام على الطريق بلا خلل في تصور أو انحراف في جزئية، ومنهم من لا يزال لم تتضح الصورة كاملة واضحة في ذهنه.
      • علماء ودعاة أفاضل، استقاموا على المنهج واتضحت لهم معالمه، ونجوا من الإنحراف العقدي أو الواقعيّ، قدر ما يتاح لإنسان يصيب ويخطئ. هذه الطائفة الفاضلة المخلصة عليها دور اليوم يجب أن تضطلع به على الفور، ودون إبطاء أو تلجلج.

      وهو ما سنبيّنه في الحلقة التالية إن شاء الله تعالى.

      [1]  نسميها حركة مسلمة، لا إسلامية، إذ إن تعبير "الإسلامية" كان وليداً لتصورٍ يرى أن القاعدة مسلمة وأن النخبة الدعوية "إسلامية"، وهو ما ثبت زيفه، إذ نحن اليوم ندعو للإسلام لا للإسلامية.