فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المصريون وخطورة إجهاض الثورة السلمية

      بدأ العديد من المصريين بمسيرات كبيرة تفوق الثمانية ملايين ولمدة تفوق تسعة أيام لمطالبة الرئيس المصري وحكومته الفاسدة بالرحيل لما إرتكبوه من جرائم في حق مصر والمصريين بل والعرب جميعاً.

      فمنذ ثلاثين عاماً وعموم الشعب المصري يشتكي من الفقر والفساد والسرقة للأموال والأراضي والظلم وقهر الشرطة لأبنائهم وإغتصاب حقوقهم والأمراض التي كان سببها تلوث الماء والهواء والغذاء.

      وكانت آخر هذه الأحداث البشعة تزوير الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، والحديث عن توريث حكم مبارك لإبنه جمال والذي قد ظفر هو وأخيه بالأنصبة الكبرى من مال الشعب وأرضه ومراكز عليا في الحزب الحاكم، وأخيراً جاءت الثورة التونسية التي كسرت حاجز الخوف من الطواغيت، وبينت أن هذه الأنظمة ليست إلا كبيوت العنكبوت!

      وكان الأسوأ في هذا الأمر أن معظم طبقات الشعب والجيش كانت تعلم بخيانة السلطة للشعب وللشعوب العربية الأخرى ومساندتها للعدو الصهيوني ودول الإحتلال الصليبي ومع ذلك سكتوا عليهم لسنوات عديدة، ذاقوا فيها الكثير من الذل والمهانة.

      كل هذا قد يبدو طبيعياً، فمن حق الشعب المصري كمثله من الشعوب أن ينعم بشيء من توافر فرص العمل، والديموقراطية، وحرية التعبير والعبادة، والأمن والكرامة، وأن ينحي الظلم الذي وقع عليه وأذله لعشرات السنين. وهنا أنا لا أستثني أي فئة من الشعب أو الجيش أو حتى الشرطة، عدا الرتب العسكرية العليا، ورجال الأعمال من المنتفعين و أصحاب المصالح الاتي كانت تنعم بحماية الرئيس أولاً ثم الغناء المتفحش لأنهم بدورهم كانوا هم من يحمي النظام والحزب الحاكم وكانوا أولياءه.

      ولكن العجيب أن بمجرد أن ثار الشعب وطالب بحقوقه إلا وقامت أجهزة الأمن، وأجهزة الحزب الحاكم والجيش بتدبير المكائد والتكالب والتآمرعلى ضرب المسيرة السلمية وضرب الشعب المصري الأعزل المسالم وقتله وإعتقاله، كانوا يقتلون أبناء وطنهم من العُزَل ويضربونهم وكأنهم أعداءً لهم! كما وإستأجرت السلطة الخبيثة المرتزقة من البلطجية والمساجين لمساعدتهم في قطع الطريق على المتظاهرين لبمنعوهم من الوصول لأمكنة التظاهر، و وضربهم وقتلهم.

      فكانت النتائج وقوع المئات- إن لم يكن الأُلوف- من القتلى الشهداء، وعشرات الألوف من الجرحى فكان المنظر في الشارع المصري وكأنه ساحة قتال، لشعب أعزل يُقَّتَل في بلده من أبناء جلدته ليس لشيء سوى أنه يقول ربيَ الله!

      ولم تكتفي السلطة بهذا بل أوقفت وسائل النقل والإتصالات لتعزل الشعب المصري عن بعضه وعن العالم. كما وقامت السلطة بإعتقال وضرب وطرد الصحفيين من كل أجهزة الإعلام المستقلة، وقامت بتعتيم إعلامي ونشر الأكاذيب المضللة للناس حتى لا يمكن لأحد إيضاح ولا توثيق الحقائق الواقعة، وبالتالي لا يمكن متابعة المجرمين قضائياً لإنعدام الأدلة.

      وتعجبت أيضاً لمواقف الكثير من المصريين الكسالى الذين كانوا يشتكون من ظلم مبارك وحاشيته لعشرات السنين ولكنهم لم يقوموا بمساعدة المسيرة ولو حتى بالصوت والدعاء، بل كانوا يتهمونهم بتعطيل المصالح ويطالبونهم  بالعودة إلى ديارهم وفض المسيرة. وأذكر بقول الله تعالى: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أُولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم".

      والمفاجأة الكبرى هي كانت حينما ذهبت للصلاة يوم الجمعة الموافق 4 فبراير وكنت يومها مترقب أن يدعو الأئمة من فوقمنابرهم بنصر المسيرة لرفع الظلم عن الشعب، إلا إنني فوجئت بأنهم يدعون المصليين لعدم قتل النصارى ليلاً ونهاراً، فسألت نفسي من المسلمين المصلين كان يقتل الأقباط المسيحين ليلاً ونهاراً؟ وكأن هذه الأئمة كانوا يعيشون في كوكب آخر ويخطبون لجمع من القتلة! ثم نصحوا المصلين بعدم الخروج على الحاكم وطاعته وإحباط أي حركة إصلاح، ثم سمعت منهم من يكذب ويدعي أن المتظاهرين يقتلون الآمنين من أفراد الشعب. بالفعل كانت هذه هي المفاجأة بالنسبة لي أن أري أئمة يقفون موقف رسول الله (ص) ويكذبون عليه ويُكذبونه، بل ويفترون على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      ومع ذلك فالدرس الذي لم يتعلمه النظام أن المسيرة الشعبية صمدت وأبت إلا أن تقتلع أئمة الفساد والكفر مهما تكبدت من جراح وألم. ولعل ذلك فيه رحمة بهذا النظام البئيس لأن إجهاض الثورة السلمية لا يتبعه حتماً إلا ثورة حمراء وإنقلاب وحرب أهلية ينتزع فيها الشعب السلطة بالقوة من الطواغيت. فترقبوا إخواني وأخواتي قول الله تبارك وتعالى: "كُتِب عليكم القتال وهو شرٌ لكم ... إلى آخر الآية" ومعناها أنه إذا إضطررتم للقتال فلا تتولو مدبرين. ونسأل الله أن لا يصل الأمر لهذا حقناً للدماء والمزيد من الفتنة.

      ولكون مصر هي قلب الأمة العربية و محور أحداث الشعوب العربية لموقعها الإستراتيجي ومكانتها التاريخية، فإنني أتنبؤ بأن في حالة إذا ما أوصلت السلطة المصرية الشعب للدفع بالقوة بدلاً من الصد ودفعته لإستخدام القوة فإن الشعوب العربية ستنتفض جميعها للإطاحة بأئمة الضلال ورموز الظلم والفساد في بلادهم أيضاً.

      وأحب أن أشير إلى أن هذه المسيرة السلمية هي بداية لحركة إقليمية شاملة لن تتوقف إلا بزعزعة أنظمة الفساد والكفر ورفع الظلم عن الأخوة في فلسطين وفي سائر الدول العربية، وإظهار العين الحمراء للصهاينة وغيرهم من المتربصين المتكبرين.

      وأضيف أن هذه الحركة الشعبية هي حركة شرعية تنادي بما أكفله الله من حقوق للمسلمين مع كل أنبيائه ورسله، ومساعدتها مطلوبة شرعاً وهي طاعة وإرضاءاً لأوامر الله جل وعلا ومحاربتها فيها إثم قد يؤدي بفاعله للكفر والجحيم.

      والله نسأل أن يسدد خطانا وأن يهدينا سبل الرشاد ... آمين