فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الحركات الإسلامية من أصحاب السبت و أصحاب الأخدود

      بعد الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله و آله و صحبه و من والاه؛

      منذ أكثر من سنة كتبت مقالة بعنوان الحركة الإسلامية و أصحاب السبت ، وضحت فيها كيف انحرفت كثير من الدعوات و دخلت مستنقع الديمقراطية  ، و عقدت فيها مقارنة بين أصحاب السبت الذين يتحايلون على الشرع و بين هذه الحركات و القواسم المشتركة بينهما ، و كيف ساعدت هذه الحركات في انحراف مفهوم الإسلام عند الناس و أذابت الحد الفاصل بين الإسلام و الجاهلية فى الواقع بمشاركتها في العملية الديمقراطية و إسباغ الشرعية عليها .
      أما اليوم و بعد أن ظهر للعيان بالتجربة العملية أن الجاهلية ترفض وبقوة أن يتم خلطها بالإسلام أو مجرد صبغها به ، و أنها تريد و بكل استعلاء الحفاظ على هويتها و ميراثها الشيطاني و إظهار وجهها القبيح بإنكار أساسيات اللعبة الديمقراطية و الانقلاب عليها بالكلية و دعسها بالأقدام إذا جاءت بمن لا يزال عنده مِسْحة من الإسلام ، هذا واقع نعيشه اليوم فى الانقلاب على ما يسمونه شرعية الصناديق و إقصاء الحركات التي تنتهج ما يسمى بالمنهج الإسلامي الديمقراطي .

      وهذا الإنقلاب مجرد بداية لإظهار معالم الجاهلية و سوف يليه مجموعة خطوات بنفس القوة الانقلابية و في رفض تام من الجاهلية لكل ما صبرت عليه فى الفترة السابقة من دخول الإسلاميين عالمها الخاص الذي صنعته الشياطين .

      وهذه الحركات التي دخلت اللعبة و خرجت منها بهزيمة نكراء بعد أن انتهجت نهج أصحاب السبت عليها اليوم التبرؤ و التوبة و الرجوع إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه ، و أمامها فى هذا الوقت طريق واحد فقط، هو  طريق أصحاب الأخدود.
      و هذا  الطريق هو السبيل الوحيد للنجاة فى هذا الوقت الذي يكتب عند الله أولاً و يسطره التاريخ لهؤلاء ثانياً ، و  هو الطريق الموصل لله تعالى، وللنصر الحقيقي بإذن الله فهو الذي ذكره الله عز و جل لنا فى كلمته الأخيرة للبشرية  التائهة .

      أصحاب الأخدود قصة الأمس و اليوم و قصة لم تنتهِ بعد؛ فلكل قوم وارث ، أصحاب الأخدود هو طريق من طرق المواجهة الإسلامية للجاهلية الشيطانية و هي قصة من قصص الانتصار و العلو في أوضح و أبهى الصور .

      طريق أصحاب الأخدود :
      هو طريق البيعة على الموت لا على الجهاد ، فالبيعة على الموت أقوى و أمضى؛ لأن البيعة على الجهاد، إما أن تنتهي بالنصر أو بالشهادة في سبيل الله تعالى ، أما البيعة على الموت فحقيقة النصر فيها هو الشهادة فى سبيل الله .

      أصحاب الأخدود يرون نار الطواغيت جنة؛ فيتسابقون للقفز فيها ، أصحاب الأخدود هم الذين يقال فيهم: 

       لولا العقيدة تفجرت فى قلوبهم * لرأيتهم كسواهم أتباعا
      لكنه الإيمان يصقل عزمهم * يريك من تفجيراتهم أنواعا
      ضربتهم الأيام أشرس ضربة * لم تحن هاماً أو تفل ذراعا
      و تسلحوا بالعاديات إلى الضحى * و الفتح تملأ نبضهم إيقاعا

      أصحاب الأخدود يعرفون أن فى موتهم حياة للإسلام و ظهور له و تثبيت لغيرهم ، أصحاب الأخدود هم نواة دولة الإسلام التي ستقام قريباً بعز عزيز أو ذل ذليل إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً؛ فهذا وعد الله الذي لا يخلف الميعاد .
      أصحاب الأخدود هم الطليعة التي تقتحم على الجاهلية معابدها و تكفر بقوانينها و تنغص عليها معيشتها و لا ترحم كفرها و لا تهدأ حتى تستأصل شأفتها بالكلية لتذهب بلا رجعة .

      اصحاب الأخدود هم وحدهم من تخشاهم الجاهلية؛ لأنهم يعشقون الموت فى سبيل الله و هي و أبناؤها و جنودها يعشقون الحياة فى سبيل الشيطان ، إننا اليوم إذ نؤصل لفقه أصحاب الأخدود علينا أن ننطلق من كلمات الله عز و جل :
      ((والسماء ذات البروج، واليوم الموعود، وشاهد ومشهود، قتل أصحاب الأخدود، النار ذات
      الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد، إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير، إن بطش ربك لشديد، إنه هو يبدئ ويعيد، وهو الغفور الودود، ذو العرش المجيد، فعال لما يريد))
      يقول سيد قطب رحمه الله :
      ((إن الناس جميعا يموتون، وتختلف الأسباب، ولكن الناس جميعا لا ينتصرون هذا الانتصار،
      ولا يرتفعون هذا الارتفاع، ولا يتحررون هذا التحرر، ولا ينطلقون هذا الانطلاق إلى هذه الآفاق... إنما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده لتشارك الناس في الموت، وتنفرد دون الناس في المجد، المجد في الملأ الأعلى، وفي دنيا الناس أيضا، إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال!
      لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم، ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم؟ وكم كانت البشرية كلها تخسر؟ كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير، معنى زهادة الحياة بلا عقيدة، وبشاعتها بلا حرية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد؟
      إنه معنى كريم جدا، ومعنى كبير جدا، هذا الذي ربحوه وهم بعد في الأرض، ربحوه وهم يجدون مس النار، فتحرق أجسادهم الفانية، وينتصر هذا المعنى الكريم الذي تزكيه النار! ))

      إن الحركات الإسلامية التى تواجه الطواغيت و الجاهلية اليوم ، سواء من خرجت لتوها من الديمقراطية و كفرت بها ، أو أهل الحق الخالص الذين لم تلوثهم الديمقراطية ، هم سواء الآن في المواجهة؛ لأن العدو الآن يقاتل على الهوية و مجرد الانتساب للمشروع الإسلامي ، فإن اختار هؤلاء طريق أصحاب الأخدود فهم أول الغيث الذي ينزل على أرض مشروع الخلافة المباركة  و هم في نفس الوقت حجر سِجِّيل الذي يَفْلِق رؤوس أبناء الجاهلية و عبيدها  { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً۝ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } ، أما من سينكث منهم عهده مع الله بعد البيعة على الموت سيرده الله إلي طريق أصحاب السبت مرة أخرى و لن يخرج { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً۝ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً }

      هذا هو فقه أصحاب الأخدود، فقه الموت الذي من بعده الجنة للشهداء و النصر لمن بقى من الأحياء .

      وجزاكم الله خيرا