فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ماذا تريدون؟ أسلمة مصر أم تمصير الإسلام ؟

      * عجبا  لما يحدث الآن على الساحة الإعلامية و فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، فليس كما يظن الناس هى محاولة لأسلمة مصر بل هو تيار جديد يبذل محاولة جادة لتمصير الإسلام ، ليظل هو الدستور الدائم لعقود لهذه البلد المنكوبة بإخوانها و سلافَّيها و شعبها المنكوب بهما.

       * وما يراد لهذه البلد هو صهر كل القوى الفاعلة (الإسلام ، الليبرالية ، العلمانية ، و النصارى .....) فى بوتقة واحدة؛ لإخراج مكون جديد أو ياسق جديد ملمحه الأساسى تمصير الإسلام؛ لكى توافق عليه كل القوى الفاعلة . و السيادة فيها (كما هنفصل بعد ذلك) ليس لله و كتابه و شريعته وحدهما، إنما لمصر مع الله جلا وعلا،فمصر يمثلها العلمانيون والنصارى واللبيراليون، والتيار الاسلامى يمثل كتاب الله وشريعته ؛ و بهذا يكون الإسلام الممصر مقبولا عندإلعلمانيين و يرضى عنه الاسلاميون والنصارى و تقره الدول الكبرى

       أولاً: فمن ناحية الاعتقاد أصبح يراد لمصر أن تكون القطب الذى يتجمع حوله الناس و ليس الإسلام ، و هذا معنى من معانى كلمة الرب ، ففى المعاجم اللغوية فلان (يرب الناس) أى يجمعهم أو يجتمع عليه الناس .

       و لكى تفهم ما أعنيه استبدل كلمة الله بكلمة مصرفى الفقرة القادمة :-       

                             

      1- أصبحت مصر هى العليا والكبيرة والعظيمة التى يتجمع عليها الناس ، فلا يعلوها شئ ، و أصبحت هى القدس التى لا ينجسها شئ ؛ بل هى تُطهر كل من أنتسب إليها بشرط ولائه لها (فقد ظهر بطل فى أحد الأفلام و هو يقام الإنجليز ولا يصلى و لايصوم و كأن مقاومة المحتل لمصر تغفر له عدم الصلاة و الصوم)

       2- فالكل تحت لوائها سواء، ويتفاضلون ببذلهم لمصر، والجميع يغرف من كرمها و يعم الجميع خيرها ، و من أجل مصر تقدم التضحيات من الجهد و المال والعرق و النفس ، و مصر هى الآمرة الناهية المطاعة على كل حال ، بل وصموها بصفات ليست لها، ليُعلو من شأنهاويعظموا من قدرها فنسبوا إليها (الكلام و السمع و البصر و الإرادة والحياة) (انظر إلى كلمات الأغانى التى تقال عن مصر)

       3- وأعطوا هذا الرب الجديد (مصر) السيادة ، و جعلوها بينها و بين الله جلاوعلا، فإذا تعارضت سيادة الله و شرعه مع سيادة مصر و قوانينها قُدمت سيادة مصر وومصلحتهاالعلياو أُخرت سيادة الله و شريعته كما قال _تعالى_ " وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ "

       و ما أدراك ما هى السيادة ، إنها تعنى كما حددها فقهاء الدستور و القانون فى كتبهم كالآتى :-

       أ- الإطلاق :- فأعطوا مصرمطلق السيادة على الغير فى أرضها ، و لايفرض عليها قانون بل القانون تعبير عن إرادتها و رؤيتها ( مجلس الشعب ) ، فإرادتها آمرة مطلقة و ليس لأحد عليها حقوق ، و علاقتها بالذين يقطنون أرضها علاقة السيد بالرعية و المتبوع بالتابع و على الجميع تنفيذ أوامرها ليس بسبب مضمونها أو فحواها ؛ بل لأنها صادرة عن إرادة بطبيعتا أعلى من إرادتهم .

       ب- السمو :- فإرادتها تعلو كل الإرادات ، و سلطتها تعلو كل السلطات ، و لا سلطة أعلى منها و لا تساويها . و لذا عندما سئل خيرت الشاطر : هل ستمنعون الربا ؟! .. قال : إن هذا أمر متروك للشعب .

       ج- الوحدانية :- أى لا يوجد فى الأقليم الواحد إلا إرادة واحدة ، أو سلطة واحدة و هى سلطة الشعب و إرادته .

       د- الأصالة :- فهى قائمة بذاتها ، فلم تتلقى العلو ولا السمو من إرادة أعلى منها ، أو سابقة عليها ، إذا لا توجد أصلا إرادة أعلى منها .

      هـ- عدم القابلية للتملك :- فإذا اغتصبها من ليس أهل لها و فرض على الناس سلطانه مدة من الزمن طالت أو قصرت ؛ فإن هذا لا يضفى الشرعية على سلطانه مهما طال الأمر . فغصب السيادة لا يثبت الحيازة .

       و- العصمة من الخطأ :- فإذا تكلم القانون سكت الضمير( أى معتقد الناس الذين يدينون به لله ) فلا عبرة ولا طاعة ولا سيادة إلا للقانون الذى يصدر عن ( مصر ) حتى لو أبطل ما أبطل من معتقدات و دين الناس وأبقى ما أبقى ، فما دام صدر فله العصمة .
       فأصبح الاسلام الممصر كما يراد له الرب الذى يحكم الناس و مطلوب منهم أن يدينون له بالطاعة و الولاء . بل و كل شعوب الدول العربية  تدين بنفس الولاء لأرضها مع الله_ أى أربابا أخرى من دون الله لكل بلد_ ( فأصبح لكل بلد صنم !! ) .

       4- فبعد أن كان الدين و شريعة رب العالمين فى القمة التى لا ينازعها فيهما أحد ، تحولت إلى أحد أجزاء منظومة الصراع الدائر فى مصر مع الليبراليين و العلمانيين و النصارى . و يبدو هذا الصراع فى الإعلام ، فالأضواء الآن مسلطة على مصر و مصلحة مصر العليا ، و إذا سلط هذا الضوء بعد ذلك على دين الله و شريعته ففى دائرة ضوء خافتة يشوبها التشويه و الاتهام .
      و ما أُدخل الدين و الشريعة إلى دائر الصراع ؛ إلا لأن مصر أدخلته ضمن رعاياها الذين لهم حقوق مثلهم مثل العلمانيين و الليبراليين و النصارى .

       ويبدوالصراع أيضا فى الجمعية التأسيسية للدستور و ما نراه إلا محاولة جادة لتمصير الإسلام واصرار كل القوى الفاعلة على حيازة جزء من السيادةفى الدستور ؛ لجعله مقبولا لأعداء الإسلام . (كالذى حدث فى تركيا على يد الأخوان ،إنهم لم يأسلموا تركيا بل تتّركوا الإسلام بمزجه بالعلمانية.

       5- وأصبح لكل منهما حزبا يدافع عنه وينشردعوته ( تعالى الله عما يقولون ويعتقدون علوا كبيرا )

       6- وانساقت التيارات الاسلامية_إلا قليل_على اختلاف مسمياتها وراءهذا التيار   الجديد (تمصير الاسلام) بقصد أوبدون قصد بعلم أوبدون علم وُوزعت الأدوار: فالسلفيون يضفوا الشرعية على تمصير الإسلام ،والإخوان والعلمانيون يجعلوه واقعا يعيشه الناس ،والسلطة تحمى الاثنين من الذين يقاوموهما .

       7- ووصل الامر الى منتهاه بتبديل المصطلحات الإسلامية . فأصبح الوطن مرادف دار الإسلام ، و المواطنة مرادفاً للإسلام ( فلا تقول مسلم ، أو نصرانى بل قل مصرى ! ) ، و أصبح الكفر مرادفا لخيانة الوطن ، و أصبحت الديمقراطية مرادفة للشورى ، و النهضة مرادفة للحكم ما أنزل الله ، و الموت فى سبيل الوطن مرادف للشهادة فى سبيل الله ، و أصبح السماح للشرك و الكفر تحقيقا لقول الله تعالى " لا إكراه فى الدين .... " ، و التجمع على أساس الأرض مرادف للتجمع على أساس العقيدة . و أنتهى من مصطلحاتنا قول ربنا " يا أيها الذين آمنوا ..." " المؤمنون " "المسلمون" "عباد الله " و حل محلها مصريون ، شركاء الوطن . و أصبح تاريخنا يبدأ من تاريخ عدو الله فرعون ( الفرعونية)   ، و فى سوريا الفينيقية ( فحتى المصطلحات لم نحافظ عليها ! ) .

       ثانياً : فلب الصراع الدائرهو صراع إرادات ، إرادة تريد أسلمة مصر و إرادة تريد   تمصير الإسلام ، و المنتصر هو الذى تظل إرادته لا تتغير برغم المغريات و المصاعب و المحن ؛ حتى يفرض إرادته _حتى لو استمر الصراع فترات طويلة _، و هذا يحسمه معية الله ثم إرادة المسلمين . كما يعلمنا الله _سبحانه و تعالى _ فى سورة المائدة و هو يحدثنا عن بنى إسرائيل ، قال تعالى "  وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ " .

       فكما تجمعت الإرادات على إسقاط النظام من قبل . فيجب عليها أن تتجمع على أسلمة  الصراع فى مصر، فالصراع لا يحسمه  أوراق مكتوبة أو محاضر جلسات أو مناقشات أو مناظرات إعلامية بل الذى يحسمه_كما قال سيد قطب رحمه الله_( الجهر بالحقائق الاساسية فى هذا الدين ، وألايخفوامنها شئ،وألا يؤجلوا منها شئ ،وفى مقدمة هذه الحقائق : أنه لا ألوهية ولا ربوبية إلا لله ، ومن ثم فلا دينونة ولا طاعة ولا خضوع ولا اتباع  إلا لله فهذه الحقيقة الأساسية يجب أن تعلن أيّاً كانت المعارضة ،وأيّاً كان الإعراض من المكذبين والمتولين،وأيّا كان وعورة الطريق وليس من( الحكمة والموعظة الحسنة) إخفاء جانب من هذه الحقيقة أوتأجيله،لأن الطواغيط فى الارض يكرهونه أو يؤذون الذين الذين يعلنونه أويعرِضون بسبه عن هذا الدين،أو يكيدون له وللدعاة إليه ).

       وهذا هو بداية الطريق وعليه يتحدد الأعداء والأولياء وتتحدد معالم الطريق وينجو سالكيه ولو بعد خطوة واحدة فيه