فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      نقاش بين أب و ابنه

      إلى والدي العزيز الدكتور طارق عبد الحليم

      نقاش بين أب و ابنه

      احمد ابو فرحة

       

      إن الاختلاف بين البشر أمر فطري محمود , ذلك أن الحق من عند الله أمر مطلق في الصواب لا شائبة فيه , فالله من شرعه و نقله لنا نبه صلى الله عليه و سلم , و إن البشر مهما اجتهدوا و لو في دائرة الحق فان كلامهم قد يكون صوابا و لكن ليس مطلقا , فالعقل البشري هو الذي يحدد هنا إضافة إلى الخبرة الشخصية , و هذه مسلمة ابدأ فيها مقالي و الله الموفق.

       

      دكتوري العزيز الحبيب طارق عبد الحليم , قرأت مقالتك بعنوان "إيضاحٌ واجبٌ في منهج الثورة والدعوة!" , و كان لي بعض التحفظات و التعليقات , ارجوا منك إن وصلتك أن تقرأها بصدر رحب , و ما اكتب ما اكتب إلا محاولة مني لإكمال المسيرة البشرية في نصرة الحق , فالحق هنا جزءه و هناك و هناك , نجمعها فنقرب إليه .

      هذه بعض النقاط التي ذكرت أضع تحتها خطا و بعد إذنك أناقشها بعد ذلك :

       

      1- أن الثورة الشعبية، والخروج إلى الشارع والميادين، ضد قوى الطاغوت العسكري، هي (الطريقة الوحيدة للتغيير) حسب السنن الإلهية، كما رأينا في 25 يناير، وفي تجارب أمم عديدة، نشترك معها في الخضوع للسنن الكونية التي لا تُفرق بين مسلمٍ وكافر في مثل هذا الأمر.

       

      يا شيخي الكريم , إن الثورة الشعبية و الخروج إلى الميادين هي طريقة مثلى للتغيير في العالم الوردي الجميل الموجود بين ثنايا الكتب , أو قد يكون ناجعا عند الغرب و لكن أيضا ليس في هذا الزمان , ببساطة لان أمريكا تضع سياستها في كل شيء و في أي مكان , يعني لو أرادت الوقوف أمام أي تغيير في أوروبا مثلا لوقفت تنفيذا لمصالحها العالمية الممتدة حول الأرض , و نموذج ثورة الباستيل قد انتهى و أصبح حبرا على ورق , هذا من جهة أوروبا الكافرة.

      أما بالنسبة للمسلمين يا شيخي الفاضل , فان التغيير المنشود الذي ترمي إليه و كثير من الفضلاء , يهدف إلى شيء عظيم , إلى أمر مفصلي عالمي , و هو تحكيم الشريعة . و تحكيم الشريعة بدون حرية و تخلص من نفوذ أمريكا و نفوذ المتسلطين العسكر ليس له أي قيمة . بمعنى آخر : أي شريعة إسلامية ستطبق في ظل وجود العسكر الخائن؟؟ , و إن كنت تريد بهذه الثورة إسقاط هذا المجلس العسكري , فهناك ألف ألف مجلس عسكري خائن بديل , قد يكون للبعض جيدا و غير متلوث , إلا أن منظومة أي جيش عربي و منها الجيش المصري , و الأساس القائم عليه هذا الجيش هو أساس باطل , و إن لا انفي أن يكون ضابط أو جندي نظيف هنا أو هناك .

      فنظام الجيش نظام طاغوتي كما تفضلت , و حتى معظم العناصر التي دخلت إليه , كانت قد قطعت شوطا في التنازل عن الدين , فما هي الفئات التي تدخل أي جيش عربي؟؟

      و لا احسب انك مختلف في هذا , و لكن أنت تقول إن الثورة الشعبية هي الحل !! و السؤال : ما هو دور الجيش ؟؟ و أيا كان نفس الثوار في الاعتصام فان نفس الجيش القائم على المصلحة أطول, و الذي هو متربي منذ عقود على القومية و الوطنية الوثنية .

      إن افتراضك يا شيخ أن الثورة الشعبية هي الحل الوحيد هي المشكلة , و لو قلت لو نجرب هذا الأمر في مصر لظرف خاص لقلنا أن هناك خصوصية معينة , و لكن بكلامك هذا قد يسيء البعض فهم الطريقة الصحيحة الذين تربوا عليها و كنت احد مربيهم و هي التوحيد أولا و إخلاص النية لله و التجرد له ثم الجهاد في سبيل الله , طبعا بعد إعداد عدة و ظروف معينة .

      و قد يستغل هذا الكلام عند الجماعات الإسلامية التي ربت أتباعها على الجبن و لا أريد أن اسميها فهي واضحة كالشمس , و سيقولون هذا احد "الخوارج" كما وصفوك سابقا يقول بما كنا قد نقول , طبعا أنت عندنا اكبر و أعظم من ذلك , و نحن نحبك و الله يشهد.

       

      2- انّ عدم التزام السِّلم، والتعدى، واستهداف العنف، والترصد للقتل، أو التخريب، بأي صورة، ليس من هذه الوسائل الشرعية التي يجب أن يلتزم بها المعتصمون. بل الواجب هو الدفاع عن النفس، لا أكثر، دون التعدى. وهذا من منطلق أنّ قوة العدو في شراسته وسلاحه، وقوتنا في كثافتنا وإصرارنا، لا العكس.

       

      في هذه الحال يا شيخ يبقى الثوار مكانهم لا يبرحونه , و يبقى الجيش مكانه في ثكناته , و يصبح الرهان على مدى طول أو قصر نفس الثوار , و مطالبهم , و للعدو مكائده و نفوذه في القادة المعتصمين , فقد يوافقون على مطالبهم بشكل " شكلي " , و قد يقولون لهم : لا تريدون ( عنان) قائدا للجيش نغيره و نأتي بجديد و يوافقون على بعض مطالب الثوار , و قد يكونون أذكى من ذلك و يقولون : تريدون شريعة , تفضلوا و طبقوها , و يقرون قوانينا تعمل بالحدود و تكون مصر سعودية أخرى , أليس هذا ما يريده السلفيون ؟؟ فالقصة ليست مطالب معينة نريدها من الجيش , القصة أننا نريد السيطرة على الجيش قيادة و أفرادا , و كيف سيتم هذا؟؟

       

      3-  أن أيّة وسائل يراها البعض "جِهادية"، كقتل أبرياء، أو التعدى على محلات وممتلكات، هي أمور خارجة عن المسار الشرعيّ، والعقليّ، وقد رأينا ما أدت اليه هذه الوسائل الموهمة، التي لا تنشأ إلا عن شبابية فجّة، أو منهجية منحرفة، في تجربة الجماعة الإسلامية، التي بدأت منحرفة وانتهت منحرفة، مرة إلى أقصى اليمين، ومرة إلى أقصى اليسار، أعاذنا الله من مثل هذه الزلل.

       

      مرة أخرى يا شيخ أراك قد  أغلظت على البعض , اتفق معك انه ليس كل عمل مادي يعد جهادي , و استهداف المحلات هنا أو هناك يعد سفاسف أمور , و لكن كلمة " قتل الأبرياء " قد تحمل على غير مسارها و قد تستخدم كما استخدمها العملاء من الدولة و من السلفية المتخاذلة .

      أريد أن اسأل هنا : هل استهداف قادة الجيش و المخابرات المتورطين قتل الأبرياء الحقيقيين عملا ممنوعا؟؟ هل استهداف السفارات و الأوكار الأمنية عملا ممنوعا ؟؟ و إن كانت مصر حالة خاصة ارجوا التوضيح , لست أنا وحدي إنما الكثيرون يتساءلون.

      و على ذكر تجربة الجماعة الإسلامية , اتفق معك أن بعض الأعمال كان مبالغا فيها , و لكن لا تنسى انه تم شيطنتها من قبل وسائل الإعلام الخبيثة في نشرات الأخبار و البرامج و حتى الأفلام و من قبل شيوخ مأجورين أيضا , و أرى أن تجربة الجماعة الإسلامية كانت ناجحة لو أن الشعب وقف معها و احتضنها , و أنا متأكد لو أن الشعب خرج مظاهرات عارمة كاليوم بعد اغتيال السادات , لكان الأمر مختلفا , لكنهم كانوا لوحدهم , و قد أوذوا و تعذبوا حتى رأينا ما هم عليه الآن , إذا فقضيتهم أنهم تعذبوا و لم يقف معهم احد حتى انتكسوا , قضية بلاء لم يتحملوه.

       

      شيخي الفاضل , إذا أردنا أن نغير حق التغيير لا بد لنا أن نحسب حساب الزمان , أي زمن نحن فيه , و حساب العدو , من هو العدو , و حساب الطريقة , و أخيرا التعلم من التجارب الناجحة.

      زماننا هذا زمان القوة , لا رحمة فيه و لا خطوط حمر , تنتهك الأعراض و تغزى الدول باسم الديمقراطية و تسحل الفتيات المسلمات بحجة درء الفتنة . و العدو هو أمريكا أولا , و ما نراه من مجلس خائن و سلطة عميلة, ما هي إلا إذناب لأمريكا باعت ضمائرها و دينها بثمن بخس , و الطريقة التي ندين لله بها هي " التوحيد و الجهاد " , و لا يحسب كلامي أن الجهاد يكون غير منظما أو أعمالا عبثية , فلا بد من منهجية محكمة , بعد توحيد خالص و النتائج بعدها على الله سبحانه.

      و التجارب التي يجب أن تتبع هي النتائج الناجحة , و التي رأيناها بأم أعيننا , طالبان في أفغانستان و باكستان , الشباب المجاهدين في الصومال , أنصار الشريعة في اليمن , أنصار الدين في شمال مالي , كل أولئك يطبقون دين الله و لهم تمكين و تكالبت عليهم عشرات الدول , و لم يأتوا عبر ثورات شعبية بالمعنى الغربي دون قوة عسكر ,و هؤلاء  صدقوا  و توكلوا على الله , و بالطبع بعد إعداد عدة , كل ذلك قادهم بعد مشيئة الله إلى بؤر تقض مضاجع العالم , و من هؤلاء نتعلم , و نقلد .

       

      أخيرا يا دكتور , ارجوا مسامحتي , فإنني أتشرف أن أكون احد أبنائك , و لكن الدين غالي و ارجوا أن أكون قد قربت إلى الحق , علما إنني لست مصريا و مهما أتابع فاني لا اعلم كل الخبايا في مصر , و لكن ما أدين به لله أن أي نهج صادق أراد التغيير الحق و أراد الحرية الكاملة , لا بد من الصدام و القوة عاجلا أم آجلا , و تلك هي سنة الله منذ إنشاء دولة المدينة مرورا بالأمويين و العباسيين و من تبعهم حتى نماذج الإسلام الحقيقية في زماننا.

       

      اسأل الله أن يوفق المصريين إلى خيره و مرضاته و أن يعجل لهم في الفرج , و أن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم , انه على كل شيء قدير .

       

      21 – ابريل - 2012