فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ظَاهرُها النعمة .. وباطنُها البلاء!

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم <>                                                كثيرة هي الأمور التي تخدع المرء عن حقيقة ما يعرض له من خير وشر، أو من صحيح وباطل، أو من صالح وطالح. فالدنيا خدّاعة بطبيعتها، تظهر حسناً وهي قبيحة، وتقدم نصحاً وهي ماكرة لئيمة. إن أضحكتك، فإلى بكاء تأخذك، وإن أغنتك، فإلى فقر تدفع بك، وإن رفعتك، فليكون سقوطك أشدّ ألماً، وصدق شوقي <>                          ومن تَضحَك الدنيا إليه فَيغترِرْ<>       يَمُتْ كقتيلِ الغيدِ بالبسماتِ<>             جالت بخاطرى تلك المعاني، وأنا أرى سعد الكتاتني يتربع على كرسيّ البرلمان، ومحمد بديع يُصدر التصريحات التي تتلقفها الصحافة بالترحاب والبيان، وسائر منظومة الإخوان، التي سكنت ديار قوم مبارك، وتذكرت قول الله تعالى "عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ   فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ"الأعراف 129. الإستخلاف إذن ليس فوزاً في حدّ ذاته. الإستخلاف هو محنة وابتلاءٌ، ينظر الله به في عمل العاملين، إن صدقوا فازوا، وإن انحرفوا وكذبوا وداهنوا، خسروا وخابوا. <>       الفيصل في حياتنا الدنيا، لمن أسلم لله، هو الإلتزام، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ. الإلتزام بطاعة الله في المنشط والمكره، وفي السلم والحرب، وفي العموم والخصوص. الإلتزام بمنهج الله، منهج الله السويّ المستقيم، الذي لا يزيع عنه إلا هالك. الإلتزام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا حيدة عنهما، مهما تراءت للمرء خوادع الدنيا، وتزينت له مفاسدها في رداء مصالحها. ثم بعد الإلتزام، الصبر. الصبر على أشياءٍ وعن أشياء. الصبر على لأواء الإلتزام. ثم الصبر عن المكاسب السريعة، والإنتصارات الزائفة. الصبر على المحنة وعلى تحدى الباطل وإختيار طريق الحق الشاق. والصبر عن ممالأة الباطل وإختيار الأسهل والأقرب، من سكة المداهنة والتوافقية. ألم يقل المولى سبحانه "وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ"العصر.<>        هل استفاد هؤلاء الذين استخلفهم الله على كَراسيَ الظالمين، من عبرة الدنيا؟ لا والله، بل ما أراهم إلا سقطوا صرعى الغيد الحَسناوات من خدع الدنيا. صرعى الديموقراطية، وصرعى السلطة والقوة. أعمت محاسن الغيد الخدّاعات عيونهم عن حق الدماء، وعن الدفاع عن قضية تحكيم شرع الله، وصرفتهم إلى تحالفات شيطانية مع ألدّ أعداء الله في الأرض. وسوّلت لهم أنفسهم أنّ هذه التحالفات ستتيح لهم البقاء أطول من المقدور، وسيشتد عود جماعتهم بها، وتصبح هي المسيطرة على ملك مصر، والأنهار تجرى من تحت أقدام مرشدها! راحوا يتوافقون على مرشح لا يرفع شعار الشرع، ولا يأبه لتطبيقها إرضاءً للعسكر، وتطمينا للصهاينة والصليبيين الأمريكان. وحاربوا الرجل الفاضل حازم أبو اسماعيل، لصالح أمثال منصور حسن أو باسم خفاجي.<>                                                 غَرّ هؤلاء في دينهم الغرور، فغاب عنهم "إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ     "الأعراف 81، ولا ينصر إلا الصالحين، وإن طال الأمد. إن التحالف مع الشيطان لم يكن يوماً في منهج ديننا، الذي يعتمد الوسيلة في مقام الغاية، كلاهما له حكم واحد، إن فسدت الوسيلة بطلت الغاية، وإن بطلت الغاية، فَسَدت الوسيلة.<>                                                    مهما أوّل هؤلاء أفعالهم، وبرّروا تصرّفاتهم، فهم مخدوعون، موهومون، مُضَلَلون. أضلتهم الدنيا بزخرفها وزينتها وسطوتها وقوتها، وظنوا أنّ ما هم فيه هو فضلٌ من الله اكتسبوه، وأنه جزاءٌ لما قدّموا من قبل. وهذا باطلٌ من الفكر والنظر. إنما أراد الله سبحانه أن يبيّن معدنهم للناس، فواتاهم الفرصة الأخيرة، التي لو فطنوا لحقيقتها، لكسبوا الدنيا والآخرة، لكنّ علم الله ضعف قلوبهم وفساد نياتهم، فأسقطهم في أول إختبارٍ في الصبر عن الدنيا وزينتها. لم يعلموا أنّ مقام الصبر عن الدنيا أعلى من مقام الصبر على الدنيا. فالأول دليل عزمٍ ماضٍ، والثاني قد وقد. قد يكون دليل صبرٍ إن أصاب المرء في سبيل الله، أو قد يكون ظاهر صبرٍ دون حقيقته، إن أُرغم عليه المَرء. <>                                                      ما غاب عن هؤلاء، في سكرتهم بما هم فيه اليوم، أن الله ليس بغافلٍ عما يعملون، وأنهم موقوفون مُساءلون. وأن الأمر أمر إبتلاء وتكليف، لا فوزٍ وتشريف.<> إن مثل شرع الله كمثل حديقة غناءٍ واسعة مترامية الأطراف، ما تطأ قدمك فيها موضعاً إلا مَسّت خُضرة، وما وقعت عينك فيها على شئ إلا أحسّت أمنا. ظلّها ظليل وهواؤها عليل، تجد في كلّ أنحائها ما يشدّ أزرك ويقيم أودك ويصلح حالك ويريح بالك. ومثل ما يتوافق عليه هؤلاء المخدوعين كمثل صحراء شاسعة الأرجاء، ليس فيها إلا رمال في رمال، ما تجد فيها محطّة راحة ولا معاقد آمال. ما خاضت فيها قدمٌ إلا زادت عن الحياة بعداً ومن الهلاك قرباً. إن وجد فيها الضائع واحة صغيرة، هلّل وتصايح كأنه وقع على ما لم يؤت الله أحداً من العالمين، ولا يعلم هذا المسكين، أنّ ما هو فيه إلا قطرة في محيط نعم الله الوارفة، التي تركها قصداً وعمدا، ليضرب في التيه بحثاً عن الماء وما هو ببالغه.<> والله، لا يفلحُ إلا من صدق الله، ونصر دينه، ونصر من نصر دينه. أما أن يتلاعب بدين الله المتلاعبون، ويمارسوا سياساتٍ لا تفرخ إلا شؤماً على البلاد، فإنّ هذا ليس من دين الله ولا من شرعه، مهما تملصوا من النتائج التي عقدوا أسبابها بأيديهم.<> هذا الذي يَرْفُل فيه قادة الإخوان اليوم، فيذهلهم عن الحق المبين، ويتركهم راضين خاضعين لسياسات الشيطان الرجيم، إن هو إلا نعمة في باطنها البلاء. فإنه لا طريق إلى النصر والرفعة والكرامة والرغد إلا بأخذ أوامر الله سبحانه بقوة، مهما تصور الضعفاء صعوبتها وهُزمت نفوسهم عن نصرتها "وَقَالُوا۟ لَا تَنفِرُوا۟ فِى ٱلْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّۭا ۚ   لَّوْ كَانُوا۟ يَفْقَهُونَ"التوبة 81. <>